في عام 1931 ، زارت أم كلثوم وفرقتها من موسيقيين ومذهبجية مدينة حلب ، مركز الأصالة الموسيقية في المشرق العربي ، في إطار جولة في سورية وفلسطين ، وأقامت فيها ثلاث حفلات، في مسرح الشهبندر الذي كان يتسع لأكثر من ألفي شخص.
يمكن من تتبع برنامج الحفل ، أن نلاحظ أن السيدة أم كلثوم ، تعمدت الابتعاد عن مسار الحداثة لديها ، المتمثل في مونولوجات محمد القصبجي الرومنسية ، ومنها مثلاً مونولوج ” إن كنت أسامح ” الشهير ،
وركزت على برنامج تقليدي أصيل ، مع نفحات تطوير تستند إلى الأصول.
استند البرنامج إلى ألحان الشيخ أبي العلا محمد والشيخ زكريا أحمد ، و افتُتح بتقاسيم للأستاذ محمد القصبجي على العود ، ثم بتغنٍ لها بياليل على مقام الراست الشرقي الأصيل ، منتقلة بين المقامات وصولاً إلى مقام نادر الاستعمال نسبياً وهو الزنجران ، لإبراز قدرتها على التنقل المرتجل ( أو المرسوم ) بين المقامات ، ثم استهلت البرنامج بأغنية على قالب الدور الأصيل ، وهي دور “هو ده يخلص من الله ” ، من ألحان زكريا أحمد ، وكلمات بديع خيري ، على مقام الزنجران ،مع تنقلات تجديدية بين المقامات الموسيقية ، وتنويعات آنية في درجات الاستقرار اللحني
فيما يمكن اعتباره نوعاً من استعراض القوة في ألحان الأصالة.
تابعت أم كلثوم برنامجها وفق التسلسل التقليدي للبرامج الفنية ، التي كانت تقضي بأن يأتي بعد الدور قصيدة ، وهكذا اختارت أم كلثوم قصيدة أبي العلا محمد ” يا آسي الحي ” من كلمات اسماعيل صبري باشا ،
، في تلوين يبتعد قليلاً عن طبيعة ألحان زكريا أحمد التي افتتحت بها البرنامج ، ويذكِّر بأستاذها أبي العلا محمد .
أنهت أم كلثوم البرنامج بأغنية على قالب الطقطوقة ، وفق التسلسل التقليدي للبرامج ، وهي ” اللي حبك ياهناه ” لزكريا أحمد مرة أخرى
وهي طقطوقة دخلت تاريخ الغناء العربي بأنها كانت أول طقطوقة تتنوع فيها الألحان بين أقسامها ( أغصانها وفق التعابير الموسيقية ) ، فتتشكل من أربعة ألحان تتناوب مع اللحن المتكرر للمذهبجية ، بينما كانت الطقطوقة السائدة عبارة عن لحنين متناوبين أحدهما للمذهبجية وثانيهما للمطرب ، ويبقى لحن المطرب ثابتاً ولو تغير النص في أغصان الأغنية ، ومرة أخرى نجد بروز التطوير في إطار الأصالة .. برنامج مدروس لاشك أن سمعة حلب تسببت فيه..
المفارقة أتت عندما كتب الأستاذ أحمد الأوبري ، الموسيقي والملحن المجدد والباحث الحلبي المعروف ، مقالاً حول هذا الحفل نشره في مجلة الحديث الحلبية ، نقل فيه انطباعاته عن مجريات الحفل . المديح في المقال كان يأتي على أنه رأي الجمهور ، أما النقد فله ،إذ كانت له فيه ملاحظات على أداء أم كلثوم سواء في مجال افتقاد التكرار إلى تنويع الأداء ، وفق رأيه ، أو في مجال ضعف التعبير عن المعاني ، من خلال التوقف عند لفظة تعبر عن الألم ، والتغني بها والتطريب والترجيع من خلالها لاستثارة طرب المستمعين .. دون أن ينعكس الألم العابق في النص على أسلوب الأداء ، وفق رأيه ، وهذا طبيعي ، فالأستاذ الأوبري معروف بتوجهاته الموسيقية الحداثية والتعبيرية ، وهذا واضح في ألحانه ، وفي أسلوبه في تدوين ألحانه باصوات متعددة ، فيما كانت اختيارات السيدة أم كلثوم تلائم طبيعة مدينة حلب وسمعتها الغالبة كمركز للأصالة الموسيقية العربية في مشرق العالم العربي طيلة مئات من السنين .
