قالب الموشح

الموشح فن شعري وغنائي وُلِد في الأندلس، من خلال سعي الشعراء للتخلص من قيود الشعر في شكله التقليدي، حيث تتتالى الأبيات محافظة على قافية واحدة، وعلى وزن شعري محدد. اعتمد الموشح في صياغته الشعرية على الأوزان الموسيقية، وعلى توظيف خاص للقوافي الداخلية، في بناء هندسي لتوزيعها، يتوافق مع بنية العمارة العربية الإسلامية الهندسية، في أشكالها الإيقاعية البصرية، وفي تناوباتها اللانهائية. ظهر هذا في بناء الشكل الشعري للموشح من خلال تناوب كتلتين من الأبيات، تسمى الأولى الأقفال، بينما تسمى الثانية الأبيات، وتكرار ذلك التناوب.

تلحين الموشحات

جرت العادة أن تلحن الموشحات الأندلسية بأسلوب تلحين خاص، يعتمد على الإيقاعات المركبة، ويعطي اللحن الأولوية، فيسمح بامتداده ليكون أطول من النص، مما يتطلب إدراج كلمات إضافية مثل يالال و ياليل وأمان، كمتكآت لفظية لملء الفارق بينهما، بما يشبه دور اللوازم الموسيقية في التلحين المعاصر.
عندما خرج العرب من الأندلس، وصلت الموشحات الأندلسية إلى حلب مركز الإشعاع الموسيقي العربي، فاعتمد الحلبيون أسلوب التلحين الموصوف، وحولوه إلى قالب غنائي خاص ، حيث تم اختصار النص ، فبدلاً من أن يكون مشكلاً من تناوب متكرر لكتلتين من الاقفال والابيات ، فقد تم الاختصار ليكون القالب مشكلاً من كتلتين متكررتين من الأقفال، تتماثل فيهما القوافي والإيقاعات الداخلية ، تسمى كل كتلة : دوراً ، ثم كتلة من الأبيات لها قوافيها و إيقاعاتها الداخلية المختلفة ، تسمى : خانة ، ثم عودة إلى كتلة أخيرة من الأقفال المماثلة لكتلتي الأقفال الأولى ، تسمى: غطاء ، مع تعويض الاختصار بتشكيل ما سمي الوصلة من الموشحات ، وهي مجموعة موشحات على ذات المقام ، يتم اختيارها في أسلوب ذوقي ، أساسه تسارع إيقاعاتها من البداية إلى الختام . من أهم الأمثلة على هذا القالب : موشح جادك الغيث على مقام الهزام ألحان مجدي العقيلي.


ولكن التراث الغنائي الحلبي حافل بالموشحات التي تقدم تلوينات على النظام العام ، إذ من الممكن أن يتشكل الموشح من دورين فقط ، أو دورين وخانة دون غطاء ، وقد تتكرر الكتلة المشكلة من دورين وخانة وغطاء مرتين ، وقد يتكرر الدور أربع مرات ، و عادة يأتي التكرار عندما يكون اللحن بإيقاع سريع.
ومع ذلك ، فقد سعى الحلبيون إلى مواءمة موشحات لُحنت في مصر مع النظام العام ، فأضاف عمر البطش خانات لموشحات سيد درويش الذي عاش في حلب ، ومع ذلك لم تحتو ألحانه في الموشحات على خانات ، ولاحقاً طور الحلبيون السلسلة ، وهي تكرار للخانات أيضاً ، مع تغييرات في الإيقاع ، كما طبقوا أسلوب التلحين ذاته على القصائد التقليدية أيضاً، مبدعين عشرات الوصلات من الموشحات ومن القدود الحلبية ، وبقوا على ذلك حتى الآن. من الأمثلة على إضافة الخانة على موشحات سيد درويش :موشح العذارى المائسات


الموشحات في مصر

انتقل فن الموشحات إلى مصر، مع العديد من السوريين المغادرين إليها، أمثال شاكر أفندي الحلبي في عام 1830 ، وأبو خليل القباني الدمشقي في عام 1882 ، فتطور حضور الموشحات فيها ابتداءً من نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، على يد محمد عثمان، وشاكر الخلعي، وسيد درويش، ودرويش الحريري، وزكريا أحمد، ومحمود صبح، بينما قل حضورها في أعمال محمد عبد الوهاب، الذي لحن موشحاً واحداً، هو “يا حبيبي أنت كل المراد” عام 1927 ، كما غنت أم كلثوم موشح “يا بعيد الدار ” عام 1944 ، من ألحان زكريا أحمد.

عودة الاهتمام بالموشحات
في منتصف الخمسينات، أصدر الدكتور فؤاد رجائي آغا القلعة، كتابه الهام “من كنوزنا “، الذي قدم من خلاله دراسة نظرية كاملة عن الموشحات الأندلسية وخفاياها الموسيقية، كما ضم الكتاب تدويناً لوصلات كاملة من الموشحات الأندلسية من جمع وكتابة نديم علي الدرويش، مما سمح بإطلاق موجة جديدة من الاهتمام بالموشحات الأندلسية. في نهاية الستينات، ظهر شكل جديد لأداء الموشحات بشكل جماعي، من خلال فرقة الموسيقى العربية، بقيادة عبد الحليم نويرة، وهو الشكل السائد حالياً في مصر وبقية الأقطار العربية. عُرفت تونس أيضاً في مجال تلحين الموشحات، عبر أحمد الوافي، وخميس الترنان، والدكتور صالح المهدي، ومن ألحانه موشح باسمٌ عن لآل.


أما في لبنان، فقد قدم الرحابنة مع فيروز عدداً من الموشحات بشكل محدّث، وكذلك توفيق الباشا. في سورية، اشتهر عمر البطش الحلبي بتلحين الموشحات، وكذلك يحيى السعودي، وبهجت حسان، وعدنان أبو الشامات، كما يعد صباح فخري، من أشهر ناشري تراث الموشحات، بصورته الأصيلة، في العالم العربي، والعالم.

تعود آخر حالات تلحين الموشحات إلى نهايات القرن العشرين ، مع ملحنين سوريين كانوا من تلاميذ عمرالبطش ، وخاصة عدنان أبو الشامات ، وزهير منيني ، أما في مصر فكان فؤاد عبد المجيد من أبرز من عملوا في هذا المجال.

الموشحات على طريق الغياب

غابت الموشحات مؤخراً عن ساحة التلحين الجديد ، إلا فيما يتصل بتلحين التواشيح الصوفية ، شأنها شأن أغلب القوالب التلحينية الأخرى، أو في مسابقات متخصصة.

د. سعد الله آغا القلعة

مواد منشورة في موسوعة كتاب الأغاني الثاني تتعلق بقالب الموشح

Bookmark the permalink.

Comments are closed.

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading