رغبت إليَّ إدارة مؤسسة الفكر العربي ، أن أكتب ، إلى جانب ثلة من كبار الكتّاب والنقاد ، نصاً يُنشر بين دفتي كتاب ، تخصصه المؤسسة لتكريم مسيرة السيدة فيروز الفنية الثرية ، رفقة المبدعَين عاصي ومنصور.
رحبتُ بالفكرة ، رغم أنني أعلم أنه ليس من السهل تقديم جديد في هذا المجال ، وقد سال حبر كثير ، حول أعمال هذا الثلاثي الفريد.
بعد تفكير ، رأيت أن أقدم قراءة تحليلية لمختارات من أغاني فيروز ، عبر نظريتي التي أعمل عليها منذ أكثر من 35 عاماً : تموج الألحان للتعبير عن المعاني في الأغاني، منطلقاً من علمي بأن لغة ومفردات الأخوين رحباني ، حققت نقلة نوعية على مستوى تشابك وتنوع المعاني ، وخاصة في مسرحهم الغنائي ، إذ أفسحت في المجال لعواطف معقدة ، ولمواقف متناقضة ومتشابكة ، لتجد مكانها في نسيج نصوصهما ، و أن هذا تطلب تطوراً مقابلاً في أساليب التلحين ، وفي الأداء أيضاً ، اعتماداً على قدرة فيروز الاستنائية ، في تمثل تلك المعاني والألحان ، وإيصالها للناس في أعمق صورة.
اخترت من أجل ذلك الأعمال الغنائية التالية:
- مشهد لقاء ريما مع راجح في مسرحية بياعة الخواتم / ويتضمن حواراً بين شخصيتين.
- أغنية دقيت طل الورد ع الشباك / وتتضمن حواراً بين الحبيب والورد يؤديه صوت واحد.
- مشهد وينن في ناطورة المفاتيح / ويتضمن بوحاً جماعياً وفردياً.
كما أشركتُ أمثلة من أغانٍ أخرى ( في قهوة ع المفرق – ليالي الشمال الحزينة – رجعت الشتوية – حبيتك بالصيف ) لمزيد من الإيضاح.
قمتُ ، بعد دراسة مستفيضة للمعاني الواردة في نصوص تلك الأعمال الغنائية المختارة، بتحديد 28 معنى مختلفاً فيها ، وبتصنيف الجمل اللحنية الواردة في تلك الأعمال ، وفق تموجاتها المقابلة لتلك المعاني ، بغية إبراز مدى ارتباط تموج الجملة اللحنية ، أو الانتقال المقامي فيها ، بالمعنى الذي تعبر عنه.
كما توقفتُ عند تموجات صوت فيروز المضمخ بالتعبير ، وأساليب إطلاقها للصوت ، متدرجاً من الحسم إلى الانهيار، مروراً بطيف واسع بينهما ، وبتلاحق متعاكس أحياناً ، حسب ما تقتضيه تغيرات المعاني ، ما كان يتطلب منها تحكماً فائقاً قل نظيره ، غلَّف تلك الجمل اللحنية المعبرة ، وأسهم في أن تجد المعاني الدرامية المعقدة المرتبطة بها ، طريقها الآني إلى الوجدان.
لقد أمِلتُ أن تتمكن هذه الدراسة ، من الإسهام في تفسير فرادة نتاج هذا الثلاثي ، فيروز و الأخوين رحباني ، وأسباب استقراره في عقول وأفئدة الناس!
والآن .. وقد نُشر الكتاب ، فإنني سأقوم بنشر الدراسة لاحقاً ، عبر موقعي على الانترنت ، وهذه الصفحة ، كما أفكر في أن أنشرها على شكل تسجيل سمعي بصري ، يكفل متابعة المعاني و تموجات الجمل اللحنية المعبرة عنها ، عبر صوت فيروز .. بشكل آني.
سعد الله آغا القلعة