كثرٌ هم المبدعون الذين يرحلون عن هذه الدنيا ، وتكون شهرتهم متصلة بمن حولهم فقط ، و سرعان ما يختفي ذكرهم برحيلهم ، فيما لو قورنت إنجازاتهم بإنجازات غيرهم ، على الأقل على مستوى الإبداع والإتقان ، لا على مستوى الكم ، لتبين حجم الظلم الذي حاق بهم ، من محيطهم ومجتمعهم . من بين هؤلاء سأتحدث اليوم عن الأستاذ عزيز غنام عازف العود السوري المبدع الذي اختط لنفسه أسلوباً خاصأ تميز بالتأمل والتفكير.
كان الأستاذ عزيز غنام من أهم عازفي العود والنشأت كار في العالم العربي ، رغم أنه لم يحقق شهرة كبيرة لا في سورية ولا خارجها ، بسبب شخصيته الهادئة ، وابتعاده عن المجالات التي تؤمّن الشهرة. تعاصر ، في منتصف القرن الماضي ، مع عازفين كبار من أمثال محمد عبد الكريم ، و سامي الشوا ، و توفيق الصباغ ، و فريد غصن ، ومنير وجميل بشير ، وفريد الأطرش ، وجورج ميشيل ، وآخرين ، ممن كانوا رواداً في محاولة إبراز قدرات الآلات الموسيقية التعبيرية ، مع إدماج أساليب الموسيقى الغربية في عزفهم . تعلم عزف العود على يد الأستاذ أحمد الأوبري في حلب ، وتفرد في أسلوب خاص في استخدام الريشة ، سمي الريشة المقلوبة ، مقترباً من أسلوب العزف على الجيتار ، خاصة في تنفيذ توافقات الأصوات المتزامنة ، كما ابتعد عن أساليب الارتجال السائدة في التقاسيم المعتمدة على التطريب والقفلات المسرحية ، متأثراً في ذلك بتركيزه على الإذاعة وابتعاده عن العزف أمام الجمهور. عمل أولاً في إذاعة حلب ، ثم أقام في دمشق لسنوات طويلة وعمل في إذاعتها ، مسجلاً الكثير من التسجيلات المحفوظة في مكتبتها .
لنتعرف على أسلوب الأستاذ عزيز غنام ، من خلال ما استوحاه من لحن أندلسي إسباني ، اشتهر في أواخر الأربعينات ، وهو أغنية الكابالا الأندلسية ماريا مجدلينا ، للمغنية الشهيرة إستريللا كاسترو ، عندما حول اللحن إلى صيغة تأملية ، تعبر عن رؤية أخرى لماريا ( مريم ) المجدلية ، الشخصية التي اختُلف عليها كثيراً ..
نتابع أولاً أغنية الكابالا الأندلسية ماريا مجدلينا للمغنية الشهيرة إستريللا كاسترو
لنستمع الآن إلى عزف الأستاذ عزيز غنام الذي استلهم اللحن الإسباني الأندلسية ونفذه على العود ..
أما سيرة الأستاذ عزيز غنام وأعماله في مجال التلحين ، وقد كان مبدعاً أيضاً في هذا المجال .. فلها حديث آخر..