أنشر اليوم على موقعي على الانترنت ، مع إتاحة التنزيل لمن يرغب ، أحد الكتب الهامة التي ألفها شقيقي الدكتور أحمد رجائي آغا القلعة ، الباحث المتعمق في دراسة العلاقة بين الموسيقى والشعر ، وهو كتاب أوزان الألحان بلغة العروض الذي نشره في عام 1999 . وإليكم تقديمي لهذا الكتاب:
نادرة تلك الكتب التي تتصدى لدراسة واقع بدأ منذ زمن بعيد وتعود الناس عليه حتى أصبح جزءاً من تراثهم رغم أن الزمن يتطلب تحديثه أو الإضافة عليه .. وفي اعتقادي ، وأنا بصدد تقديم كتاب أوزان الألحان بلغة العروض إليكم اليوم ، و إتاحة تنزيله لمن يرغب ، أن هذا الكتاب تصدى لمعالجة واقع أثر بشكل كبير على تطور الشعر والموسيقا عند العرب . تمثل هذا الواقع فيما يلي:
1- الخليل بن أحمد عبر دراسته لبحور الشعر العربي قدم لنا مادة الإيقاع الشعري ولم يقدم لنا صورته ، لأنه لم يدونه موسيقياً.
2- كان لتحديد الخليل لبحور الشعر أثره في تقييد الشعراء بإيقاعات شعرية محدودة العدد، كانت أقل تنوعاً بكثير من تنوع الإيقاعات الموسيقية العربية .مما أثر على تطور الشعر وعلى مسيرة الألحان الغنائية لاحقاً.
3- الإيقاعات الموسيقية العربية القديمة فيها تخليط كبير لقصور نظم ترميزها واختلافها ، مما أثر حتى على توثيق الإيقاعات العربية الأحدث التي بنيت عليها.
وهنا يأتي الدور الهام لهذا الكتاب الذي نقدم له ، لما احتواه من توثيق للإيقاعات الموسيقية العربية وترجمتها إلى تفعيلات شعرية ومن توثيق للإيقاعات الشعرية وتحويلها إلى إيقاعات موسيقية ومن ثم تقديمه لنماذج شعرية تعتمد على الإيقاعات الموسيقية و الشعرية بتنوعها وثرائها فاتحاً المجال أمام الشعراء لإغناء العناصر الموسيقية في أشعارهم على نحو لم يكن متاحاً من قبل.
يصنف المؤلف التراث العربي في مجال الإيقاعات الموسيقية في مجموعتين . فالمجموعة الأولى تمثل التراث المندثر،والمجموعة الثانية تمثل التراث الحي الآيل إلى الاندثار لقلة الاستعمال. محدداً هدفه في السعي إلى إحياء التراث المندثر، وصون التراث الحي من الاندثار.
وهكذا انطلق الكاتب أولاً من تحديد ما أوردته كتب الأدب العربي، من أسماء للإيقاعات العربية القديمة وردت في معرض رواية أشعار مغناة، ومن ثم عمد إلى البحث عن تراكيب هذه الإيقاعات وأنماطها في الشروح التي أوردها الفلاسفة العرب كالكندي والفارابي وأخوان الصفا وابن سينا، وغيرهم من المؤلفين القدامى كابن زيلة والمسعودي رواية عن ابن خرداذبه والأرموي . ولكنه لم يقتصر على عرض تلك الشروح لسبب بسيط هو أنها وردت مختلفة فيما بينها اختلافاً واضحاً،من جهة ، إضافة إلى اختلاف محققي المخطوطات المعاصرين في التفسير والتوضيح، بسبب قصور نظم الترميز أو عدم فهمهم لها ،كما سبق وأشرنا ، بحيث أن اندثار هذا التراث لم يكن مجرد غياب أو ضياع، وإنما كان ارتباكاً بدا كأنه لم يكن ثمة مخرج منه.
ويُرجع المؤلف سبب الغموض الذي واجهه محققو المخطوطات إلى أنهم لم يتعمقوا في دراسة نظرية الإيقاع عند العرب ، وإلى أن كلاًّ منهم حقق مخطوطاً منفصلاً . وهكذا رجع المؤلف إلى تنظير الفلاسفة وغيرهم من المؤلفين ، فدرس بعمق الكتابات النظرية لهؤلاء،وشرحها ولخّصها. وهنا تكشفت التصرفات المسموح بها، كالطي والتضعيف والتشبيع ونقرة المجاز والتمخير والحث وإلغاء الفاصل،مما أوضحه الكتاب ، فبدت هذه التصرفات المسموح بها نظيرةً للزحافات والعلل في عروض الشعر . ومن خلال فهم هذه التصرفات المسموح بها أمكنه الكشف عن مواطن الخلافات الظاهرية بينهم، وبالتالي إثبات عدم وجود خلاف ،لانطباق جميع الروايات على الأسس النظرية. وهكذا تمكن من توضيح تركيبات الإيقاعات العربية الثمانية المشهورة، محدداً في البداية دور الأصل، ومن ثم كل ما أمكنه حصره من أشكالها الأخرى حسب التصرف المسموح به والذي أبعدها عن الأصل.
وبعد ذلك حاول تدوين هذه الأوزان موسيقياً على أقرب تقريب ممكن، ثم وضعها في صورة تفعيلات ، وقال الشعر على أوزان بعضها. إن هذا الجزء من الكتاب يمكن أن يعتبر بحق كتاباً قائماً بذاته.
ثم رصد المؤلف عدداً كبيراً من الإيقاعات العربية التي دوّنها المؤلفون الموسيقيون المعاصرون منذ أوائل القرن العشرين ، فجمع حوالي ثلاثمائة وثلاثين صيغة إيقاعية من الوطن العربي كله من المحيط إلى الخليج، بما في ذلك الروايات المختلفة لعدد من الإيقاعات ، فدوّنها على طريقته موسيقياً ثم وزنها ووضعها في صورة تفعيلات، كما صنفها وقارنها ببعضها بعضاً، واستنتج الازدواجيات في التسميات المحلية في الوزن الواحد. أرجع المؤلف عدد الأوزان إلى مائتين وواحد وعشرين وزناً ، وبعد ذلك كله قال الشعر على أوزان بعضها.
ويبحث الكتاب أيضاً في موضوع المواءمة بين الإيقاعين الشعري والموسيقي كما طبقها العرب عبر مراحل ،معتبراً ماقدمه من أشعار على مبنية على الإيقاعات الموسيقية كما وثقها امتداداً لما قام به الأولون، فيشرح طريقة المواءمة الفطرية في العصر الجاهلي، ثم يشرح بتفصيل مشوّق طريقة المواءمة الاصطناعية منذ أواخر عصر الخلفاء الراشدين بأسلوب ما سموه ( الغناء المتقن) ، ويقوم على أساس تركيب إيقاع موسيقي على وزن شعري مختلف ، وبعد ذلك يتطرق المؤلف بشيء من الإسهاب إلى ما سمّاه المواءمة الطبيعية في الموشحات الأندلسية ، ويثبت عن طريق أمثلة عديدة أن الكثير من أوزانها المبتكرة كـان أوزان الإيقاعات الموسيقية ذاتها، ولاسيما الإيقاعات المطبقة في البلاد المغاربية حتى يومنا هذا . وهو في هذه النقطة بالذات تصدّى إلى جانب تراثي فريد من نوعه ، لا يمكن أن يتاح الولوج إليه لباحث إذا لم يكن ضليعاً في الشعر والموسيقى معاً.
وعموماً يعتبر الكتاب متعدد الأغراض من منظور تكاملي . فهو ينطلق من الربط المحكم بين علم العروض وعلم الإيقاع من خلال المقاطع العروضية المشتركة بين كل من أوزان الشعر وأوزان الإيقاعات، وبذلك يوضح كيف أن العلمين مكملان لبعضهما. ويثبت الكتاب أن التفعيلات المستعملة في الإيقاعات العربية تغطي كل ماهو مستعمل منها في الشعر على مستوى التفعيلة الواحدة، وتضيف إليها عدداً كبيراً مما لم يستعمل فيه. وبذلك يدعو الكتاب الملحنين إلى استعمال أوزان الشعر كإيقاعات موسيقية، بعد أن دوّنها موسيقياً، كما يدعو الشعراء إلى قول الشعر على أوزان الألحان واعتبارها بحوراً جديدة، ويشجعهم على ذلك بسرد عدد كبير من الأشعار التي قالها المؤلف على تلك الأوزان.إضافة إلى أنه يعتبر بحق موسوعة للإيقاعات العربية قديمها وحديثها، لاسيما من خلال تصانيفه المختلفة للإيقاعات المعاصرة، فقد رتبها أبجدياً بحيث يمكن الرجوع إلى أي إيقاع من خلال اسمه المعروف، فيحيل الباحث إلى الرقم الذي يحدد موضع شرح الإيقاع، كما يحيله إلى رقم الوزن العروضي الذي يحدد موقعه بين أنداده . كذلك يصنف الإيقاعات عند شرحها حسب عدد التفعيلات التي يبنى عليها ، أما عدد الوحدات التي يتكون منها الإيقاع، حسب ما تعارف عليه الموسيقيون ، فهو تصنيف اتّبعه المؤلف كتصنيف ضمن تصنيفه لعدد التفعيلات.
يثبت المؤلف في هذا الكتاب أنه متمكن من كل من علم العروض وعلم الإيقاع، وهو يسعى إلى توحيد هذين العلمين، وكان سبق له أن ألّف كتاباً سمّاه ” أوزان الأشعار – مقاربة جديدة في علم العروض” كما ألف كتاباً بعنوان ” طريقة عربية لتدوين الموسيقى العربية” ، يثبت أنه مطّلع على تقنيات علم الموسيقى أيضاً ، وقد استعمل جزئياً طريقته في التدوين الموسيقي لتدوين الإيقاعات المعاصرة التي أخذها عن تدوينات بأساليب مختلفة، فظهرت طريقته بسيطة وواضحة. كذلك استعمل هذه الطريقة في تدوين بحور الشعر الموسيقي بهدف الدعوة إلى استعمالها كإيقاعات ، وفي تدوين الإيقاعات العربية القديمة بأنماطها المختلفة بهدف إحيائها عن طريق استعمالها من قبل الموسيقيين العرب المعاصرين.
ويختم الكتاب بمجموعة أشعار قالهـا المؤلف على أوزان الإيقاعات تزيد على ثمانين مقطوعة لا تخلو من طرافة، سواء من حيث المواضيع المطروقة أو من حيث السبك . وتثبت أن اللغة العربية قادرة على استيعاب أوزان الإيقاعات الموسيقية رغم أنها غير مألوفة حتى الآن في قول الشعر.
لتنزيل الكتاب أنقر على الصورة أدناه
شكرا لنشر هذا الكتاب القيم على الموسوعه
شكرا على هذا الكنز الثمين
لروحه السلام
عائلة متميزة مبدعة
شكراً لنشرك هذه الكنوز الرائعة..رحم الله أخاك الدكتور أحمد رجائي ولك طول البقاء.
رحم الله الدكتور أحمد وطيب ثراه، وأطال في عمرك.
شكراً أخي الغالي!
شكراً!
شكراً!