قالب الطقطوقة ( المدور )

شعار كتاب الأغاني الثاني

قالب تلحيني غنائي عربي ، بدأ مختصاً بالأغنية بسيطة التركيب ، ثم تطور على مراحل ، ليصبح القالب التلحيني الوحيد المسيطر على عالم الغناء اليوم ، بغض النظر عن سوية النص أو اللحن.

ساد الاعتقاد طويلاً، أن قالب الطقطوقة الغنائي ظهر إلى التداول حوالي العام 1915 في مصر، وأن الملحن المصري محمد علي لعبة كان أول من لحن على هذا القالب، وأنه نشأ مع تدني الذوق العام إبان الحرب العالمية الأولى، بل إن رسائل جامعية أنجزت لتأكيد هذا المعنى، ولكن البحث المتأني أظهر وجود هذا القالب التلحيني، وبذات الاسم على الأقل، منذ منتصف القرن التاسع عشر. يشهد على ذلك كتاب أرزة لبنان ، الذي نُشر ببيروت عام 1869 ، ووثق لمسرحيات مارون نقّاش ، رائد المسرح العربي ، المتوفى عام 1855 م. إذ ورد فيه توثيق للألحان الأصلية الواردة في سياق كل مسرحية بنص مختلف عن النص الأصلي ، يلائم مضمونها  ، وتضمن التوثيق ذكر مصطلح الطقطوقة مراراً ، الذي يرد أحياناً ” طقطوقة ” و أياناً ” طقطوقة مصرية ” ، بما يشي بأن الطقطوقة كانت معروفة في الشام أيضاً.


ارتبط قالب الطقطوقة في أذهان الناس، بالأغنية عامية اللغة هابطة المعاني بسيطة اللحن والتركيب، ولاشك أن الأمر كان كذلك في البداية، ولكن إقبال الملحنين الكبار أمثال زكريا أحمد ومحمد عبد الوهاب ومحمد القصبجي ثم رياض السنباطي وفريد الأطرش، والشعراء المجيدين أمثال أحمد شوقي وأحمد رامي وغيرهما،على العمل على هذا القالب، ساهم في الارتقاء تدريجياً بقالب الطقطوقة، لكي يصبح أحد أهم قوالب التلحين والأداء في الغناء العربي، وخاصة عندما خرجت الطقطوقة من أجواء أدائها التقليدية، لتتحول إلى مجرد بنية لتتالي الألحان وتناوبها في الأغنية، بينما أصبح رقيها مرتبطاً بمستوى الكلمات وجودة اللحن .

تشكل قالب الطقطوقة التقليدي الأول ، من البنية الأساسية المعتمدة في القدود الحلبية والأغاني الشعبية الشائعة في بلاد الشام ، و التي انتقلت إلى مصر مع شاكر أفندي الحلبي إلى مصر ، حوالي العام 1830 ، إبان تواجد ابراهيم باشا نجل محمد علي باشا في حلب ، والتي تعتمد على لحن واحد يتكرر ( أ ) ، تؤديه مجموعة المذهبجية ، يسمى المذهب ، يعتمد على نص متكرر ، و يتناوب مع نصوص مختلفة ، تسمى الأغصان، يغنيها المطرب ، على اللحن المتكرر ذاته ، مع السعي للتلوين أثناء أدائها. يمكن إعطاء مثال على هذا الشكل البدائي ، من خلال أغنية يا طيرة طيري يا حمامة ، من نظم و ألحان الشيخ أحمد أبو خليل القباني. يا طيرة طيري ياحمامة بصوت صباح فخري

تطور هذا القالب لاحقاً ، فاعتمد على وجود لحنين متناوبين، الأول للمذهب ( أ ) والثاني للأغصان ( ب ) ، حيث يؤدي المذهبجية اللحن الأول مع نص متكرر ، كما في الشكل الابتدائي ، فيما يؤدي المطرب اللحن الثاني متكرراً ، في الأغصان متغيرة النص ، مع تناوب للّحنين وفق الشكل : ( أ ب أ ب أ ب أ ) ، كما في طقطوقة خايف أقول اللي في قلبي لمحمد عبد الوهاب ،   مثال-طقطوقة-خايف-أقول-اللي-في-قلبي-لعبد-الوهاب  . لاحقاً ، أصبح من الممكن أن يؤدي المطرب اللحن الأول بدلاً من المذهبجية ، بعد أن ساهمت الأغنية السينمائية وضروراتها في غياب مجموعة المرددين ( المذهبجية ) ، إلا فيما ندر.

