الشيخ صبري مدلل – 1: صوت أصيل اشتهر أولاً في حلب ثم أوربا فدمشق والعالم العربي عندما جاوز السبعين من العمر!

شعار كتاب الأغاني الثاني

عرفتُ الشيخ صبري منذ أكثر من 60 عاماً ..  إذ كان يؤذن في جامع العبارة الشهير ، في وسط مدينة حلب ، وكثيراً ما كنت أتوقف ، صبياً ، إن بدأ الأذان ، لأستمع للشيخ صبري ، وهو يؤذن للصلاة ، بصوته الشجي ، مع اعتماد مقامات موسيقية مختلفة ، في كل مرة ، في إبداعٍ قل نظيره.


بعد سنوات قليلة ، كانت سهرات حلب الشهيرة ، ومنها سهرة أسبوعية في بيت الشيخ قدري دلال ، والد الأخ الأستاذ محمد قدري دلال ، فضاءً ثرياً للتعرف بجميع مطربي حلب ، إذ كنت أدعى ، شاباً ، للمشاركة فيها وعرض مهاراتي في العزف على القانون! هناك عرفت الشيخ صبري عن قرب وأدركت تميزه في مجال الارتجال والعفوية والثقة بالقدرات.

عندما عرف أنني ابن الدكتور فؤاد رجائي آغا القلعة مدير المعهد الموسيقي و مدير إذاعة حلب في الأربعينات والخمسينات ، راح يحدثني عن بداياته مع الشيخ عمر البطش ثم عن  دخوله إذاعة حلب عام 1949 و تسجيلاته لصالحها ودور والدي في إدارتها .. وأدائه لألحان الشيخ بكري كردي مثل ابعتلي جواب و يجي يوم ترجعلي تاني..

تكررت لقاءاتي بالشيخ صبري كلما تلاقينا في سهرات حلب الشهيرة إلى أن سافرت في عام 1975 إلى فرنسا لتحضير الدكتوراه في الهندسة.

ذات يوم وأنا في باريس ، دخلت متجر الفناك ، كعادتي ، وهو متجر متخصص في الموسيقى والتسجيلات ، وفوجئت بصورة حلب على غلاف إحدى الأسطوانات في القسم العربي.. كانت بعنوان : مؤذنو حلب ، وقد سجلها في حلب المستشرق الفرنسي كريستيان بوخيه ، الذي عاشت عائلته في حلب .

شارك في التسجيل كل من صبري مدلل وحسن حفار وعبد الرؤوف حلاق ورابع لم تحدده الأسطوانة ، وهو عمر دربي ، وقد عرفته لدى الاستماع للتسجيل!

افتتح الشيخ صبري التسجيل بأداء الأذان ليتبعه حسن حفار بأداء قصيدة من مثلكم لرسول الله ينتسب ليجتمع الأربعة في أداء توشيح حيوا الهادي بذكر الإسراء ينفرد خلاله عمر دربي لتتتالى التواشيح وصولاً إلى الاختتام بدعاء أداه عبد الرؤوف حلاق.


ونظراً لنجاح الأسطوانة ، خاصة لدى الجالية العربية في فرنسا ، فقد تم تنظيم حفل لرباعي المؤذنين في باريس في العام ذاته . كانت الحفلة على مسرح Theatre des Bouffes du Nord, Paris في إطار مهرجان الخريف  ، وكانت من 18 إلى  22 تشرين الثاني / نوفمبر 1975 و سجلت حينها لصالح راديو فرنسا. / الصورة المرفقة هي من تلك الحفلة!

لم تحفز هذه الأسطوانة صورة الشيخ صبري في أوربا إذ كان ضمن رباعي من المؤذنين ، ولذا فقد هدأت الأمور لعشر سنوات ، ولتبقى شهرة الشيخ صبري محصورة في حلب.

في عام 1986 ، دعي الشيخ صبري  للمشاركة في مهرجانٍ للموسيقى العربية في باريس عام 1986 ، بمبادرة من المركز الفرنسي بدمشق ، والباحثين بيير بواه و جان فرانسوا بلفاست ، وبالتعاون مع مركز ثقافات الشعوب في باريس ، بإدارة شريف خزندار. أطلقت تلك المشاركة شهرته في فرنسا ، وأصبح يدعى إلى مختلف المهرجانات فيها ، و في أوربا لاحقاً ، وكان قد قارب السبعين من العمر!

بالمقابل كانت شهرته  وكما قلت على المستوى العربي تنحصر في مدينته حلب .. ! صورة غريبة فعلاً! وكان لابد من أن أتصرف!

أتحدث لاحقاً عن انطلاق شهرته في دمشق والعالم العربي .. و كتمهيد لذلك فإنني أنشر اليوم هذا التسجيل لقصيدة : بعدتم ولم يبعد عن القلب حبكم ، بصوت الشيخ صبري مدلل ، ومرافقة الأستاذ محمد قدري دلال وقد جاءت على مقام النهاوند.

التسجيل مقتطف ، من إحدى حلقات برنامجي التلفزيوني ” العرب والموسيقى ” ، الذي كنت أقدمه على شاشة التلفزيون العربي السوري ، ابتداءاً من عام 1985.

تقول القصيدة :

بعدتم ولم يبعد عن القلب حبكم * وغِبتم وأنتم في الفؤاد حضورُ
أغار عليكم أن يراكم حواسدي * وأحجبُ عنكم والمحبَّ غيورُ
أعيروا عيوني نظرةً من جمالكم * فما كلُّ من يُغنِ الوصالَ يُعيرُ

وهي أبياتٌ مقتطفة من قصيدة طويلة ، للشاعر اليماني العارف بالله عبد الرحيم البرعي ، و كانت أتت في 59 بيتاً ، في مديح الرسول عليه الصلاة والسلام ، تبدأ بقوله:
فؤادي بربع الظاعنين أسيرُ * يُقيم على آثارهم ويسيرُ
ارتجل الشيخ صبري القصيدة على مقام النهاوند ، و انتقل إلى مقام البيات عند : وأُحجب عنكم ، ليعود للنهاوند عند : والمحب غيور ، ، ليستمر على مقام النهاوند في البيت الثالث ، وينتقل إلى مقام الراست في تكرار :أعيروا عيوني ، للمرة الثالثة ، قبل أن يعود أخيراً لمقام النهاوند لاختتام القصيدة.


د. سعد الله آغا القلعة

Bookmark the permalink.

Comments are closed.

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading