مشاركتي في المؤتمر الأول للموسيقى العربية في القاهرة عام 1992

شعار كتاب الأغاني الثاني

لطالما لاحظت تركيز الأبحاث الموسيقية على الماضي فيما تركز الأبحاث العلمية على المستقبل.

عندما دعتني الأخت العزيزة الدكتورة رتيبة الحفني ، رحمها الله ، للمشاركة  في الدورة الأولى لمؤتمر الموسيقى العربية بالقاهرة عام 1992 ، كنتُ مدركاً أن غالبية الأبحاث الموجودة على ساحة البحث الموسيقي العربي ، تتصل بالحديث عن الماضي ، وأن ذلك يعود إلى صعوبة الحديث في المستقبل ، عندما يتعلق الأمر بالإبداع ، بخلاف ما يكون عليه الأمر فيما يتصل بالعلوم ، إذ أن الأبحاث المتصلة بالعلوم لا تتصل بالماضي ، وإنما ينصرف جلُّها إلى المستقبل!

ومن هنا ، ومن منطلق اشتغالي بالأبحاث العلمية ، إلى جانب الممارسة الإبداعية ، فقد قررت أن أشارك في المؤتمر ، ببحث ذي طبيعة مستقبلية!

شاركت إذاً في المؤتمر ، و ترأستُ لجنة الآلات الموسيقية فيه ، كما اشتركتُ ببحث : ” نظرية الأجناس الموسيقية المتداخلة – تطوير الأساس المقامي للموسيقى العربية ” ، و لم أكتفِ بعرض البحث كنظرية ، و إنما عرضتُ تسجيلاً على القانون لمؤلَفي الموسيقي : بوح الروح ،كتطبيق له!

شكلت هذه النظرية طرحاً لإشكالية الحديث عن مستقبل الموسيقى العربية ، من خلال تطويرها من الداخل ، وليس وفق ما اتسمت به قراءات المؤلفين الموسيقيين العرب لتطوير الموسيقا العربية ، إذ اعتمدت تلك القراءات على إدماج أساليب الموسيقا الغربية الكلاسيكية ، بحيث أصبح الناتج الموسيقي العربي في غالب الأحيان ، ومع استثناء بعض المحاولات الجادة ، عبارة عن توليفة من جمل لحنية شرقية ،معالجة بتلك الأساليب ، بغية إضفاء مسحة من المعاصرة عليها.

نعم ، ويا للأسف ، لقد أصبح تحقيق الحداثة في الموسيقا العربية ، يقاس بمدى التقارب مع تراث الغرب ( وهو بالمناسبة .. تراث! )  ، دون النظر إلى الاختلافات الجوهرية في الأسس ، بين موسيقانا وموسيقاهم.

قلتُ في تقديمي للنظرية بأننا لو نظرنا إلى بناء الموسيقا العربية نظرة متفحصة ، لتبين لنا أن الأساس المقامي للموسيقا العربية استند ، منذ مدة طويلة ، إلى إمكانات الصوت المؤدي ، فالأصوات الموسيقية المشكلة لمسار أي مقام موسيقي لا تغطي من المساحة الصوتية إلا اثني عشر صوتاً موسيقياً ، هي حدود إمكانات الصوت المتداول ،  مما يحد بالتالي من الإمكانات الصوتية الواسعة المتوفرة في الآلات الموسيقية ، ومن إمكانات المؤلف الموسيقي في سعيه للتعبير عن واقعه  وعصره.

وتابعتُ قائلاً : البحث التالي يسعى لوضع نظرية جديدة ، تفتح أمام المؤلف الموسيقي العربي آفاقاً واسعة ، لتحقيق طموحه في التعبير عن عصره ، وذلك عبر تطوير الأساس المقامي للموسيقا العربية ، ليخرج عن حدود إمكانات الصوت البشري ، مع المحافظة على خصائص حكمت مسار تطور الموسيقا العربية ذاتها ، منذ القدم وحتى الآن.

حازت النظرية على تقدير الباحثين المشاركين في جلسات المؤتمر ، واعتُمدت في التوصيات النهائية.

د. سعد الله آغا القلعة

Bookmark the permalink.

Comments are closed.

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading