أتوقف في هذا المقال عند النماذج التي طبّقها الأخوان رحباني في إعادة تقديم أغانٍ من التراث ، و أركز على أحد تلك النماذج، من خلال المقارنة مع تسجيل أصلي نادر لأغنية ” يا من يحن إليكِ فؤادي ” بصوت متري المر ، بغية تبيُّن خفايا ذلك النموذج ، و مقارنة الناتج ، في النسخة المطورة ، بصوت السيدة فيروز ، مع التسجيل الأصلي..
في بدايات الأخوين رحباني كان هناك مسار خاص لديهما يعتمد على إعادة تقديم أغانٍ من التراث الشامي عموماً ، في نماذج متعددة ، فمنها ما كان يقدم كما هو لحنياً مع إكسابه أناقة صوت السيدة فيروز واللمسة الرحبانية في التنفيذ نموذج 1 ، ومنها ما كان يقدم كما هو لحنياً مع تغييرات في أجزاء النص سواء بالإضافة أو بالاستبدال الكامل وخاصة لنصوص الأغصان في الأغنية نموذج 2، ومنها ماكان يقدم كما هو لحنياً ، مع إضافات بسيطة عليه للتلوين ، أو بإجراء تهذيب للحن ، مع تغييرات في أجزاء النص سواء بالإضافة أو بالاستبدال الكامل وخاصة لنصوص الأغصان في الأغنية نموذج 3، ومنها ما كان يحافظ فيه على المدخل “المذهب” نصاً ولحناً ، مع إجراء التهذيب اللازم ، و إضافة لحن جديد للأغصان في الأغنية مع نص جديد لكل غصن منها نموذج 4 ، والتفاصيل موجودة في دراستي عن السيدة فيروز والأخوين رحباني!.
هذا السجل يتضمن تسجيلاً يعود لعام 1924 على أسطوانات بيضافون يوثق نسخة أصلية لأغنية ” يا من يحن إليكِ فؤادي ” ، على مقام الراست ( الماهور ) ، بصوت الموسيقي والمنشد والملحن اللبناني متري المر . يبين السجل أن الأخوين رحباني تعاملا مع هذه الأغنية ، عندما أعادا تقديمها بصوت السيدة فيروز وفق النموذج الثالث ، إذ كان هناك تهذيب بسيط للحن الأغصان ، مع الحفاظ على لحن المذهب الأصلي ، و تغيير نصوص الأغصان.
الكلمات في نسخة متري المر:
يا من يحن إليك فؤادي هل تذكرين عهود ودادي
***
هل تذكرين ليالي الوصال آهٍ على تلك الليالي
كنا نغني ونور الهلال يذكي الصبابة في الأكباد
***
يا من يحن إليك فؤادي هل تذكرين عهود ودادي
***
هل تذكرين الحب القديم أيام كان العيش نعيما
أيام كنا نطوف الكروم نقطف نرجس ذاك الوادي
***
يا من يحن إليك فؤادي هل تذكرين عهود ودادي
***
هل تذكرين هل تذكرين صباً يذوب إليك حنيناً
قلبي بحبك يبقى أمينا لو عيل صبري وطال بعادي
***
يا من يحن إليك فؤادي هل تذكرين عهود ودادي
***
كوني كما …. يا ملاكي قلبي وروحي ومالي فداك
إن تذكريني …. رضاكي كل مناي وجل مرادي
الكلمات في نسخة فيروز:
يا من يحن إليك فؤادي هل تذكرين عهود الوداد
***
هل تذكرين ليالي هوانا يوم التقينا وطاب لقانا
حين الوفا للأغاني دعانا طاف الجمال على كل وادي
***
يا من يحن إليك فؤادي هل تذكرين عهود الوداد
***
هل تذكرين غداة الورود حنت علينا وطابت وعود
كانت لنا في الغرام عهود صارت حديث الربى والشوادي
***
يا من يحن إليك فؤادي هل تذكرين عهود الوداد
***
حين الوفا للأغاني دعانا طاف الجمال على كل وادي
***
يا من يحن إليك فؤادي هل تذكرين عهود الوداد
مقارنة النسختين
من المفيد ، متابعة النسختين ، لتقدير مدى التغيير الذي حصل في نسخة فيروز ، على مستوى جمال الصوت ، وأناقة التنفيذ ، و اعتماد مقدمة موسيقية قصيرة بدلاً من الدولاب التقليدي ، والحفاظ على وجود المذهبجية ( الكورس ) مع تغييرٍ في أسلوب أدائهم ، والابتعاد عن ترجيف الصوت ، الذي كان شائعاً في بدايات القرن العشرين.
اللحن الأصلي!
يبين هذا التسجيل أن الأخوين رحباني اعتمدا ، فيما يبدو ، على تسجيلات الأسطوانات القديمة ، كصورة صادقة عن التراث الشامي ، في سعيهما لتطويره ، ولكنه يبين ، بعد تحليل مبسط ، أن الأغنية الأصلية كانت أيضاً عملاً نحى فيه واضعه منحى الأخوين رحباني ، فاللحنان الأصلي والمطور لأغنية ” يا من يحن إليكِ فؤادي ” ليسا إلا لحن الأغنية المعروفة لأبي خليل القباني … ” يا مال الشام ” !!.
ملاحظة هامة
إذاً هذان نصان وضعا على لحن أقدم .. وهنا ملاحظة هامة : اللحن الأصلي ، يا مال الشام ، يبدأ بيا النداء ، ما تطلب ، تعبيرياً ، الصعود مباشرة إلى الأصوات الحادة للتعبير عن النداء ، وقد سبق أن شرحت هذا في برنامجي التلفزيوني نهج الأغاني ، ( أمثلة من الموشحات التي تبدأ بيا النداء و اللحن يبدأ في الأصوات الحادة: موشح يا صاح الصبر وهى مني ، يا شادي الألحان ، يا غصن نقى مكللاً بالذهب ..).
عندما وُضعت كلمات جديدة على قد لحن أبي خليل ، حوفظ على البدء بيا النداء ( يا من يحن إليكِ فؤادي ) ، وبالتالي تمت المحافظة على البعد التعبيري الذي كان في لحن أبي خليل القباني!