في عام 1974 ، وفي إطار مسرحية ” لولو ” ، قدمت السيدة فيروز على مسرحي معرض دمشق الدولي و البيكاديللي ببيروت أغنية جميلة حافلة بالمعاني : في قهوة ع المفرق ، من كلمات وألحان الأخوين رحباني ، فيما قام بإعداد اللحن شقيقهما الياس رحباني ، إلى جانب أغانٍ أخرى من ألحان الأخوين رحباني و زياد وفيلمون وهبي .
في المقال التالي ، تحليل لهذه الأغنية ، ومكامن التعبير فيها ، ثم مقارنتها مع أغنية أخرى ، جاءت لاحقاً ، بمعانٍ مماثلة ، بصوت السيدة شادية … أقوى من الزمان
جاءت الأغنية في سياق المسرحية لتعبر عن حال لولو بطلة المسرحية ، التي قضت في السجن خمسة عشر عاماً ، بسبب جريمة لم ترتكبها ، لتثبت براءتها قبل شهر فقط من انقضاء مدة السجن فتخرج وتكتشف كم تغير العالم و هي بعيدة عنه .. تندرج هذه الأغنية ضمن محور أغاني الفراق والبعد والنسيان والهجر والإحساس بمرور العمر الذي سيطر على الأغاني الفيروزية في مرحلة السبعينات ، خاصة بعد مرض عاصي ، كما تندرج ضمن محور التغني بالوطن الذي يبقى عزاء للجميع عندما ينتهي الزمان ، كل هذا في إرهاصاتٍ للفراق الذي حل بهذه المدرسة المبدعة ، وللجوء إلى الوطن ، الذي لم يسلم هو الآخر من أحداثٍ جسامٍ أنهكته على مدى خمسة عشر عاماً من الحرب الأهلية .
تكثيف للمعاني و تلوين لأداء التعبيري
يمكن اعتبار الأغنية ، التي أتت في 2:38 دقيقة ، مثالاً دقيقاً على قدرة الأخوين رحباني في تكثيف المعاني ذات الأطياف التعبيرية المتفاعلة والمتلاحقة ، وعلى قدرة الأستاذ الياس رحباني التلحينية ضمن أسلوبه الخاص ، حيث عبر اللحن بأمانة تامة عن المعاني كما سنرى لاحقاً ، كما تبرز الأغنية قدرة السيدة فيروز في تلوين الأداء التعبيري في شحنات متغيرة الطاقة ، وعلى مستوى الكلمة الواحدة ، للتعبير عن معاني التذكر والتحسر والاستنكار ومن ثم التمسك والشموخ بالوطن الذي يقاوم الزمن حيث لا يستطيع الإنسان بمفرده أن يقاوم.
تحليل سريع..
تشكلت الأغنية من لحنين متناوبين ومتكررين خصص اللحن الأول لعواطف التذكر والصدمة والحسرة فيما خصص اللحن الثاني للاستنكار ثم للعزاء بديمومة الوطن وكان وسطي مدة كل لحن 40 ثانية:
اللحن الأول مشكل من المشهدين التاليين:
المشهد الأول : التذكر / اللحن افتتاحي محايد المشهد الأول
في قهوة عالمفرق في موقدة و في نار
نبقى أنا و حبيبي نفرشها بالأسرار
المشهد الثاني: الصدمة وتصاعدها ثم الحسرة على مشوار سرقه عشاق صغار / اللحن يبدأ التصاعد عند كلمة جيت للتعبير عن الصدمة ويتصاعد أكثر عند كلمة عشاق اتنين زغار ( ويجدر هنا التدقيق في أسلوب السيدة فيروز في الحديث عن العشاق الصغار الذي يحمل شيئاً من التعاطف ) وصولاً إلى ذروة لحنية عند : قعدوا على مقاعدنا مع تخافض للحن عند ختام ” مقاعدنا ” في تعبير عن الاستغراب .. ثم تخافض اللحن عند سرقوا منا المشوار في تحسر واضح: المشهد الثاني
جيت لقيت فيها عشاق اتنين زغار
قعدوا على مقاعدنا سرقوا منا المشوار
اللحن الثاني مكون أيضاً من مشهدين:
المشهد الثالث: الاستنكار : الاستغراب أنتج إحساساً ثقيلاً بمرور العمر و بقسوة الزمن وتصاعداً للحن للتعبير عن الاستنكار وتحديداً عند: عم نكبر المشهد الثالث
يا ورق الأصفر عم نكبر عم نكبر
الطرقات البيوت عم تكبر عم تكبر
المشهد الرابع: العزاء : الوطن الذي يقاوم الزمن / تصاعد معبر للحن عند يا وطني للتعبير عن الأمل الذي يكبر بالوطن المشهد الرابع
تخلص الدنيي و ما في غيرك يا وطني
يا وطني أه بتضلك طفل زغير
ثم يكرر اللحن الأول بنص مختلف يعبر عن العواطف ذاتها و مشكل من مشهدين أيضاً:
المشهد الخامس: الإحساس بالغربة في الوطن بعد مدة طويلة من الابتعاد / اللحن متكرر عن لحن المشهد الأول وهو لحن محايد
متل السهم الراجع من سفر الزمان
قطعت الشوارع ما ضحكلي انسان
المشهد السادس : تكرار لحن المشهد الثاني : تصاعد اللحن عند كل صحابي كبروا للوصول إلى النتيجة : صاروا العمر الماضي في الذرورة اللحنية ليتخافض اللحن في تحسر عند : صاروا دهب النسيان
كل أصحابي كبروا و أتغير اللي كان
صاروا العمر الماضي صاروا دهب النسيان
وأخيراً يكرر اللحن الثاني بنصه ولحنه ومشاهده:
يا ورق الأصفر عم نكبر عم نكبر
الطرقات البيوت عم تكبر عم تكبر
تخلص الدنيي و ما في غير يا وطني
يا وطني أه بتضلك طفل زغير
بعد 4 سنوات .. المعاني ذاتها تأتي ” ممددة ” في نص لمصطفى الضمراني : أقوى من الزمان
المفاجئ أنه في عام 1978 ، ومن كلمات مصطفى الضمراني وألحان عمار الشريعي غنت السيدة شادية أغنية : أقوى من الزمان في معان متطابقة و لكن في 11 دقيقة هذه المرة . الكلمات فيها اقتباس واضح كنت أفضل ألا يكون ، خاصة أن الأغنية وطنية ، فيما لم ألحظ أن الراحل عمار الشريعي تأثر بلحن الياس رحباني ، وأعتقد أنه لم يكن في صورة هذا الاقتباس الواضح في النص ولم يكن في صورة اللحن : يمكن ملاحظة الاقتباس في الفكرة العامة ، وحتى على مستوى الألفاظ التي وضعت تحتها خط لتمييزها ، وخاصة كما أتت في ختام الاغنية !! يمكن أيضاً مقارنة الفرق في تكثيف المعاني ، كما وردت عند الأخوين رحباني ، و الإطالة في عرض الأفكار ، كما وردت عند الشاعر مصطفى الضمراني ، ومع كل هذا فأغنية شادية .. جميلة أيضاً.
أقوى من الزمن
لما كنا صغيرين
كان لينا مكان صغير دايما تقابلني فيه
لما كنا صغيرين
كان لنا حلم اخضر بقلوبنا عشنا بيه
فاكرة يا حبيبي فاكرة
فاكرة زهر البنفسج
فاكرة ظل الشجر
فاكرة لمسة ايديك وحنان نظرة عينيك
فاكرة ومش ناسية ابدا
ايام ما كنا نسهر نتونس بالقمر
ايام ما كنا نسهر يضحكلنا القمر
نتونس بالقمر يضحكلنا القمر ونغني مع القمر
واتغير الزمان اتغير الزمان
واتبدل المكان اتبدل المكان
لكن يا مصر انتي
يا حبيبتي زي مانتي جميلة زي مانتي واصيلة زي مانتي
وان خدعتني الاماني
او ضاع حبي بثواني
ارجعلك انتي تاني تاني
يا صاحبة المكان يا اقوى من الزمان
الاقيكي يا مصر انتي
يا حبيبتي زي مانتي
الضحكة الحلوة انتي
والحب الباقي انتي
وكل شيء يتغير واحنا بنكبر ونكبر
وكل شيء اتغير واحنا بنكبر ونكبر
ونفارق بعضنا
وتبقي يا مصر دايما طفل حيفضل صغير
بنحبه كلنا……
رحت تاني للمكان
فكرني بكل حاجة وباحلى سنين هواي
لقيت اتنين بدالنا عايشين نفس الحكاية
ضحكة ماليه عينهم
رعشة باينة فايديهم
عايشين نفس البداية
ضحكتهم يا ترى
فرحتهم يا ترى
حيخليها الزمان
دنيا وبتلف بينا ترسم ضحكة عيننا
وتدينا الأمل نغني للامل
ونعيش ويا الامل
يتغير الزمان يتبدل الزمان
لكن يا مصر انتي يا حبيبتي زي مانتي
جميلة زي مانتي واصيلة زي مانتي
وان خدعتني الاماني او ضاع حبي فثواني
ارجعلك انتي تاني تاني
يا صاحبة المكان يا اقوى من الزمان
الاقيكي يا مصر انتي
يا حبيبتي زي مانتي
الضحكة الحلوة انتي
والحب الباقي انتي
وكل شيء يتغير واحنا بنكبر ونكبر
وكل شيءاتغيرواحنا بنكبر ونكبر
ونفارق بعضنا
وتبقي يا مصر دايما طفل حيفضل صغير
بنحبه كلنا……