أنشر اليوم أدائي لصولو ( عزف منفرد ) القانون الشهير في أغنية السيدة أم كلثوم : فكروني ، من ألحان محمد عبد الوهاب ، مقتطفاً من الحلقة السادسة من برنامجي التلفزيوني : عبد الوهاب مرآة عصره ، وقد حاولت فيه أن أدمج بين مدرستي الأداء: التقنية ( عبد الفتاح منسي ) والعاطفية ( عبده صالح ).
كنت في صدد شرح اعتقادي الجازم ، بأن الاتفاق بين أم كلثوم وعبد الوهاب حول طريقة تعاونهما ، منذ أن تم إقرار ذلك مع أغنية انت عمري ، حدد أن عبد الوهاب حرٌّ في أسلوب وضعه للمقدمات الموسيقية للأغنية و مشاهدها المتتالية ، فيما يلتزم في المقاطع الغنائية بالمسار الذي استقر في أغاني أم كلثوم على المسرح. أنا أرى أن ذلك أتى في سعي من عبد الوهاب لكي لا تضيع نجوميته أمام وهج نجومية أم كلثوم ، خاصة إن كانت هناك تغطية إعلامية للجديد الذي تحمله تلك المقدمات الموسيقية ، وهو ما برع عبد الوهاب في تحفيزه دائماً! أعطيت عدة أمثلة على ذلك ، مثلاً : الجيتار في إنت عمري ، الأداء المنفرد على الطبلة في فكروني .. وقلتُ وفي السياق ذاته : ولماذا لا يذهب عبد الوهاب إلى الحدود القصوى ، فيطلب أن يؤدى عزف منفرد من قبل عازف آخر ، بحجة أنه الوحيد القادر على أدائه ، كما قيل حينها؟
في الواقع هو صولو مختلف ، ولكنه لا يتطلب قدرة استثنائية .. وفق ما يتبين من متابعة أدائه له بنفسي أمام الكاميرا!
في العرض الأول لأغنية فكروني ، والذي كان في الأول من شهر كانون الأول / ديسمبر 1966 ، على مسرح قصر النيل ، قام بأداء الصولو عبد الفتاح منسي ، العازف الدائم على القانون في أعمال عبد الوهاب و صاحب المدرسة التقنية في العزف على آلة القانون ، وغاب عبده صالح عازف القانون وصاحب المدرسة العاطفية في العزف على آلة القانون ، وقائد فرقة أم كلثوم الموسيقية، لأول مرة ، منذ أن بدأ العمل مع أم كلثوم قبل سنين طويلة. قيل لاحقاً بأن ذلك كان بسبب مرضه ، ولكن لي رأياً آخر بينته في التسجيل ، و أشرح أسبابه لاحقاً ، من خلال تحليلٍ لمضمون الصولو الموسيقي ، و عرضٍ مقارن للوثائق الصوتية المتعلقة به ، فكما أقول دائماً : الوثائق الصوتية تحمل حقائقها معها!
لنتابع أدائي أولاً..
لماذا رجحتُ أن المرض ليس السبب!
هناك أسباب عديدة أدت إلى ترجيحي أن المرض لم يكن السبب ، وإنما رغبة عبد الوهاب الدائمة في إبهار الجمهور ، وتحفيزه لمتابعة ألحانه العابقة دوماً بالجديد. من تلك الأسباب ما شاع حينها من أن هذا الصولو لا يستطيع أداءه إلا عبد الفتاح منسي ، وهذه كانت تصريحات تابعتها بنفسي كعازف قانون في منتصف الستينات ، ولكن الأهم كان أن طبيعة الصولو تشي بوضوح بأنه وضع أصلاً لعبد الفتاح منسي ، عازف القانون المعروف بقدراته في تقنيات العزف والسرعة والنقرة القوية وتفضيله إدخال النقر باليدين على وترين مختلفين ومنسجمين في آن واحد ( شكل من أشكال الهارموني العفوي) ، وليس لعبده صالح ، المعروف بنقرته اللينة الرقيقة ، والبعيد بطبيعته عن أداء التقنيات والسرعة وازدواج الأصوات المنسجمة ، رغم قدرته على أدائها طبعاً، والقريب من الأداء العاطفي!
لنتابع العرض المقارن التالي بين أداء منسي للصولو في العرض الأول للأغنية ، و أداء عبده صالح له في العرض الثاني ، بتاريخ الخامس من شهر كانون الثاني / يناير 1967 .. سنلاحظ أن عبده صالح لم ينفذ إدماج الأصوات كما ورد عند منسي ، كما سنلاحظ اختلافاً واضحاً لرد فعل الجمهور على أداء الصولو .. إذ أنه لم يصفق لأداء منسي للصولو في العرض الأول ، بينما كان عليه أن يرحب به ، وقد أتى لينقذ وضعاً مستجداً ، بسبب مرض عبده صالح كما قيل ، ولكنه بالمقابل صفق كثيراً لأداء عبده صالح للصولو في الحفلة التالية .. وكأنه لم يتقبل الفكرة .. ولذا تم اللجوء بعد العرض الأول للأغنية إلى حكاية مرض عبده صالح .. لنتابع ..
قد يقال بأن التصفيق لعبده صالح جاء تحية لعبده بعد إبلاله من مرضه .. وهذا ممكن ، ولكن.. لماذا لم يصفق الجمهور لأداء عبد الفتاح منسي ، وهو أداء جميل ، لعازف متمكن فعلاً ؟ ألم يكن يستحق تحية من الجمهور ..؟ بالطبع كان يستحق ، ولكن هذا لم يحصل!
شواهد رائعه وتحليل هام
عرض جميل ومقارنه موضوعيه شكرا لكم
على ما يبدو أن عامل الجمهور غير مؤثر، لأن فكروني الثانية أدتها أم كلثوم في تونس، أي جمهور غير معتاد على مثل ذاك الأداء
للأسف معلوماتك غير دقيقة : فكروني الثانية كانت على مسرح سينما قصر النيل في القاهرة في 5 كانون الثاني / يناير 1967أي بعد شهر واحد من الحفلة الأولى..