شركة أسطوانات لبنانية أُسست عام 1906 في بيروت ، من قبل بطرس وجبران بيضا ، تحت اسم ” أسطوانات بيضا ” ، ليتم تغيير الاسم إلى ” بيضافون ” حوالي عام 1911 ، مع اعتماد الغزال شعاراً للشركة. أسهم وجود ميشيل ، شقيق المالكَين وشريكهما ، في ألمانيا ، كطبيب ، في ترتيب صفقة تصنيع مع شركة ألمانية ، في عام 1906، لتصنيع أسطوانات الشركة.
تم إجراء تسجيلات الشركة الأولى عن طريق انتقال الفنانين إلى برلين ، ليتم تصنيع الأسطوانات هناك ، وشحنها إلى بيروت للبيع . ولكن عمليات التسجيل سرعان ما انتقلت إلى بيروت ، بمساعدة المهندسين الألمان ، في العام ذاته ، ما سرَّع من انتشار أسطوانات الشركة ، في جميع أنحاء العالم العربي .
اتجهت الشركة في البداية إلى تسجيل صوت فرج الله بيضا ، وهو من أبناء عم المالكين ، في عشرات الأسطوانات ، وكذلك أصوات المطربين في سورية ولبنان وفلسطين ، مثل محي الدين بعيون ، ويوسف تاج ، وأحمد المير ، والشيخ نمر نصير .
توسعت أعمال الشركة في مصر خلال الحرب العالمية الأولى ، مع افتتاح فرع لها في القاهرة في عام 1914 ، كما أنشأت فروعاً في أغلب العواصم والمدن الهامة العربية ، ما مكنها من منافسة شركات الأسطوانات الأجنبية.
تميزت الشركة بسبب معرفة أصحابها بالشعر والفن والموسيقى ، خلافاً لشركات أجنبية أخرى ، كانت تعتمد مدراء لإدارة برامجها للتسجيلات المطلوبة.
أسهمت الشركة في تحريض النهضة الموسيقية العربية ، التي تطورت بعيد الحرب العالمية الأولى ، من خلال قيامها ، مع غيرها من شركات الأسطوانات بنسبة أقل ، بتسجيل أغلب الرصيد الموسيقي المعروف حتى ذلك الزمان ، والذي حفظته أفئدة المطربين ، على مر العصور، كما قامت أحياناً بتوقيع عقود احتكار مع أصوات مميزة ، للتسجيل لحسابها حصراً. يشهد على حسن اختيارها لما كانت تعمل على تسجيله ، مثلاً ، تكليفها الشيخ علي الدرويش الحلبي ، أثناء وجوده في القاهرة ، بين عامي 1927 و 1931 ، بتسجيل ألحانه من الموشحات والسماعيات على أسطواناتها ، ثم تكليفها له لاحقاً ، خلال تواجده في بيروت ، بتسجيل أعمال موسيقية وغنائية كثيرة ، ضمت عدداً من السماعيات والبشارف القديمة ، و نخبة من ألحان ” عبده الحمولي ” و” محمد عثمان ” و” داود حسني” ، و من موشحات و أغانٍ قديمة ، كان الشيخ علي قد حكم بأهميتها ، و قام بتدوينها موسيقياً بنفسه ، ليحفظها ، على الورق ، من الضياع ، فنشرتها الشركة مسجلة صوتياً ، و حفظتها ، لتكون دليلاً ومدرسة لأجيال من المطربين والمطربات.
وفي السياق ذاته ، أسهمت الشركة ، في نشر النتاج الموسيقي الجديد واستقراره ، فاهتمت أولاً بمنيرة المهدية وسيد درويش.
تبنت الشركة أيضاً تسجيل وتصنيع وتوزيع أسطوانات محمد عبد الوهاب ، في مقابل اهتمام شركتي جرامافون وأوديون بأم كلثوم.
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية ، نهاية الثلاثينيات ، لم تعد بيضافون قادرة على الاعتماد على التصنيع في ألمانيا ، فعقدت صفقة مع سويسرة المحايدة ، ما جعل أغلب إصدارات الشركة في فترة الحرب سويسرية التصنيع.
استمر تعاون عبد الوهاب مع بيضافون حتى عام 1939 ، عندما دخل عبد الوهاب شريكاً رئيسياً في فرع الشركة المصري ، ثم إقدامه على شراء الفرع بالكامل ، ليقوم بتسجيل وإنتاج وتوزيع أعماله ، فيما استمرت شركة بيضافون في بلاد الشام وشمال أفريقيا. علل عبد الوهاب اتجاهه للإنتاج لنفسه ، بأن شركة بيضافون لا تقبل تسجيل المعزوفات الموسيقية على أسطوانات ، فيما يرى هو أهمية كبرى لذلك . ومع أن السبب الذي أثاره عبد الوهاب صحيح ، ما تسبب في ضياع رصيد كبير من المعزوفات الموسيقية التي لحنها كبار الملحنين ، دون أن تسجل على أسطوانات ، فإنني أرى أن هناك سبباً آخر لذلك ، يلوح فيه طيف أسمهان ومحمد القصبجي..
حدث هذا ، عندما كلف آل بيضا الأستاذ عبد الوهاب ، في عام 1939 ، بتلحين قصيدة ” أسقنيهـا “، لصديقهم الشاعر بشارة الخوري ” الأخطل الصغير ” لتغنيها أسمهان ، فلحنها ، ثم تردد في تسجيلها ، لعدم رضاه عن اللحن ، كما قال!
أوكلت الشركة تلحين القصيدة إلى محمد القصبجي ، رغبة في إتمام التسجيل مع أسمهان ، فنجح لحنه واشتهر بصوتها. لاحقاً ، قال آل بيضا ، في تعليقٍ لافت يشي بأن عبد الوهاب قدم اللحن للشركة: لحنُ القصبجي كان أجمل! .. وربما ألقت تلك الحادثة ظلالاً على العلاقة بين عبد الوهاب و الشركة ، حسبما أعتقد ، فقام بشراء نسبة كبيرة من أسهم الشركة في فرع القاهرة ، وغيَّر اسمه إلى كايروفون ، في العام ذاته ، ثم اشتراه لاحقاً بالكامل ، ما أخرج شركة بيضافون من مصر!
اهتمت شركة بيضافون بتسجيل أعمال المطربين في مختلف أنحاء العالم العربي . فإضافة إلى أسمهان و ليلى مراد ، اهتمت الشركة بأعمال لوردكاش وحليم الرومي من لبنان ، ومصطفى هلال وكميل شمبير ، من سورية ، على سبيل المثال لا الحصر ، و كذلك آخرين كُثر من مختلف البلاد العربية ، كما اهتمت بأغاني فيروز الأولى ، فسجلت أغنيتين لها من ألحان حليم الرومي : ” يا حمام ” ، و ” أحبك مهما أشوف منك ” ، وأغنيتين لها من ألحان نقولا المني : ” يا بايع قلبك ” ، و ” يا ويلك بكرة من ربك ” ، كما أنتجت الشركة ، وشركة بيضا الأصلية ، وهي شركة أسطوانات استقلت عن بيضافون ، وتعود لأفراد آخرين من العائلة ، العديد من أغاني فيروز الأولى ، قبل أن تُنشأ ” الشركة اللبنانية للتسجيلات ” عام 1956 ، بإدارة صبري الشريف ، بعد إغلاق إذاعة الشرق الأدنى ، لتكون هذه الشركة الجديدة ، الناشر و الموزع التجاري الأول لأعمال فيروز والأخوين رحباني.
أسهم الدكتور ميشيل بيضا ، وهو أحد أصحاب الشركة ، في إقناع جبرائيل تلحمي ، صاحب شركة أفلام النيل ، بإنتاج أول أفلام فريد الأطرش وأسمهان : ” انتصار الشباب ” ، و بتكليف فريد بتلحين جميع الأغاني.