ولد رياض السنباطي عام 1906 (ويقال 1908) في مدينة فارسكور بمحافظة دمياط في مصر ، لأب مطرب وعازف عود هو الشيخ محمد السنباطي ، وكان وحيداً بين أخواته البنات. انتقل مع عائلته إلى مدينة المنصورة عاصمة الدقهلية ، حيث درس في مدارسها. ظهر شغفه بالموسيقى والغناء منذ طفولته ، فتعلم العزف على القانون أولاً ، وتعلم على والده الأدوار والموشحات القديمة ، كما رافقه في سهراته التي كان يحييها في الريف المصري .
اتجه رياض إلى تعلم العود ، وبدأ يحيي الحفلات حتى ذاع صيته و لُقِّب بلبل المنصورة . سافر رياض السنباطي إلى القاهرة حوالي عام 1924 ، والتحق بمعهد الموسيقى ،حيث طور دراسته للعود على يد محمد القصبجي .اتجه إلى التلحين بتشجيع من الأستاذ مدحت عاصم ، فلحن لعبد الغني السيد ونجاة علي ومنيرة المهدية.
بدأ بتقديم فواصل من العزف على العود ، عندما افتتحت الإذاعة المصرية عام 1934 رسمياً ، ثم اتجه إلى الغناء بمصاحبة عوده ، إلى أن دعته أم كلثوم ، ليلحن لها بعض غنائيات أفلامها السينمائية ، ليتحول بعد ذلك إلى ملحنها الأثير لفترة طويلة.
دخل عالم السينما من خلال فيلم وحيد وهو فيلم ” حبيب قلبي ” عام 1952 . في هذا الفيلم غنى عدة أغنيات كان من أهمها أغنية ” على عودي ” .
تميز في تلحين القصيدة ، وقدم في عام 1946 للسيدة أم كلثوم إمكانية كسر احتكار محمد عبد الوهاب لشعر أحمد شوقي ، حين بدأ بتلحين قصائد ” سلوا كؤوس الطلا ” ثم ” سلوا قلبي ” واتبعها بـ ” نهج البردة ” ثم ” ولد الهوى “. اعتمد في تلحينه للقصيدة على الإيقاعات العربية الوقورة ، والبحور الشعرية التقليدية الفسيحة ، والكلمة الفصحى التي تقتضي في الإجمال لحناً مركزاً ، كما أبدع في مجمل ألحانه تراكيب لحنية جديدة ، تتداخل المقامات الموسيقية فيها بشكل غير مسبوق، معتمداً أسلوب الدفق اللحني المتصاعد من بداية اللحن حتى نهايته ، ومستفيداً من صياغة قفلات اللحن لألحانه المقدمة على المسرح مع السيدة أم كلثوم ، في تخافض مثير للحن يحقق استجابة تفاعلية من الجمهور المتابع لكل تفاصيل الأغنية. تعتبر قصيدتا ” أراك عصي الدمع ” و” الأطلال ” من أهم ألحانه في مجال القصيدة ، فيما تألق في ألحان أخرى بالعامية ، ومنها مثلاً أغنية ” حسيبك للزمن” التي استغرق سنة في تلحينها.
اهتم السنباطي أيضاً في ألحانه بقالب المونولوج الرومنسي ، الذي ابتدعه محمد القصبجي في الغناء العربي ، فنسج على منواله ، إذ لحن لأم كلثوم ابتداءً من عام 1936 ، مونولوجات رومنسية رائعة، كان من أهمها مونولوج « النوم يداعب عيون حبيبي ». بالمقابل كان السنباطي فناناً ذا كبرياء ، وقد مرت علاقته مع أم كلثوم بفترات مد وجذر ، كما كانت له طقوس خاصة للتلحين ، تعتمد على الإنفراد بالنفس والتركيز الشديد.
اهتم السنباطي بأسمهان ، وقدم لها رثائية ” أيها النائم ” وقصيدة حديث عينين : ” يا لعينيك “.
ألَّف كثيراً من القطع الموسيقية الآلية ، أشهرها ” لونجا رياض” ، كما قام ببطولة فيلم سينمائي وحيد ، هو فيلم ” حبيب قلبي ” عام 1952 مع هدى سلطان.
في عام 1968 ، عاد الأستاذ رياض السنباطي ، وبعد أن قدم للسيدة أم كلثوم ، بين عامي 1965 و 1966 ، قصيدتين من أهم ما غنت على طول مسيرتها الفنية : ” أراك عصي الدمع ” ، و ” الأطلال ” ، إلى تقديم قصائد بصوته ، في حنين إلى بداياته ، وفي اختزال لتجربته الطويلة والمبدعة في تلحين القصائد ، فقدم قصيدة ” أشواق ” .