في عام 1931 ، قدم الشيخ زكريا أحمد لأم كلثوم في بداية تعاونهما ، وعبر طقطوقة ” اللي حبك يا هناه ” اللي-حبك-يا-هناه-لأم-كلثوم شكلاً جديداً، بحيث أصبح لكل غصن لحنه الخاص، استناداً إلى أن اختلاف المعاني في نصوص الأغصان ، يتطلب تغيير الألحان،  لتعبر عن النص المتغير، فأصبح عدد الألحان أربعة ألحان وفق التسلسل ( أ ب أ ج أ د أ ) ، وهو قالب مكافئ لقالب الروندو ( المدوَّر) في الموسيقى الغربية ، كما أضيف لاحقاً إمكانية أن يتغير نص المذهب، وأن يتم تنويع الإيقاعات.

فيما بعد ، أصبح قالب الطقطوقة القالب الأكثر تلوناً ، فقد طوره محمد القصبجي ، عبر تطوير المقدمة الموسيقية ، وزيادة دور اللوازم الموسيقية فيه ، وتقاطعها مع الأجزاء المغناة ، ضمن البيت الواحد، وتخصيص مقدمة موسيقية متكررة للتمهيد للأغصان ، مستوحياً ذلك من قالب المونولوج الرومنسي ، كما في طقطوقة ” فرق ما بينا ليه الزمان ” ، إضافة إلى تطوير شكل الجملة اللحنية ، لتصبح أكثر تعبيرية ، وهو مافعله محمد عبد الوهاب أيضاً، كما قدم فريد الأطرش أيضاً أشكالاً متنوعة للتناوب بين الألحان ، كأن يصبح هناك مجموعتان من الألحان المتغيرة، تتناوب مع لحن المذهب ، أو أن يتداخل اللحن مع مقاطع مرسلة مستوردة من قالب المونولوج الرومنسي ، أو أن يتداخل معه أغصان مبينة على إيقاعات راقصة ، رغم الجو العام للأغنية المرتبط بأجواء الطقطوقة ، كما في طقطوقة ” صدقيني ” ، لفريد الأطرش ، التي قدمها في منتصف الثالثينات ، وخصص فيها لكل غصن مقدمة موسيقية خاصة به ، أو أن يدخل الموال في صلب الطقطوقة ،كما في طقطوقة أعمل إيه لفريد الأطرش ،  أو أن يبنى اللحن بكامله على إيقاع غربي راقص ووفق تناوب الألحان المعمول به في قالب الطقطوقة كما في ” يا زهرة في خيالي ” ، على إيقاع التانغو ، وعلى ذلك سار محمد عبد الوهاب، الذي لم يهتم كثيراً بتطوير قالب الطقطوقة ، بل اهتم بتطوير مضمون اللحن فيه.لاحقاً أصبح قالب الطقطوقة نوعاً من التدريبات الرياضية على تنويع أشكال تناوب ألحانها وتكرارها.


توسع اعتماد هذا القالب ، إذ جاءت معظم أغاني السيدة أم كلثوم ، التي نظمت بالعامية ، و قدمت على المسرح ، على هذا القالب ، مع تضمينه مقاطع مرسلة مستوحاة من قالب المونولوج الرومنسي ، كما ضم أعمالاً كتبت بالفصحى ، وكانت  رفيعة المستوى ، من حيث عمق المعاني  ، مع استمرار وجود المذهبجية ( الكورس ) ، ومن أهم هذه الأعمال ، قصيدةسوف أحيا ” للسيدة فيروز ، من ألحان الأخوين رحباني ، على نص للشاعر مرسي جميل عزيز.


ساد قالب الطقطوقة مؤخراً لسهولته في غالبية الألحان ، بغض النظر عن سوية اللحن ، وغابت قوالب أخرى شهدت مجداً عظيماً حتى النصف الأول من القرن العشرين، كالدور مثلاً ، ثم أصبحت في ذاكرة التاريخ، إلا فيما ندر.

د. سعد الله آغا القلعة

مواد منشورة في موسوعة كتاب الأغاني الثاني تتعلق بقالب الطقطوقة – المدوَّر

Bookmark the permalink.

Comments are closed.

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading