طرحت في النشرة السابقة السؤال التالي :
هل يجب أن نكتفي بالاحتفاء بذكرى ولادة أو رحيل كبار الملحنين والمغنين والشعراء الغنائيين والمؤلفين الموسيقيين والعازفين ؟ وأجبتُ : بالطبع لا ، ورحتُ إلى الاحتفاء بذكرى رحيل أحد أهم الباحثين الموسيقيين : ميخائيل خليل الله ويردي فنشرتُ كتابه / فلسفة الموسيقى الشرقية وأسرار الفن العربي.
أتابع اليوم فأضيف على سؤال البارحة : وماذا عن الاحتفاء بولادة المعاهد الموسيقية ؟ وهل كانت تلك الولادة متعسرة أحياناً؟ وأجيب فأحتفي اليوم أولاً بذكرى ولادة المعهد الموسيقي في دمشق في عام 1950 ، ثم أتحدث عن العوائق التي قطعها تعليم الموسيقى في دمشق ، منذ أول إطلاق له عام 1928 ، حتى استقراره في عام 1960.
وفي الواقع ففي مثل هذا اليوم التاسع من شهر كانون الثاني / ديسمبر عام 1950 ، صدر مرسوم جمهوري تنظيمي في دمشق بتأسيس المعهد الموسيقي ، وقد باشر المعهد عمله في 15 آذار / مارس عام 1951 ، واستمر حتى عام 1958 ، حيث أغلق ، ليعاد افتتاحه عام 1960 تحت اسم : المعهد العربي للموسيقى ، ويستمر حتى أيامنا هذه.
وإنني أجدها مناسبة للحديث عن مسيرة التعليم الموسيقي في دمشق ، و العثرات التي تعرضت لها تلك المسيرة ، بين أعوام 1928 و 1960 ، بسبب تغير الأجواء السياسية المسيطرة .. و هي مناسبة أيضاً للتذكير بالشخصية الوطنية التي كانت دائماً وراء تجاوز عثرات وجود معهد موسيقي في دمشق: فخري البارودي ، الذي أنشر صورته لترافق هذا الحديث اليوم.
إليكم الآن بعض التواريخ التي رافقت المسيرة المتعسرة لافتتاح المعاهد الموسيقية في دمشق بين عامي 1928 و 1960:
- في عام 1928 ، أي إبان الانتداب الفرنسي على سورية ، أسس الزعيم الوطني المدافع عن الموسيقى فخري البارودي ، مع الأستاذ توفيق الصباغ ، عازف الكمان المشهور والملقب ” ملك الكمنجة ” : “النادي الموسيقي السوري الشرقي” ، بقصد تعليم الموسيقى للموهوبين. أغلق الفرنسيون المعهد بعد عامين بسبب نشاطه الذي ركز في حفلاته ، إلى جانب الأعمال الفنية ، على تقديم الأغاني والأناشيد التي تشيد بسورية و تندد بالانتداب الفرنسي عليها.
- في عام 1943 ، وبجهود مكثفة من فخري البارودي ، تم في دمشق تأسيس المعهد الموسيقي الشرقي ، واستمر في عمله لمدة عامين ، أي حتى عام 1945 ، حيث أغلق مجدداً من قبل السلطات الفرنسية.
- في عام 1947 ، وبعد استقلال سورية ، وبجهود حثيثة من فخري البارودي في مجلس النواب ، تم تأسيس المعهد مجدداً تحت اسم المعهد الموسيقي. أغلق المعهد مجدداً في عام 1949 ، بسبب إلغاء مخصصاته من قبل مجلس النواب ، الذي سيطرت عليه في ذلك الوقت ، قوى تعارض التنوير و تعليم الموسيقى!
- في عام 1950 ، وبعد أن أصبحت الأجواء مناسبة لذلك في مجلس النواب ، استطاع فخري البارودي الدفع لإعادة افتتاح المعهد فكان أن صدر ، و تحديداً في مثل هذا اليوم أي التاسع من شهر كانون الأول / ديسمبر 1950 مرسوم جمهوري تنظيمي بتأسيس المعهد الموسيقي مجدداً ليباشر عمله في 15 آذار / مارس عام 1951 ، وليستمر لمدة 8 سنوات. أغلق المعهد مجدداً في عام 1958 ، وكان السبب هذه المرة إعادة هيكلة الوزارات التي جرت في دولة الوحدة بين مصر وسورية ، و التغييرات التي اعتمدت لتبعية المؤسسات لتلك الوزارات.
- في عام 1960 ، وفي إطار دولة الوحدة ، أعيد افتتاح المعهد باسم المعهد العربي للموسيقا ، ليتبع وزارة الثقافة والإرشاد القومي ، وليستقر التدريس فيه أخيراً. سمي المعهد مؤخراً باسم معهد صلحي الوادي للموسيقى ، إذ كان الأستاذ صلحي الوادي أول مدير له عند تأسيسه في عام 1960.
- تجدر الإشارة إلى افتتاح المعهد العالي للموسيقى في سورية في عام 1990.
نعم .. لقد تعسرت ولادة المعاهد الموسيقية في دمشق .. ولكنها استقرت أخيراً!
د. سعد الله آغا القلعة