مقدمة:
في منتصف عام 1914 ، كانت الثورة الصناعية في أوربا، قد أدت إلى تطور النزعة الاستعمارية لدى الدول العظمى ، نظراً لحاجتها إلى مصادر للمواد الأولية وأسواق لتصريف البضائع ، فيما تسبب بروز ألمانيا وإيطاليا اعتباراً من عام 1870 ، كدولتين قويتين، بعد تحقيق وحدة أراضي كل منهما، ومطالبتها بنصيبها من المستعمرات، إلى نشوب صراعات بينها وباقي الدول العظمى، وظهور تحالفات جديدة، نقلت الصراعات، من مستوى الدول، إلى مستوى أشمل وأوسع، تطور إلى حرب كونية سميت الحرب العالمية الأولى ، كانت منطقة الشرق الأوسط من أهم ساحاتها.
من المهم أن ندرك أن تلك الحرب غيَّرت ملامح عالمٍ كان قد استقر على تفاصيله، لمئات خلت من السنين، فمع نهايتها ، تفككت الإمبراطورية العثمانية، وبدأت القوى الأوربية تحكم سيطرتها على العالم العربي، وبدأت تتلاشى ملامح الفنون التي كانت سائدة، وبدأت تنمو ملامح بيئة موسيقية جديدة، رسمتها خيوط نسجها عدد كبير من المبدعين، في الموسيقى والغناء والأدب والشعر، تركزت على تفكيك العلاقة الموسيقية مع الأسلوب العثماني من جهة، وتطوير العلاقة مع النص العربي والتعبير عنه، من جهة أخرى، في سعي لتكريس الاستقلال الذي بدأ يلوح في الأفق!
تسلسل العرض:
• الأسباب
• إنطلاق الأعمال الحربية
• معركة شنق قلعة
• ألمانيا تتفوق..
• دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب وانطلاق الثورة العربية الكبرى
• الاستسلام
• النتائج
الحرب العالمية الأولى
* الأسباب
أدت الثورة الصناعية في أوربا، إلى تطور النزعة الاستعمارية لدى الدول العظمى، نظراً لحاجتها إلى مصادر للمواد الأولية وأسواق لتصريف البضائع، بما يكفل تحقيق الأرباح التي تطمح إليها. تطلَّب هذا أن تسعى تلك الدول إلى امتلاك مستعمرات جديدة، و السيطرة على المسارات البحرية المؤدية إليها. تسبب بروز ألمانيا وإيطاليا اعتباراً من عام 1870 ، كدولتين قويتين، بعد تحقيق وحدة أراضي كل منهما، ومطالبتها بنصيبها من المستعمرات، إلى نشوب صراعات بينها وباقي الدول العظمى، وظهور تحالفات جديدة، نقلت الصراعات، من مستوى الدول، إلى مستوى أشمل وأوسع، وأطلقت سباق التسلح بينها.
أدت الخلافات بين ألمانيا وفرنسا حول مقاطعتي الألزاس واللورين، اللتين ضمتهما ألمانيا إليها بعد حرب 1870 ، و التنازع بينهما على الأسبقية في احتلال المغرب الأقصى، إلى إقامة ألمانيا لتحالفٍ مع النمسا وإيطاليا ضد كل من روسيا وفرنسا، عرف بالتحالف الثلاثي، فانقسمت أوربا إلى معسكرين، خاصة عندما نجم عن ذلك تقارب روسي فرنسي، أدى إلى توقيع ميثاق عسكري بينهما في عام 1893 ضد ألمانيا، عرف بالحلف الثنائي انضمت إليه بريطانيا لاحقاً، فتحول إلى حلف ثلاثي، أعطت له المعاهدة البريطانية – اليابانية عام 1902 أبعاداً عالمية.
وسرعان ما أطلق التحالف الثلاثي اختبارات لهذه التحالفات، كان ذلك عندما سعت ألمانيا إلى الدخول إلى منطقة نفوذ فرنسا في المغرب في عام 1906 ، وفي أغادير عام 1911 ، في الشمال الأفريقي، فيما أطلقت النمسا أزمة البلقان عام 1908 ، عندما قررت ضم البوسنة والهرسك إليها، مما يعني ضم مليون صربي إلى الملايين الخمسة من الصربيين الخاضعين لإمبراطورية النمسا، وإبعادهم عن وطنهم الأم، فأعلنت روسيا التي تعتبر نفسها مسؤولة عن شعوب البلقان، التعبئة العامة في كانون الأول / ديسمبر 1908 ، لكي تحتفظ بهيبتها.
ورغم أن أي من الأزمات لم يؤد إلى اندلاع حرب، ولكنها أدت إلى تحسن واضح في موقع التحالف الثلاثي، حيث أقر الصرب بضم النمسا للبوسنة والهرسك، فيما بقي المغرب تحت السلطة الفرنسية، مع حصول ألمانيا على حق التجارة فيها، إضافة إلى تعويضها بجزأين كبيرين من الكونغو الفرنسي.
ردت فرنسا على هذا التحسن، الذي يبعد الألزاس واللورين عنها، بحمل روسيا على التخلص من جميع ارتباطاتها مع ألمانيا، في مقابل حصولها على مساندة فرنسية للجهود الروسية في البلقان، وأعلنت أنه إذا تدخلت ألمانيا في حرب تنشب في البلقان، فستدخل فرنسا تلك الحرب إلى جانب روسيا في كل الأحوال. أما إيطاليا فاستغلت التحسن الطارئ على وضع التحالف الثلاثي، لتحقيق أطماعها في شواطئ ليبيا وبحر إيجه، فأعلنت الحرب على الدولة العثمانية، التي كانت خارج التحالفات الأوربية حتى ذلك الوقت.
وقفت ألمانيا إلى جانب الدولة العثمانية، فخرجت إيطاليا من التحالف الثلاثي، ولكن مجموعة دول البلقان التي ضمت بلغاريا واليونان وصربيا أعلنت الحرب على العثمانيين في عام 1912 ، و انتزعت في ستة أسابيع جميع أراضي العثمانيين في أوروبا، ما عدا استانبول، ما أدى إلى توقيع معاهدة لندن التي حصرت الأملاك العثمانية في أوروبا، في استانبول وشبه جزيرة غاليبولي.
وسرعان ما نشب الخلاف بين دول البلقان الثلاث على مغانم الحرب، فتدخلت الدولة العثمانية ضد بلغاريا، فيما تدخلت روسيا إلى جانب صربيا. انتهت الحرب البلقانية الثانية بهزيمة بلغاريا وضعفها، وتنامي قوة صربيا، مما تسبب في مزيد من التوتر بين الكتلتين الأوروبيتين المتصارعتين: الحلف الثلاثي، والتحالف الثلاثي.
في يوم 28 حزيران / يونيو عام 1914 اغتال طالب صربي متطرف ولي عهد النمسا الأرشيدوق “فرانز فيرديناد ” وزوجته في سراييفو، فاستغلت النمسا هذا الحادث، وأعلنت الحرب ضد صربيا. أعلنت روسيا التعبئة العامة، فوقفت ألمانيا إلى جانب حليفتها النمسا، وأعلنت الحرب على روسيا. ولما كانت فرنسا مرتبطة بتحالف مع روسيا، فقد أعلنت ألمانيا عليها الحرب، و غزتها عن طريق اختراق بلجيكا ولوكسمبورج في آب/ أغسطس 1914 .
انتهزت القوات الروسية فرصة انشغال القوات الألمانية في فرنسا، فهاجمت بولندا الشرقية وهددت القوات الألمانية في المنطقة، الأمر الذي اضطر ألمانيا إلى سحب ثلثي القوات الألمانية، وتوجيهها إلى الجبهة الروسية، بعد أن كانت قد أصبحت على بعد 20 كيلومتراً من باريس.
انتصر الألمان على الروس في معارك تاننبرج الشهيرة، إلا أن هذا الانتصار أدى إلى هزيمة الألمان أمام الفرنسيين في معركة المارن الأولى، فتقهقر الألمان إلى بعد 80 كيلومتراً عن باريس، وأقاموا المتاريس والخنادق.
ردت القوات الروسية بهجوم على القوات النمساوية، أجبرها على الارتداد، ما جعل الروس يقتربون من الحدود الألمانية، ولكن الألمان أوقفوا الهجوم، أما في البلقان فقد عبر الجيش النمساوي المجري نهر درينا وهاجم الأراضي الصربية إلا أن الجيش الصربي أوقف تقدمه.
في نهاية عام 1914 دخل لاعبان جديدان، ففي آخر آب/ أغسطس 1914 ، وفي إطار الاتفاق البريطاني الياباني، أعلنت اليابان الحرب على ألمانيا، وطردت الألمان من عدة جزر في المحيط الهادئ، فيما سيطرت القوات الأسترالية والنيوزلندية على المستعمرات الألمانية في المحيط الهادئ؛ وعلى مسار موازٍ، دخلت الإمبراطورية العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا ضد روسيا في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 1914 ، وقصفت السفن العثمانية الموانئ الروسية على البحر الأسود، ثم غزت القوات العثمانية روسيا.