جاءت قصيدة ” أشواق ” الأكثر تكاملاً في التعبير عن شخصيته الموسيقية ، ملحناً وعازفاً ومؤدياً ، ، إذ أنه لخص من خلالها مدرسته في التلحين ، في الالتزام بالبناء التقليدي للقصيدة ، مع إغناء معانيها بنفحات لحنية رومنسية صوفية ، تتولى فيها المقامات الموسيقية المتلونة ، والجمل اللحنية المتتالية ، التعبير عن النص ، متجاوزة إياه في كثير من الأحيان ، لتفتح أمامه عوالم جديدة ، كان قاصراً عن اكتشاف مكنوناتها بفعل الكلمة المجردة ، ثم نجد السنباطي يغني القصيدة بصوته ، مفتتحاً إياها بمقدمة موسيقية تحيط باللحن وتقدم له ، متضمنة تقاسيم له على العود ، تعبر عن ارتباطه الشخصي بمعانيها.
تعتبر قصيدة ” أشواق ” من أكثر الأعمال التي أبدعها رياض السنباطي تكاملاً في التعبير عن شخصيته الموسيقية ، ملحناً وعازفاً ومؤدياً.
أيها الناعم في دنيا الخيال .. تذكر العهد و ماضي الصفحات
أعَلى بالك ما طاف ببالي .. من ليالٍ و عهود مشرقات؟
لا رأت عيناك شكي .. و ضلالي .. و حنيني .. و لهيب الذكريات
عندما يعرضها الماضي لعيني .. صورا تجلو الذي ضيَّعت مني
من ليالٍ بهوانا راقصات
هتف الصبح و غنى بنشيد .. رائع اللحن شجي النغمات
كالمُنى تُقبل كالحلم السعيد .. في خيال كابتسام الزهرات
بَيدَ أني لا أبالي بالوجود .. و لياليه الحسان النيرات
إن يكن قلبك لا يسمع لحني .. فلمن يا فتنة الروح أغني؟
للهوى سر المعاني الخالدات
آه لو تسمعني .. أشكو الجوى يا حبيبي
آه لو تسمعني
و ترى القلب و نيران الهوى و لظاها .. و دموع الشجن
لترفقتَ بقلبي .. فانطوى ما بقلبي من هوى أرقني
أين أحلام شبابي؟ أين مِنّي؟
أمسيات من فتون و تمني .. و عيون الدهر عنا غافلات
يا حبيبي أيقظ الماضي شجوني .. حينما طافت رؤاه في خيالي
و تلفّتُ بعيني ليقيني .. فإذا الحاضر كالليل حيالي
و إذا بي قد خلت منك يميني .. و انطوى ما كان من صفو الليالي
طال بي شوقي .. لأيام التغني
و ليالٍ هن بعضي غاب عني
فأعِد لي ما انطوى من بشريات
في بداية السبعينات قدم لوردة الجزائرية إحدى أهم أغنياتها : يا لعبة الأيام
لم يكن رياض السنباطي يغشى المجتمعات أو يحضر الحفلات إلا لماماً ، ولم يظهر مع أم كلثوم عازفاً أو حتى متفرجاً ، وكان قليل الحديث في الصحف والإذاعة ، ومع ذلك ، وفي يوم السبت 26 نيسان / أبريل 1980 ، عقد رياض السنباطي مؤتمرا صحفياً في فندق ” بريستول ” في بيروت ، وأعلن عن تعاون قادم مع السيدة فيروز .. لحنان لقصيدتين للشاعر جوزيف حرب .. و قصائد تالية .. وأن التسجيل سيكون بعد شهرين..
وفي عام 1980 ، لحن السنباطي للسيدة فيروز إذاً ثلاث قصائد وهي : بيني وبينك ، أصابعي منك في أطرافها قبل ، آه لو تدري بحالي ، ويبدو أن السيدة فيروز سجلتهما ، ثم لم تنشر التسجيلات ، فنشر ابنه أحمد السنباطي تسجيلات القصائد بصوت السنباطي ، ومنها هذا التسجيل لقصيدة : أصابعي منك في أطرافها قُبلٌ
تم مؤخراً نشر مسمع من تسجيل فيروز لهذه القصيدة
حصل السنباطي على كثير من الأوسمة والشهادات التقديرية ، وكان ختام ذلك ، جائزة الدولة التقديرية في الفنون عام 1980 أي قبل رحيله بعام ، حيث رحل عن هذه الدنيا في التاسع من أيلول/سبتمبر عام 1981 .
أغنيات لحنها رياض السنباطي
- أسمهان – أيها النائم – 1944
- أسمهان – نشيد أسرة محمد علي – 1944
- أسمهان – يا لعينيك و يالي – حديث عينين – 1940
- نور الهدى – تباركت يا رب
- نور الهدى – قصيدة إلى الحبيب – نم إن قلبي
- نور الهدى – كيف ولّى زماني
- نور الهدى – نوحي يا عين
مقالات تناولت أغنيات لحنها رياض السنباطي أو تعلقت بألحانه
- أذاكرٌ أنت بصوت فيروز من ألحان رياض السنباطي -2 : رغم نتائج التصويت السيدة فيروز كانت محقة في عدم نشر تسجيل هذه القصيدة كاملاً وإليكم الأسباب .. والمعالجة!
