حياة محمد
عرفت المطربة المصرية حياة محمد بطموحها الشديد ، وبرغبتها في منافسة السيدة أم كلثوم ، دون أن تمتلك المقومات الكافية لذلك ، فيما أرى أنها كانت مطربة عاثرة الحظ ، إذ اشتُهرت أغانيها بأصوات أخرى وغابت بصوتها .. كما سنرى..
أغنيتها الأولى التي ضاعت ..
في بداية الثلاثينات ، بدأت حياة محمد عملها في صالة بديعة مصابني ، حيث لحن لها فريد الأطرش ، وكان أيضاً في بداياته ، بعض الأغاني ، كما عملت في فرقة ” الأنغام الذهبية ” بقيادة عبد الحميد توفيق زكي، وغنت من ألحانه مع كارم محمود أغنية “محلاها الدنيا “، التي سجلت لاحقاً بصوت كارم محمود وفايدة كامل ، ثم عبد الحليم حافظ مع فايدة كامل أيضاً.
تعتبر أغنية ” محلاها الدنيا ” أول مغناة يشترك في أدائها مطربان اثنان سوية في أداء متعدد الأصوات ، لذا فقد وثقتها هنا لأهميتها ، كما وثقت نسختها بصوت عبد الحليم حافظ وفايدة كامل أيضاً ، بعد أن ضاعت النسخة الأولى الرائدة بصوت حياة محمد مع كارم محمود!
النسخة بصوت عبد الحليم حافظ وفايدة كامل
الأغنية الثانية التي ضاعت ..
اختار محمد القصبجي قصيدة ، كان لحنها لحياة محمد ، وغنتها في فيلم ” ليلى بنت الصحراء ” ، من إنتاج السيدة بهيجة حافظ عام 1936 ، وهي قصيدة ” ليت للبراق عيناً ” لكي تغنيها أسمهان ، عند عودتها إلى القاهرة عام 1938 ، فلاقت نجاحاً كبيراً ، ما جعل حياة محمد تحتج على ذلك ، وتتجه للمحاكم ، فكانت تلك أول قضية حول الحقوق الفنية في مصر.
خسرت حياة محمد الدعوى ، إذ قدم الدفاع عن شركة الأسطوانات ، عشرات الحالات ، لأسطوانات سجلت بأصوات متعددة للأغنية ذاتها ، وقد استمر هذا الوضع حتى صدور قانون حقوق المؤلف في مصر ذي الرقم 354 لعام 1954 ، الذي حفظ حقوق التأليف والتلحين و الإنتاج و النشر .. ولكنه لم يحفظ أي حقوق للمطرب في الأغنية!
ضاعت نسخة الأغنية بصوت حياة محمد لاحقاً ، مع ضياع نسخة فيلم ” ليلى بنت الصحراء ” ، مثلما ضاعت نسخة فيلم ثانٍ غنت فيه حياة محمد ، وهو فيلم ” مصنع الزوجات ” لتبقى نسخة أسمهان .. ولكن غناء حياة محمد للنسخة الأصلية لأغنية غنتها أسمهان ، أبقى على ذكرها في الأدبيات الفنية لمدة طويلة ، في هذا المجال حصراً!
أغنية ثالثة بقيت نسختها السينمائية مختصرة!
غنت حياة محمد ، من ألحان فريد الأطرش ، وكلمات يوسف بدروس أغنية ” يا فرحتي باللي بحبه ” ، التي أتت في سياق فيلم ” عريس في استامبول ” ، من إنتاج عام 1941 ، وقد أتت مهداة من فريد كالعادة .
وكالعادة ، أيضاً ، لمطربة عاثرة الحظ ، أتت الأغنية في الفيلم مختصرة ، إذ اقتصر ظهورها في الفيلم ، على المشهد الأخير منها!
يمكن التوقف لدى الاستماع إليها ، عند وضوح عود فريد الأطرش في التسجيل ، وعند ملامح من ألحانه لأسمهان ، في مواقع متعددة ، منها مثلاً ، في الدقيقة 3:21 عند : الحب أحلى الأماني ، كما تجدر الإشارة إلى ورود ملامح عابرة في الأغنية ، من لحن محمد القصبجي ” مدام تحب بتنكر ليه ” الذي غنته أم كلثوم عام 1940 ، وذلك في الدقيقة 2:48 ..
مونولوج يا ليل اشهد
أتوقف اليوم عند أغنية بقيت “كاملة ” هذه المرة ، وهي مونولوج ” يا ليل اشهد يا ليل ” ، الذي أتى في سياق الفيلم ذاته : ” عريس في استامبول ” ، وأدته راقية ابراهيم بطريقة البلاي باك ، أي أن صورة حياة محمد لم تظهر!
بني اللحن على قالب المونولوج الرومنسي ، الذي يتطلب توفير امتدادات صوتية ، تبرز جمال صوت المؤدي ، و تغيرات إيقاعية ، و مقاطع مرسلة دون إيقاع ، بما يعبر في الإجمال عن المدرسة الرومنسية ، التي تقدس الجمال ، ويتغير فيها المزاج بين لحظة وأخرى . يمكن بمتابعة اللحن تتبع هذه العناصر ، وملاحظة أنها لم تتوفر بالكامل.
اعتمد السنباطي على مقام النهاوند الرومنسي ، للتعبير عن المعاني ، و على إيقاع الفالس الثلاثي الحيوي ، للتعبير عن معاني التفاؤل العابقة في النص ، ما أدى أيضاً إلى أن تكون الموسيقى حيوية تماماً ، في مفاصل اللحن جميعها.
باستعراض النص ، الذي كتبه زكي ابراهيم ، نجد أنه يفتقد الكثافة اللازمة في الأحرف الصوتية ، والتي اعتدنا عليها في نصوص أحمد رامي مع أم كلثوم ، ما جعل السنباطي يستغل كل حرف صوتي للتأكيد على الامتدادات فيه ، ومن ذلك عند : يا ليل اشهد ياليل ، حيث ركز السنباطي على هذا المقطع ، و كرره عند انتهاء كل مشهد من مشاهد المونولوج ، وكذلك عند: الجنسين بيقاسوا في الحب الآلام ( مع تعبيرٍ عن ” بيقاسوا ” بتخافض اللحن ، وتعبيرٍ بالموسيقى عن ” الآلام” في الموسيقى التي تلتها ) ، وعند : بيزيد على مر الأيام ..
بالنسبة للأداء الصوتي ، فقد أدت حياة محمد الأغنية باقتدار ، و يمكن التوقف عند التعرجات صوتية التي أدتها عند : بيزيد على مر الأيام.
النص:
يا ليل اشهد ياليل عللي انكتبلي في زماني
من عهد آدم والجنسين بيقاسوا في الحب الآلام
والعطف ما بين الاتنين بيزيد على مر الأيام
وكل قلب يحن لقلب ويعطفوا على بعضيهم
**** من الحب أقل حاجة تهنيهم
يا ليل اشهد ياليل
دي اللقمة حاف أحلى م الشهد وأقضي في عشه أيامي
مع حبيب أخلفله الود ومعاه أحقق أحلامي
يا ليل اشهد ياليل
امتد حضور حياة محمد لحوالي عشر سنوات ، قبل أن يغيب ذكرها في الأدبيات الفنية ، لأسباب غير معروفة ، إلا عندما تذكر في سياق الحديث عن أغاني أسمهان ، بشكل مشابه لأغانيها التي غابت أيضاً ، لتشتهر بأصوات أخرى!