أعلنت دول الحلف الثلاثي الحرب على الإمبراطورية العثمانية في تشرين الثاني/ نوفمبر 1914 ، وقامت بحملة عسكرية كبيرة على الأراضي العثمانية الأوربية في شبه جزيرة غاليبولي، استمرت حتى نيسان/ أبريل 1915 . كانت المعركة تهدف إلى غزو إسطنبول عاصمة العثمانيين، ومن ثم الدخول إلى الجزء الشمالي الشرقي من الأراضي العثمانية، لمساندة روسيا ضد القوات الألمانية، وإيصال الذخائر والمؤن إليها عبر منطقة المضايق، بعد أن تكبدت القوات الروسية خسائر كبيرة أمام الألمان. عُرفت هذه المعركة في تركيا باسم معركة شنق قلعة، وفي بريطانيا، باسم معركة مضيق الدردنيل. باءت الحملة بالفشل، وقتل ما قُدّر عدده بحوالي 55 الف جندي من قوات دول الحلف الثلاثي، وحوالي 90 الف جندي عثماني، ومئات الآلاف من الجرحى من الطرفين.
تتالت هزائم دول الحلف الثلاثي، ورغم أن العثمانيين حاولوا في 1915 احتلال قناة السويس ولم يفلحوا في ذلك، فقد استطاع الألمان عام 1915 تحقيق مزيد من الانتصارات على الحلفاء، فألحقوا الهزيمة بالروس في معركة جورليس تارناو في أيار/ مايو 1915 ، واحتلوا بولندا ومعظم مدن ليتوانيا، وحاولوا قطع خطوط الاتصال بين الجيوش الروسية وقواعدها للقضاء عليها. أدى الانتصار الألماني على الروس إلى إخضاع البلقان، وعبرت القوات النمساوية والألمانية نهر الدانوب لقتال الصرب، وألحقت بهم هزيمة قاسية، كما استطاع الألمان في ذلك العام أن يحققوا انتصارات هامة على بعض الجبهات، في حين وقفت الجبهة الألمانية ثابتة القدم أمام هجمات الجيشين الفرنسي والبريطاني، فكان لابد من لجوء الحلفاء إلى إيطاليا.
كانت إيطاليا، رغم كونها عضواً في التحالف الثلاثي مع النمسا وألمانيا، قد بقيت خارج الحرب طوال عام 1914 ، مدعية بأنها ليست ملتزمة بالانضمام للحرب، لأن النمسا لم تدخل في حرب دفاعية؛ ولكنها، وبعد أن وعدتها دول الحلف الثلاثي ببعض الأراضي، في حال تحقيق الانتصار على دول التحالف، أعلنت الحرب على النمسا في 23 أيار/مايو 1915 .
استمرت الحرب سجالاً بين المعسكرين في عام 1916 ، ورغم أن ألمانيا خسرت معركتين كبيرتين نشبتا على الأرض الفرنسية، وأن الروس استطاعوا أسر 450 ألف جندي من القوات النمساوية، فقد أعلنت ألمانيا الحرب على رومانيا، واكتسحتها في ستة أسابيع، ودخلت بوخارست.
في عام 1917 ، قامت الثورة البلشفية في روسيا، ووقع البلاشفة صلح برست ليتوفسك مع الألمان عام 1918 ، وخرجت روسيا من الحرب. مكن خروج الروس ألمانيا من شن هجوم مكثف على فرنسا بغية احتلالها قبل وصول الدعم الأمريكي المتوقع. انتصرت ألمانيا على فرنسا، في معركة المارن، فانسحبت القوات الفرنسية إلى الجنوب، فلحقت بها القوات الألمانية ووقعت معركة حصن فردان في شباط / فبراير 1916 ، وهي المعركة التي أوقفت الزحف الألماني على فرنسا، ولكن الفرنسيين تكبدوا خسائر كبيرة، واكبتها خسائر البريطانيين في معركة باشنديل، وخسائر الإيطاليين، ما أضعف الحلفاء أكثر، رغم ما حققوه من انتصارات على العثمانيين، ودخولهم العراق وفلسطين.
* دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب
في عام 1917 ، دخلت الولايات المتحدة الحرب، بعد أن أغرقت الغواصات الألمانية بعضاً من سفنها التجارية، لمنعها من الوصول إلى بريطانيا، التي كانت قد فرضت بالمقابل حصاراً بحرياً على ألمانيا. أتى دخول الولايات المتحدة الحرب في الوقت المناسب للحلفاء، فقد كانت القوات الألمانية والنمساوية قد حققت انتصارًا كبيرًا على الإيطاليين في معركة كابوريتو، كما استطاع الألمان تحطيم الجيش البريطاني الخامس في آذار/مارس 1918 .
وصلت القوات الأمريكية إلى فرنسا في يوليو 1917 ، مما شكل تحولا هاما في مسار الحرب، لأنها ساعدت جيوش الحلف الثلاثي على شن هجوم مضاد على الألمان، في معركة عرفت باسم معركة المارن الثانية في تموز / يوليو 1918 ، وكان يوم 8 آب/ أغسطس 1918 يومًا حاسماً في تاريخ الحرب العالمية الأولى، إذ تعرض الألمان لهزائم شنيعة أمام البريطانيين وحلفائهم، وبدأت ألمانيا في الانهيار.
الثورة العربية الكبرى
بالمقابل ، وبعد أن كان عام 1916 قد شهد انطلاق شرارة الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين ، شريف مكة ، فقد ساند سلطان الأطرش الثورة في سورية ، فكان أول من رفع علمها على بيته في القريّا ، في ربيع عام 1918 ، ثم دخل على رأس قواته إلى دمشق في 30 أيلول 1918 ، إلى جانب ثوار آخرين دخلوها من محاور مختلفة، ليدخلها الشريف فيصل بن الحسين في 3 تشرين الأول 1918 ، مُخرجاً الحكم العثماني من سورية ، ما أنهى علاقة سورية والشرق الأوسط ككل بالدولة العثمانية.
تسبب هذا الواقع في دفع فهد الأطرش ، والد أسمهان ، للهرب من موقعه كمتصرف في ديميرجي من أعمال إزمير في تركيا، بسبب احتمال اعتقاله من قبل السلطات العثمانية ، وعودته عن طريق البحر ، لتولد أسمهان في باخرة العودة ، في 25 تشرين الثاني / نوفمبر 2018 ، وتشارك لاحقاً في تحقيق النهضة الموسيقية العربية الجديدة.
دخلت القوات الحليفة فرنسا وألمانيا، كما قضت على قوات العثمانيين في العراق وسورية ومصر، من خلال التحالف مع الشريف حسين، شريف مكة، كما رأينا ، وتقدمت نحو آسيا الصغرى نفسها. وفي البلقان أجبرت قوات الحلف الثلاثي بلغاريا على الاستسلام في أيلول/سبتمبر 1918 .
طلبت الدولة العثمانية الصلح في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1918 ، وكذلك فعلت النمسا في بداية تشرين الثاني/ نوفمبر، وطلبت ألمانيا إبرام هدنة دون قيد أو شرط، فرفض الحلفاء التفاوض مع الحكومة الإمبراطورية القائمة، وتسبب ذلك في استقالة الإمبراطور الألماني، وقيام الجمهورية في ألمانيا، التي وقعت الهدنة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 1918 .
دامت الحرب العالمية الأولى أربع سنوات ونصف من القتال، وتسببت في عشرة ملايين من الضحايا، و 21 مليون آخرين من الجرحى، كما أسفرت عن سقوط الإمبراطورية العثمانية في 1924 ، أما أهم نتيجة لهذه الحرب فقد تمثلت في قيام سلام لن يكون بعده أي سلام، إذ أنه كان يحتوي على جميع العناصر، التي من شأنها إشعال الحرب العالمية الثانية، التي قامت في عام 1939 ، والحروب التي تلتها حتى يومنا هذا.
لقد ولد القرن العشرون مع نهاية الحرب العالمية الأولى ، التي غيرت ملامح عالمٍ كان قد استقر على تفاصيله لمئات خلت من السنين، فمع نهاية تلك الحرب، تفككت الإمبراطورية العثمانية، وبدأت القوى الأوربية تحكم سيطرتها على العالم العربي، وبدأت تتلاشى ملامح الفنون التي كانت سائدة، وبدأت تنمو ملامح بيئة موسيقية جديدة، رسمتها خيوط نسجها عدد كبير من المبدعين، في الموسيقى والغناء والأدب والشعر، كسيد درويش ، وأحمد شوقي ، و محمد القصبجي ، وأحمد رامي ، وبيرم التونسي ، وأم كلثوم ، ومحمد عبد الوهاب ، ورياض السنباطي ، و زكريا أحمد ، وطه حسين ، و عباس محمود العقاد ، وفريد الأطرش وأسمهان ، والقائمة طويلة ، بحثوا جميعاً عن صيغ موسيقية وشعرية جديدة، تواكب جديد القرن العشرين، وتعبر فيما تعبر، عن تفكك الإمبراطورية العثمانية، ، من خلال تفكيك العلاقة الموسيقية مع الأسلوب العثماني من جهة، وتطوير العلاقة مع النص العربي والتعبير عنه، من جهة أخرى، في سعي لتكريس الاستقلال الذي بدأ يلوح في الأفق!