المذهبجية : مجموعة المرددين التي تساند المطرب، وكثيراً ما سميت ” المجموعة ” أو ” السنيدة ” أو ” الرديدة ” أو ” الكورس ” ، أو ” الجوقة” ، أو ” الكورال ” ، حسب تطور دورها ، من إسناد المطرب ، إلى مشاركته بطولة العمل الغنائي ، إلى الاستقلال عنه تماماً.
المذهبجية في قالبي الطقطوقة والدور
سميت مجموعة المرددين بالمذهبجية، نسبة إلى المذهب ، الذي يأتي كمقطع غنائي يفتتح الأغنية ، ويتكرر فيه النص واللحن ، تؤديه هذه المجموعة ، بالتناوب مع لحن المطرب ، ضمن قالب الطقطوقة . زادت أهمية المذهبجية مع تطور قالب الدور ، عندما أضيف قسما ” الآهات ” و ” الهنك ” إليه ، حيث أصبح للمذهبجية مهمة أوضح في تكرار جمل لحنية ، فيما ينفرد المطرب في ارتجالات تطريبية ، تبرز قدراته الصوتية ، ومعرفته بمسالك المقامات الموسيقية ، كشكل من أشكال الحوار بين المذهبجية والمطرب. من أبرز أشكال الهنك ما ورد في دور أصل الغرام نظرة من ألحان محمد عثمان عند تكرار جملة ” أسباب ضناي العين ” وتفريدات المطرب على كلمة ” العين ” ، أو في تكراره لكلمة ” بالمعروف ” في دور ” يا منت واحشني ” من ألحان محمد عثمان.
جاء أفضل مثال على إبراز دور المذهبجية ، في لحن محمد الموجي لأغنية ” يا أمير الحسن مين قدك في حسنك ” التي جاءت على قالب الطقطوقة ، و كتبها صالح جودت ، و غناها عادل مأمون ، في فيلم ” ألمظ وعبده الحمولي ” ، وذلك لأسباب اتصلت بالمطرب وحدود إمكاناته الصوتية في عالم الطرب ، حيث اعتمد الموجي على المذهبجية في إضفاء الحيوية على لحنه ، من خلال تضمين المذهب إيقاعية أوضح ، وقفزات لحنية مفاجئة ، تعويضاً عن افتقاد عادل مأمون للقدرات الصوتية اللازمة.
خف دور مجموعة المذهبجية بشكله التقليدي ، بعد أن أصبح من الصعب المحافظة على وجودها ضمن الأغنية السينمائية، ولكنها لا تزال موجودة ضمن الأغاني الشعبية والتي تؤدى على المسرح.
المجموعة في النوبة الأندلسية والموشحات
بالمقابل ، تغنى النوبة الأندلسية بشكل جماعي ، من قبل المجموعة ، وكذلك الموشح الأندلسي ، في شكله التقليدي ، حتى في بلاد الشام ، ، قبل أن يتطور قالب الموشح فيها ، ليضاف إليه قسم سمي ” الخانة ” يستقل المطرب بأدائه ، وهو ما جعل الشيخ أبو خليل القباني ، في تقديمه لموشحاته على مسرحه الغنائي ، كما وثق لذلك في موشحه ” برزت شمس الكمال ” ، موشح برزت شمس الكمال لأحمد أبو خليل القباني ، يعرضها بأداء من قبل المجموعة.
في المسرح الغنائي والأوبريتات السينمائية
برز دور المجموعة في المسرح الغنائي ، عند سيد درويش ، سواء أكان ذلك في الأغاني المسرحية الجماعية ، في بعض الحالات ، أو في إسناد دور مستقل للمجموعة ، كما ورد في لحن ” دقت طبول الحرب ” ، حيث تغني المجموعة لحناً أولاً ، و يغني بطل المسرحية لحناً ثانياً ، بسبب تعارض المعاني التي يؤيدها كل طرف ، فالبطل ” زعبُلّة” يؤكد أنه سيربح الحرب ، والمجموعة تغني ” مش رح ينجح “. وثق فريد الأطرش هذا الأسلوب ، في توظيف المجموعة في المسرح الغنائي ، في أوبريتاته السينمائي، ومنها أوبريت انتصار الشباب ، مع أسمهان 1941 ، سواء في افتتاح الأوبريت ، أو في المقاطع الحوارية المتبادلة بين المجموعة و” حنظل”.
