أجيب اليوم في هذا التسجيل المصور عبر تحليل مقارن عن السؤال: هل يكفي أن يكون تراثنا الموسيقي والغنائي متاحاً على الانترنت لكي نطمئن إلى استدامته في وجدان الأمة؟
أنطلق من رؤيتي التالية:
عندما تتهدم أبنية عصرية بفعل الحروب والأزمات ، يمكن إعادة بنائها بتصاميم جديدة ، وعندما تتهدم صروحٌ تاريخية أو أثرية ، تشكل في إجمالها ذاكرة شعب ، يكون الأهم أن يُعاد بناؤها كما كانت، بعد انتهاء الحروب و الأزمات . قد يكون هذا غير ممكن ، إن توفرت لها صور فقط ، إذ يستلزم الأمر توفر توثيقٍ كامل لها ، من تصاميم ومخططات تفصيلية ، في مختلف الأبعاد ، ومن تحليل للمواد التي بنيت منها تلك الصروح ، و من شرح للأفكار الجمالية والهندسية التي كانت أساساً لبنائها في زمانها ، سبق أن قام به باحثون متخصصون عاصروا وجودها قبل تهدمها ، بما يسمح بإعادة تشكيلها ، كما كانت ، بُنيةً و جوهراً.
وفي السياق ذاته ، لن تتمكن أجيالٌ شابة ، من إعادة إحياء موسيقاها الأصيلة في وجدانها ، بعد فترة طويلة من التهدم والإهمال ، إن توفرت لها تسجيلات فقط ، هي كالصور للأبنية والصروح ، إذ يستلزم الأمر توفر توثيق كامل لها ، نحن بأمس الحاجة إليه ، يقوم على تحليل وتوصيف تفصيلي للعناصر التي بنيت من خلالها ، و الأفكار الجمالية والعلمية والتعبيرية التي عبَّرت عنها ، بما يسمح بإعادة تشكيلها ، وإحيائها في وجدان تلك الأجيال ، عبر صياغة علمية توثق جوهر الإبداع الموسيقي في عصر النهضة، لكي تكون ذخيرة للأجيال القادمة، عندما يأتي دورها لتستعيد سيرورة الحياة.
لنتابع التسجيل: