اعتمد التلحين في الموسيقى العربية من البداية على توفير توافقٍ تام بين اللحن واللفظ الشعري ، مع متكآت موسيقية ارتجالية ، ذات طابع متكرر ومتشابه ، يقوم بها العازفون عندما يقصر اللحن عن التوافق مع إيقاع الشعر ، سميت اللوازم الموسيقية ، إشارة إلى لزومها لإكمال الإيقاع.
ويمكن كمثال عن ذلك ، متابعة قصيدة ” أراك عصي الدمع ” ، من ألحان عبده الحمولي ، بصوت السيدة أم كلثوم أراك عصي الدمع أم كلثوم – عبده الحمولي
مع انطلاق حركة النهضة الموسيقية العربية ، بعيد نهاية الحرب العالمي الأولى ، بدأت الجرعة الموسيقية تحتل في الألحان مكاناً أوسع ، مع ظهور مدرستين جديدتين في الغناء العربي : الرومنسية ( محمد القصبجي ) ، والتعبيرية ( سيد درويش) ، وتطور أهمية التدوين في ضبط الألحان ، و تقليص عناصر الارتجال فيها.
تجسدت المدرسة الأولى في قالب المونولوج الرومنسي ، وهو قالب تلحيني سعى مبتدعه محمد القصبجي ، للتعبير عن عناصر المدرسة الرومنسية ، المتمثلة أساساً في تقديس الجمال و إبراز تضاد العواطف و تغير المزاح ، من خلال اعتماد تقسيم العمل الغنائي إلى مشاهد ، يختص كل منها بمقدمة موسيقية ، تمهد موسيقياً لأجواء المشهد ، و كذلك توظيف الغناء المرسل المجسد لجمال الصوت ، في تقاطعات غنائية ، مع مقاطع غنائية تعتمد على الإيقاع ، وعلى تغيره ، ضمن العمل الغنائي الواحد ، ما تسبب في إكساب اللوازم الموسيقية دوراً واضحاً في التعبير عن هذا التضاد ، في سياق اللحن ، سواء عند الانتقال من إيقاع لآخر ، أو من مقام لآخر ، أو الانتقال من مقطع غنائي مرسل إلى مقطع قائم على الإيقاع ، أو كجملة موسيقية تناقض الجملة اللحنية المغناة ، أو تتفاعل معها ، أو تعبر عنها.
بالمقابل تجسدت المدرسة الثانية ، في أغاني سيد درويش المقدمة في إطار المسرح الغنائي ، حيث أصبحت اللوازم الموسيقية تؤدي دوراً تعبيرياً عن المعاني ، وخاصة في المقاطع الغنائية المرسلة ، أو في الحواريات.
وكان لابد من أن يُدمج الأسلوبان ، لتتخذ اللوازم الموسيقية لها طيفاً متكاملاً من الأدوار ، ترسخت على مدى الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي ، و امتدت من الـدور التعبيري إلى الـدور الموسيقي البحت ، و لتتحول تلك ” اللوازم ” أحياناً ، إلى مقدمات موسيقية قصيرة ، في سياق المشهد الواحد ، أو ” نتائج ” موسيقية تلخصه ، خاصة عندما أصبحت توكل إليها أدوار تعبيرية خاصة بها ، كما جاء في مونولوج ” يا طيور ” لمحمد القصبجي مع أسمهان عام 1940 ، حيث أخذت اللوازم الموسيقية دوراً تعبيرياً عن حركة الطيور ، وجسدتها كبطل من أبطال العمل .
وسرعان ما انتقل هذا الأسلوب في توظيف اللوازم الموسيقية ، إلى الأشكال المطورة للقوالب التلحينية الأخرى ، مع انتقال عناصر من المونولوج الرومنسي إليها ، فأصبحت من أهم ملامح تطوير القوالب التلحينية الغنائية القديمة. ظهر هذا في الأعمال الغنائية التي جسدت ملامح تطوير قالبي القصيدة والطقطوقة ، في إطار اقترابهما من قالب المونولوج الرومنسي.
كانت البداية مع محمد عبد الوهاب في قصيدة : ” الهوى والشباب ” 1931 ، التي اقتربت من قالب المونولوج ، حيث بدأت ملامح اللوازم الموسيقية الجديدة تظهر ، الهوى والشباب محمد عبد الوهاب .
ثم جاءت قصيدة محمد عبد الوهاب ” أعجبت بي ” في عام 1935 ، لتقترب أكثر من قالب المونولوج ، و تحفل بتقاطعات موسيقية مفاجئة ، مع الجمل اللحنية المغناة ، في سياق أداء البيت الشعري الواحد ، أعجبت بي محمد عبد الوهاب ، كما برزت اللوازم الموسيقية لاحقاً في قصيدة ” الجندول ” 1940 ، في أسلوب مشابه.
وفي سياق متصل ، برزت اللوازم الموسيقية في أعمال الملحنين الآخرين ، كما في قصيدة ” أسقنيها ” من ألحان محمد القصبجي لأسمهان 1939 ، و في أغنية ” فرق ما بيننا ليه الزمان ” للقصبجي أيضاً مع أسمهان 1940 ، التي جاءت على قالب الطقطوقة المطورة ، وكذلك في أعمال متنوعة لرياض السنباطي وفريد الأطرش ، لتتحول اللوازم الموسيقية مع الوقت إلى عنصر هام من عناصر اللحن.
أما في السينما ، التي كانت تتطلب جرعة تعبيرية أوضح ، فقد تطورت أهمية اللوازم الموسيقية في إيضاح الأبعاد التعبيرية للأغنية السينمائية ، وخاصة في الحواريات الغنائية ، ومنها مثلاً حوارية ” حكيم عيون ” عام 1944 ، لمحمد عبد الوهاب مع راقية ابراهيم ، التي جاءت في سياق فيلم ” رصاصة في القلب ” ، و التي حفلت في مسارها بلوازم موسيقية تعبيرية درامية .
كما أسهم المسرح الغنائي عند الأخوين رحباني ، وفي الإطار ذاته ، في تعميق أهمية اللوازم الموسيقية في بعدها التعبيري ، كما جاء في المشهد المسرحي ” راجح ” من مسرحية ” بياع الخواتم ” عام 1964 .