الأناشيد جماعية الأداء
تطور دور المجموعة عند بروز دور الأناشيد الوطنية التي تؤديها المجموعة ، سواء ما كان من الأناشيد الرسمية للدول ، أو الأناشيد الاخرى ذات الطابع الوطني ، ومنها ما صاغه الأخوان فليفل ، كما جاء في النشيد الشهير ” موطني ” ، واستمر هذا الأسلوب في الأناشيد الوطنية ، مثل نشيد ” الله أكبر ” من ألحان محمود الشريف الذي جاء في خضم العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
الأناشيد السينمائية والإذاعية بين المطرب والمجموعة
من أبرز الأشكال السينمائية الأولى على توظيف جديد للمجموعة ، ما ورد في نشيد الجامعة لأم كلثوم ألحان رياض السنباطي في فيلم ” نشيد الأمل ” عام 1937 ، و نشيد أسرة محمد علي للسنباطي وأسمهان في فيلم ” غرام وانتقام ” عام 1944 ، أما إذاعياً فمن أبرز أشكالها : ” نشيد الجهاد ” لمحمد عبد الوهاب عام 1939 ، الجهاد – محمد عبد الوهابوالذي قدمه اِبان الحرب العالمية الثانية عقب الهجوم الأيطالى على الحدود المصرية الغربيه ، و دعا فيه الشعب لكي يدافع عن أرضه.
يمكن التوقف عند نمط آخر وهو الأنشودة ، كما جاءت عند الأخوين فليفل ، في أنشودة ” بلادنا لنا ” المسجلة في إذاعة دمشق عام 1951 لفيروز والمجموعة ، أنشودة بلادنا لنا لفيروزحيث تأخذ المجموعة دوراً مختلفاً عن دور فيروز ، وكما تطورت لاحقاً مع الأخوين رحباني في عدد منها.
الأناشيد مع مجموعة المطربين
ابتداءً من عام 1956 ، برز شكل جديد من الأناشيد اعتمد في أدائه على مجموعة المطربين إلى جانب الكورال . جاء ذلك لأول مرة في لحن محمد عبد الوهاب ، الذي قُدم في 18 حزيران 1956 ، بمناسبة جلاء آخر جندي بريطاني عن مصر ، في نشيد الجلاء ” قولوا لمصر ” ، الذي أدته محموعة المطربين : محمد عبد الوهاب ـ عبد العزيز محمود ـ شادية – سعد عبد الوهاب ـ فايده كامل ـ محمد عبد المطلب ـ عبد الغني السيد ، وكان يؤدى لأول مرة في هذا الشكل ، مع الكورال. وفي العام ذاته ، ولكن في تشرين الأول 1956 ، جاء نشيد “إحنا لها ” ، من ألحان فريد الأطرش ، في سياق فيلم ودعت حبك ، و أداه فريد الأطرش مع شادية ، و الكورال ، ما يعطي الأسبقية لاعتماد الأناشيد متعددة المطربين ونشرها إذاعياً لعبد الوهاب ، ولفريد سينمائياً.
لاحقاً ، تمت المتابعة في هذا الأسلوب ، عند عبد الوهاب أساساً ، فجاءت أناشيد: ” الوطن الأكبر ” 1960 ، الجيل الصاعد 1961 ، صوت الجماهير 1963 .
المجموعة عند الأخوين رحباني وفيروز
في سياق آخر تطور دور المجموعة عند الأخوين رحباني ، أولاً ، في بداياتهما بسبب رفض المغنين في إذاعة لمشرق في بيروت التعاون معهما ، فجاءت أغانيهما الأولى معتمدة تماماً على المجموعة ، ومنها مثلاً أغنية ” برد برد ” التي اعادت تسجيلها فيروز لاحقاً مع المجموعة ، فيما كانت في نسختها الأولى تعتمد على المجموعة فقط ، وأغان كثيرة خصصت للمجموعة مثل ” غمارنا ” ، ” كيف حال الضيعة ” ، ” ميلي ” ، و ثانياً في أعمال أهم ، ومنها مغناة ” راجعون ” ، التي قامت على حوار بين فيروز والمجموعة ، و كذلك في مجمل أعمالهما المسرحية الأخرى ، حيث كانت المجموعة عموماً تمثل صوت الشعب ، و في القصائد الوطنية التي غنتها السيدة فيروز للشام.
وظائف أخرى للمجموعة
كثيراً ما وظفت المجموعة ، إلى جانب المطرب ، لتنفذ دور الصدى ، كما جاء عند فريد الأطرش ، في أغنيتي: مين يعرف 1956 ، سألني الليل 1956.
الشكل النهائي فرضه واقع غياب الأصوات القادرة : الغناء الجماعي مع الأستاذ عبد الحليم نويرة
أما التطور النهائي لدور المجموعة ، فقد جاء في صيغة الغناء الجماعي ، التي أرسى معالمها الأستاذ ” عبد الحليم نويرة ” ، من خلال تأسيس فرقة الموسيقى العربية ، التي قدمت حفلها الأول مساء الخميس الواقع في الثاني والعشرين من شهر شباط /فبراير من 1968 ، في سعي لتجاوز الافتقاد في مصر ، إلى صوت المطرب القادر على أداء التراث ، بشكل صحيح وجاذب ، ماجعل حلب تحتفظ بريادتها في مجال نشر التراث بشكله الأصلي . نتابع في هذا المجال دور كادني الهوى أداء فرقة الموسيقى العربية بقيادة عبد الحليم نويرة ، حيث أصبح المذهبجية يزاحمون المطربين في أداء أعقد قوالب الغناء العربي.