الفصل السابق : حياة وفن أسمهان – الفصل الرابع – 2
الكتاب المسموع : حياة وفن أسمهان
الفصل الرابع – القسم الثالث
يا ليالي البشر : مقدرة موسيقية و متابعة للنقاش العلني بين الكبرياء والفن
التسجيل الصوتي للاستماع المتزامن مع قراءة النص :
(قطع إلى أغنية يا ليالي البشر لـ أسمهان )
يا ليالي البشر يا أحلى الليالي أين أنتِ الآن من ليل هواني
هذه أغنية عجيبة فعلاً، لأنها ستفتح لنا في كل عبارة فيها أفقاً جديداً في التحليل الموسيقي، والتحليل الدرامي أيضاً. نتوقف أولاً عند عبارة يا ليالي البشر، هدفنا التأكد من تطوّر التفكير الموسيقي عند الأستاذ فريد الأطرش . يا ليالي البشر يا النداء، كيف لحّنها الأستاذ فريد؟ وكيف لحّنها ملحِّنون آخرون من كبار الملحِّنين؟ إذاً أوّلاً يا ليالي البشر ويا النداء :
(قطع إلى أغنية يا ليالي البشر لـ أسمهان )
يا ليالي البشر
هذه عبارة نداء، يا ليالي البشر . الآن، عادةً في الحديث العادي، النداء يتوافق مع تصاعد في اللهجة. مثلاً أقول: يا سمير! أو يا سعيد! إذاً أنا أرفع صوتي. هل أتي اللحن معبراً عن تمعّن الأستاذ فريد في المعاني؟ هل أتى اللحن متصاعداً أيضاً بعد يا النداء؟ ندقق باستخدام القانون ، سأعزف أولاً الجملة اللحنية، ثم أبسِّطها لكي نكتشف ذلك.
(قطع إلى عزف يا النداء في يا ليالي البشر على آلة القانون )
لنبسِّطها الآن في البداية عند يا النداء:
(قطع إلى عزف يا النداء في يا ليالي البشر على آلة القانون )
نلاحظ هناك تصاعد:
(قطع إلى عزف يا النداء في يا ليالي البشر على آلة القانون )
لنستشر الحاسب الآن في ما لو سُجِّلت هذه الجملة اللحنية المبسَّطة عنده، كيف يُعبر عنها بصرياً، وسأعطي في ذات الوقت على القانون الضربات الموسيقية، أو الأصوات الموسيقية المعبِّرة عن الجملة اللحنية المبسَّطة، وندقّق: هل يتصاعد اللحن للتعبير عن النداء؟ لنستشرْهُ إذاً الآن:
(قطع إلى عزف يا النداء في يا ليالي البشر على آلة القانون مع رسم شكل الجملة اللحنية)
هل كان الأمر مجرّد صدفة؟ لنتابع الآن يا النداء للتأكّد في يا بدع الورد غناءً من أسمهان .
(قطع إلى أغنية يا بدع الورد لـ أسمهان )
يا بدع الورد
لنستخدم القانون الآن للاستماع إلى الجملة اللحنية الأساسية في يا بدع الورد .
(قطع إلى عزف يا النداء في يا بدع الورد على آلة القانون )
لنستمع الآن إلى بداية الجملة اللحنية مبسَّطة عند يا بدع الورد ، هل كان اللحن متصاعداً؟
(قطع إلى عزف يا النداء في يا بدع الورد على آلة القانون )
الآن لندقّق باستخدام الحاسب في شكل الجملة اللحنية بصريّاً، نستخدمه الآن مباشرةً:
(قطع إلى عزف يا النداء في يا بدع الورد على آلة القانون مع رسم شكل الجملة اللحنية)
إذاً النداء يلائمه التصاعد اللحني، وكان هذا عند الأستاذ فريد الأطرش . هل كان ذلك عند باقي الملحِّنين؟
لندقق الآن أوّلاً مع الأستاذ محمد القصبجي في مونولوجه الرائع يا طيور . لنستمع إلى البداية في يا طيور .
(قطع إلى أغنية يا طيور لـ أسمهان )
يا طيور
لندقّق بالأسلوب ذاته باستخدام القانون ، الجملة اللحنية الأساسية:
(قطع إلى عزف يا النداء في يا طيور على آلة القانون )
الآن الضربات الأولى:
(قطع إلى عزف يا النداء في يا طيور على آلة القانون )
هل فيها تصاعد؟ لنستشر الحاسب لنشاهد بصريّاً كيف هو شكل الجملة اللحنية. لنستشره الآن.
(قطع إلى عزف يا النداء في يا طيور على آلة القانون مع رسم شكل الجملة اللحنية)
عند السنباطي في أيها النائم مع أسمهان ، كيف جاء النداء؟
(قطع إلى أغنية أيها النائم لـ أسمهان )
أيها النائم عن ليلي سلاما لم يكن عهد الهوى إلا مناما
ندقق باستخدام القانون كما رأينا شكل الجملة اللحنية الأساسية:
(قطع إلى عزف يا النداء في أيها النائم على آلة القانون )
ولنعطِ مبسَّطاً شكل الجملة اللحنية عند أيها النائم :
(قطع إلى عزف يا النداء في أيها النائم على آلة القانون )
أليس فيه تصاعد للحن؟ ندقق أيضاً باستخدام الحاسب، لنستشر الحاسب في شكل الجملة اللحنية بصريّاً، وليكن ذلك الآن:
(قطع إلى عزف يا النداء في أيها النائم على آلة القانون مع شكل الجملة اللحنية)
وفي القصيدة ذاتها أيها النائم هناك نداء آخر: يا ندامى:
(قطع إلى أغنية أيها النائم لـ أسمهان )
يا ندامى الراح من كرم الهوى جفَّت الكأس على أيدي الندامى
ومع القانون والجملة اللحنية الأساسية:
(قطع إلى عزف يا النداء في يا ندامى على آلة القانون )
كيف كانت البداية مبسَّطة؟
(قطع إلى عزف يا النداء في يا ندامى على آلة القانون )
ندقق الآن باستخدام الحاسب التصاعد اللحني في يا ندامى، وليكن ذلك الآن:
(قطع إلى عزف يا النداء في يا ندامى على آلة القانون مع شكل الجملة اللحنية )
إذاً النداء جاء اللحن فيه متصاعداً عند الأستاذ فريد الأطرش والأستاذ القصبجي والأستاذ السنباطي . كيف هو عند الأستاذ عبد الوهاب ؟ لندقق في رائعته يا دنيا يا غرامي.
(قطع إلى أغنية يا دنيا يا غرامي لـ محمد عبد الوهاب )
يا دنيا يا غرامي يا دمعي يا ابتسامي
مهما كانت آلامي قلبي يحبك يا دنيا
ندقق مباشرة وباستخدام القانون الجملة اللحنية الأساسية:
(قطع إلى عزف يا النداء في يا دنيا يا غرامي على آلة القانون )
كيف كانت البداية مبسَّطة في يا دنيا ؟
(قطع إلى عزف يا النداء في يا دنيا يا غرامي على آلة القانون )
إذاً هناك تصاعد. ندقق الآن باستخدام الحاسب: كيف سيكون الشكل البصري لـ يا دنيا، وليكن ذلك الآن:
(قطع إلى عزف يا النداء في يا دنيا يا غرامي على آلة القانون مع شكل الجملة اللحنية)
سأطلب الآن من الحاسب أن يجمع لي المخططات البصرية التي شاهدناها في مخطط واحد فراغي، وسأطلب منه أن يكون ذلك في زاوية يمكن أن نرى منها بدايات الأغاني عند يا النداء في لحظة واحدة، ولنلاحظ، فعلاً جميعها تتصاعد لحنياً بعد يا النداء مباشرةً ، لندقق وليكن ذلك الآن.
نلاحظ، وفي الزاوية التي اخترناها من الحاسب … جميع الأغنيات وكل أغنية معبَّر عنها بلون، هناك دوماً تصاعد بعد يا النداء للحن، ومنه أغنيات لكبار الملحّنين. ألا يدلّنا هذا على أن الأستاذ فريد الأطرش كان يُعبِّر باللحن عن المعنى؟ مثلما كان الملحّنون الكبار يفعلون في التعبير عن النداء، بعد يا النداء، بالتصاعد اللحني؟
ياليالي البشر واستمرار الحوار
لنَعُدْ إلى يا ليالي البشر ، لنُعِد الاستماع ونلاحظْ إن مزاج اللحن عموماً حزين، ولكن تُفاجئنا حيوية الموسيقى، المقاطع الموسيقية حيوية، وهي حيوية غريبة! وقد نظن في البداية أنه خطأ لحني، ولكن مادام الأستاذ فريد الأطرش … أثبتنا قبل قليل أنه كان يتمعّن في المعاني التي يُلحّنها لكي يعبّر عنها ؛ إذاً ليس هناك من خطأ. في الواقع .. الموسيقى في ليالي البشر هي لها دور البطولة، تماماً مثلما الغناء، وكان هذا ما لاحظناه في مونولوج يا طيور عند القصبجي ، عندما كانت الموسيقى أيضاً أحد أبطال العمل، وهنا أيضاً للموسيقى دور البطولة إلى جانب غناء أسمهان . ماذا كان دورها؟ لنستمع أولاً إلى تلك الحيوية الغريبة، ثم أجيب.
(قطع إلى أغنية يا ليالي البشر لـ أسمهان )
يا ليالي البشر يا أحلى الليالي أيـن أنتِ الآن من ليل هواني
لم تعودي غير ذكرى في خيالي فأنا اليومَ أقاسـي في الزمـان
يا طيــور أين زمان التغنـي يا زهور أين عبير التمنـي
كل ما في الكون من حسنٍ بديعٍ يتجلّى
حظُنا منه عيـونٌ بالدمـوع تتملّـى
في الواقع أتت حيوية الجملة الموسيقية متعارضة مع المزاج الغنائي اللحني الحزين، لأن النقاش العلني الذي تحدّثنا عنه قبل قليل، بين أسمهان و فريد مستمر، النقاش بين التفاؤل والتشاؤم، الموسيقى هنا هي فريد والتفاؤل بالنجاح، والغناء يُعبّر عن مضامين حزينة هي التشاؤم، تشاؤم أسمهان عندما تتحدث عن التعاسة.
إذاً يظهر ذلك بشكل أوضح عند المقطع التالي : “كانت الدنيا نضيرة أصبحت ذلاً وحيرة ” وبعد الذّل والحيرة، وإذ به مقطع موسيقي فيه حيوية تقترب من الحيويّة الراقصة. يا له من نقاش غريب!
(قطع إلى أغنية يا ليالي البشر لـ أسمهان )
كانت الدنيا نضيرة أصبحت ذلاً وحيرة
أمّا المقطع التالي ففيه تعارض للحن راقص مع أداء أسمهان التعبيري العجيب، عندما تُعبِّر عن التعجب في عبارة يا لحكم القضا عندما يتصاعد اللحن للتعبير عمّا يشبه الثورة المكبوتة التي تعتمل في نفسها.
(قطع إلى أغنية يا ليالي البشر لـ أسمهان )
كم تراءيتِ لعيني في المنام وعيوني قلّما الليلَ تنام
والورود اليانعة والثريا الساطعة واللآلي اللامعة
عهدها قد مضى عزها انقضى يا لحكم القضا
أرجع الله لنا تلك الأماني
يتبع : بين أوبريت انتصار الشباب وأوبريت قيس وليلى
الفهرس العام لمجلد أسمهان الإلكتروني