أنشر اليوم هذا التسجيل النادر بصوت مطرب حلب أحمد الفقش ، كان سجله في القاهرة لصالح شركة أسطوانات أوديون في عام 1932 ، ولي هدفان من ذلك، أولاً : مقارنة هذا التسجيل ، مع التسجيل الذي نشرته قبل أيام لعزيز غنام ، عازف حلب البارع على النشأت كار ، في عزف تأملي ، حفل بتوافق الأصوات والريشة المقلوبة الجديدة في حلب ، لأبين مدى الغنى والتنوع الذي كان سائداً في فضاء الموسيقى في حلب ، في النصف الأول من القرن العشرين ، وثانياً: لأحاول الإجابة عن السؤال : مالذي دفع شركة أسطوانات أوديون الشهيرة لتسجل لمطرب من حلب هذه القصيدة وقد كان سبق أن سجلها ملحنها أبو العلا محمد ثم أم كلثوم؟
أحمد الفقش
ولد أحمد الفقش في حلب عام 1900. درس على شيوخ الطرب في حلب في تلك الفترة ، ومنهم الشيخ عبد الرزاق العقيلي. اشتهر في حلب ، ثم ذاع صيته ، فوصل إلى لبنان والقاهرة. دعته شركة أسطوانات أوديون ، لتسجيل بعض الأسطوانات في القاهرة ، كانت منها هذه القصيدة ، وأعمال أخرى ، سأتوقف عندها في مناسبات قادمة .
تميزالفقش بصوته الجهوري و محافظته على أسلوب الغناء القديم الذي يسيطر عليه ترجيف الصوت. ولعل هذا سبب تسجيل شركة أوديون لهذه القصيدة بصوته ، إذ يتوفر لها تسجيل بصوت أم كلثوم وبصوت أبي العلا محمد فلم تسجلها بصوت آخر؟ لقد كانت الغاية تقديم نسخة مختلفة تماماً عن الأسطوانتين في أسلوب الأداء الذي كان لا يزال سائداً في حلب ، فيما كان يغيب في القاهرة ، قبل أن يختفي في عاصمتي الغناء: حلب للغناء القديم و القاهرة للغناء الجديد ، مع الوقت.
قد يقال بأن شركات الأسطوانات ، حتى الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي كانت تسجل نسخاً متعددة للأغنية ذاتها ، وهذا صحيح ، وقد توقف بعد إقرار قانون حماية الملكية الفكرية عام 1954 ، ولكن ذلك كان للمطربين المشهورين في سماء القاهرة ، بغية زيادة توسيع السوق ، فلكل مطرب محبينه.. ولكن من هم محبي أحمد الفقش في القاهرة؟
عمل أحمد الفقش في إذاعة حلب ، التي كان أسسها والدي الدكتور فؤاد رجائي آغا القلعة عام 1947 ، معلماً لأداء الموشحات والقدود الحلبية والموال ، إذ كان من المبدعين في أداء الموّال ، متميزاً على أقرانه من كبار مطربي حلب ، و قد تخرّج على يديه عـدد كبير من الفنانين ، خاصة في غناء القصائد والمواويل والقدود الحلبية، كـان مـن أشهرهم مطرب حلب الكبير محمـد خـيري .
كانت لي فرص كثيرة للاستماع إلى أحمد الفقش مباشرة.
توفي أحمد الفقش عام 1973.