- أسئلة قيد البحث : لماذا حوَّل السنباطي رباعيات أطلال ناجي إلى ثلاثيات؟
- أم كلثوم و السنباطي في أوبرا عايدة : أول وآخر محاولة سينمائية جدية لتعريب الأوبرا حاصرها الطول والحذف و تغريدات أسمهان!
- الشيخ علي الدرويش موسيقي وباحث موسيقي سوري أرسى دعائم أصول التدريس والبحث والتوثيق في الموسيقى العربية وعاش أكثر من 30 عاماً يتنقل بين أقطار العالم العربي لنشرها!
- الفرصة الضائعة مع الملك فاروق : أنا بنت النيل .. آخر ما سجلته أسمهان بصوتها
- حياة محمد مطربة عاثرة الحظ اشتهرت أغانيها بأصوات أخرى!
- سلوا كؤوس الطلا : القصيدة التي بنيت على مقام موسيقي نادر وأدخلت شعر أحمد شوقي عالم أم كلثوم الغنائي على المسرح مجدداً وسمحت لها بتجاوز احتكار محمد عبد الوهاب له
- في ذكرى ولادة نور الهدى : لقاءٌ جمعنا وحديثُ ذكريات و أسئلةٌ بقيت معلَّقة و قصيدة شهدت الولادة السينمائية لصوتٍ وملحن!
- قصيدة أيها النائم وتحليلها الموسيقي والإنساني : عندما رثت أسمهان نفسها دون أن تدري!
- لعبة الأيام لوردة : إبداعٌ في اللحن والأداء دمجَ التطريب والتعبير والقالب في جملة لحنية واحدة ووازن دخول الملحنين الشبان عالم أم كلثوم!
- لماذا سرِّب هذا المقتطف بصوت السيدة فيروز من قصيدة أَصَابعـي مِنْــــكَ في أطــــرَافِهَا قُبَلُ بعد 40 عاماً على تلحينها من قبل السنباطي؟
- مقام الصبا – 2 : أجواء مقام الصبا الحزين تُولّدُ في قصيدة أحب القس سلّامة عبر بطء و استرسال اللحن المبني في انطلاقه على تتالٍ محدد من الأصوات الموسيقية
- مونولوج قضيت حياتي لأم كلثوم : عناصر مدرسة محمد القصبجي الرومنسية في رؤية سنباطية!
- هل ستفرج فيروز عن 3 أغنيات لحنها لها رياض السنباطي؟
- يا حبيبَ الله والناس بصوت نجاة : عندما قبلَ رياض السنباطي أن يلحن لطفلة في الثانية عشرة من عمرها!
- يا قدس يا حبيبة السماء بصوت سعاد محمد : لحنٌ مبدعٌ لرياض السنباطي ، احترم اكتفاء نص محمود حسن إسماعيل بحمل رسالة وجدانية إلى المدينة المقدسة ، لكي تستمر في رسالتها الأبدية ، في إقامة الصلاة ، ومباركة الحياة ، وابتعاده عن رسم الطريق لمعالجة المأساة!
حلقات تلفزيونية تناولت فن رياض السنباطي
- 09- مع الدكتور سعد الله آغا القلعة نحو نهضة موسيقية عربية جديدة – الحلقة التاسعة: ماري جبران بين دور أصل الغرام نظرة وأغنية يا زمان : عندما يُسحر الملحن بقدرات الصوت فيركز على منطقة الأصوات الحادة من البداية للنهاية!
- 14- مع الدكتور سعد الله آغا القلعة نحو نهضة موسيقية عربية جديدة – الحلقة 14 – لعبة الأيام لوردة الجزائرية ورياض السنباطي: عندما ينقل الإبداع رسائل خفية تؤدي إلى إيقافه لسنوات!
- برنامج نهج الأغاني – الحلقة العاشرة – 1 : نسخة السنباطي لقصيدة أراك عصي الدمع ترسم ملامح عصره و تحمل رسائله إلى أم كلثوم!
- حياة وفن أسمهان – الحلقة الثالثة – 2 : السنباطي وأسمهان والقصيدة التجديدية
- حياة وفن أسمهان – الحلقة الثالثة – 3 : القصبجي وأسمهان والقصائد بين الأصالة والتجديد
- حياة وفن أسمهان – الحلقة الثالثة – 4 : رائعة أسمهان ياطيور وتحليلها
- حياة وفن أسمهان – الحلقة الخامسة – 6 : إمتى ح تعرف والقصبجي والرهان الخاسر