ولكن الأستاذ الأوبري فاته أن التعبير عن الآلام غير ممكن عندما يكون الغناء بدون ميكرفون وأمام ألفي متفرج ، ( كان الغناء في تلك الفترة بدون ميكروفون ، والصورة المرفقة تظهر السيدة أم كلثوم تغني في حفل افتتاح مؤتمر الموسيقى العربية بالقاهرة عام 1932 بدون ميكروفون ) حيث يكون الأساس قوة الصوت للوصول إلى أسماع الناس بوضوح ، فيما يتطلب التعبير في الاداء تدرجات في قوة الصوت من القوة إلى الهمس ، وهذا غير متاح في ظروف حفلات ذلك الزمان. ومن المفيد هنا الاستماع إلى القصيدة كما سجلتها أم كلثوم على أسطوانة ( التسجيل مرفق أعلاه ) ، والتعبير المطلوب ظاهر في أدائها وخاصة عند كلمة ” أواه ” التي توقف عندها الأستاذ الأوبري. أما التطريب على كلمات بخلاف معانيها ، فهذا أسلوب بقي سائداً لفترة طويلة ، خاصة أن أغلب المواويل والقصائد التي تغنى بشكل مرتجل ، تحفل بتعابير الهجر والألم ، ويتم التغني بها في أساليب تطريبية خالصة ، وهذا أسلوب كان سائداً حتى في حلب في تلك الأيام . في نشرة قادمة سأتوقف عند الأستاذ الأوبري وألحانه التجديدية أما الآن فلنقرأ المقال معاً مع ملاحظة أنني وضعت الجمل التي عليها تعليق باللون الأحمر:
المقال:
عزيزي صاحب الحديث الأغر طلبت إليّ أن أبدي لك رأيي ، عقيب استماعي لمطربة المشرق أم كلثوم ، التي قدمت مؤخراً إلى حلب و أحيت فيها ثلاث حفلات تجلى فيها الطرب و كانت من الليالي التي تعد من الأعمار.
كان يسترعي انتباهي الأحاديث و الأقوال التي كانت تدور على ألسنة الناس قبل قدومها ولا شك بأنك كنت تسمع بعضهم يقول : أن أم كلثوم خارقة من خوارق الطبيعة.
وآخرين يدعون : أن غناء أم كلثوم شيء لا يستطيع الإنسان وصفه .
وغيرهم يؤكد : أن من يستمع إلى أم كلثوم يظل مختلجاً سكران “مسطول” يحلم طوال ليله ولا يفارقه الحلم حتى صباح اليوم الثاني .
وسواهم يحكم : بأن أم كلثوم في الاسطوانة غيرها فوق التخت فمن سمع الاسطوانة لم يسمع أم كلثوم .. لا قياس .. لا تشبيه .. وغير ذلك من الأقوال و الأحاديث التي تحملني – كما تحمل غيري بالطبع – على الاندهاش و انتظار ساعة الاستماع إلى المطربة بفارغ الصبر .
دنت الساعة العاشرة من ليلة الاثنين في 28 ايلول 1931 إذ كنا ننتظر في المقصورة في صالة الشهبندر الجديد .
و علت الأصوات من صفوف المحاضرين و دوت الأيدي بالتصفيق إيذاناً بوصول المطربة إلى المسرح .
وأخيراً انكشف الستار، وأرسلت المصابيح الكهربائية أضوائها على من في المسرح، فرأيت أم كلثوم جالسة فوق كرسي اعتيادي لابسة ثوباً أسود طويلاً، فوقه معطف قصير من نوعه و لونه، امتدت أكمامه حتى المعصم فسترت الذراعين كما ستر الثوب الرقراق ما تحته.
فلم تكن العين تقع إلا على رأس مدور ناعم ووجه أسمر حلو، لطّف سمرته مسحوق أبيض مفروش على القشرة بذوق واعتدال.
و عنق متناسب مع عرض الصدر، تشوق النفس إلى تعرف الحنجرة البلبلية التي تقوم فيه.. أما عيناها فهما على دقتهما سوداوان منبثقتان، يسطع من جوفهما شعاع الذكاء و الفطنة .
وقد جلس على يمين المطربة القانوني المصري المشهور بالعريان، يتلوه عازف الكمنجة وهو – على ما سمعنا- حلبي الأصل مصري المنشأ، وعلى يسارها العواد الملحن المشهور بالقصبجي الذي يلحن للمغنية أكثر المنظمات التي تنتقيها للغناء، و بجانبه مقال أي مساعد وهو أخو أم كلثوم، يعقبه النقار أعني الضارب على الدف.
مجموع أفراد الجوقة إذن – بما فيهم الرئيسية- ستة ، وقد لبسوا “السموكين” وجلسوا صفاً واحداً موحداً بشكله إلا أن المطربة ذاتها لم تختر اللباس الأسود إلا لتزيد في انتظام جوقتها و في حسن وقع منظرها على الجمهور .
هذا فضلاً عن حسن إلتآم اللونين الأسود و الأسمر .
إذ من المتعارف المنطبق على صحة الذوق أن البشرة السوداء لا تمتزج معها الألوان الفاتحة، خلافاً للألوان القاتمة فهي تكسب الأسمر لطافة و إغراء .
وأحنت أم كلثوم رأسها شكراً لتصفيق الحاضرين عقيب انكشاف الستار .. ثم افتتح الأستاذ القصبجي الفصل الأول بتقسيم على العود من نغم “الرست” و التقسيم في الموسيقى عزفاً يشبه الخطابة الارتجالية في الكلام ، يجول العازف أثناءه في اللحن مستطرداً نغماته الفرعية . و تجواله هذا قد يكون ذا تأثير عظيم على السمع فيما إذا كان هو، أي العازف، عالماً بالنغم وأطواره وفروعه، ماهراً بالعزف وأساليبه .. بعد عزف تمهيدي طويل مشبع أخذت المغنية بإلقاء “ليلتها” مبتدئة بعبارات قصيرة من قرارات الراست، حولتها في القلب إلى ما يسمونه “جهاركاه” لتستقر في نغمة يطلقون عليها اليوم “زنجيران” .
ثم غنت الدور المصري المعروف : “هو دا يخلص من الله ” أعقبه، في الفصل الثاني، بقصيدة الشاعر المرحوم اسماعيل باشا صبري : “يا آسي الحي هل فتشت في كبدي” تلتها في الفصل الثالث، طقطوقة مسحوبة في الاسطوانة و هي “اللي حبك يا هناه” وها أنا أبدي لك، فيما يلي، ملاحظاتي، ومشاهدتي كما شعرت و رأيت:
صوتها: صوت لامع صاف. ناعم القرار، قوي العمق، نبرات قوية مستقيمة سالمة من الضعف و الخلل .. قفلات حادة مسبوكة سبكاً رصيناً مشبعاً بقوة الصوت و حلاوته وأنوثته معاً .
هذه الأوصاف أعني: قوة الصوت وحلاوته و أنوثته تجدها مجتمعة في حنجرة أم كلثوم بدرجة واحدة .
أداؤها: أداء واضح، تدعمه لغة عظيمة، خالية من شوائب التكثير و الرطانة و اللحن.. لفظ عربي فصيح، مخارجه كاملة، تؤديك المعنى دون عناء ولا ارتباك.
وقفتها: لا تختلف حركات جسمها أثناء الغناء واقفة عنها جالسة: هزة في الرأس ترافقها ابتسامة ملؤها العطف خصوصاً على القفلات ، فتزيدها قسوة وتأثيراً على النظر و السمع معاً.. اختلاج في الأعضاء – عند أداء النغمات الحادة – ينم عن اختلاج العواطف شعوراً.. فهي شعر و موسيقى في وقت واحد .
أسلوبها: مصري ، لهجته مستمدة في الغالب من أسلوب أبي العلاء وعبد الحي حلمي.. لا أثر فيه لعنصر غريب.. بالرغم من أن بعض المقاطع في إنشادها تحتوي نتفاً تركية – تقليداً- و هذا ما لا تصادفه عندها إلا قليلاً بخلاف ألحان الأستاذ عبد الوهاب ففيها شيء من الأسلوب التركي أكثر .
غناؤها: إن المغنية التي يكون صوتها و إلقاؤها وأوصافها كما ذكرنا لا بد من أن يكون غناؤها أيضاً بديعاً ساحراً .. وهذا هو الواقع .. وأنك لتعجب إذ تجدني أتعرض لنقد غناء أم كلثوم .. وربما قلت في نفسك: وهل غناء أم كلثوم ينتقد؟.
إن صوت أم كلثوم جميل بذاته، ولكن هل كان جماله ليظهر لو لم تتعلم صنعة الغناء .
أتدري لماذا استطردت هذه الكلمة عن الذوق والعلم .. لأن في الشرق عموماً ، وفي مصر و سوريا خصوصاً نظرية وهمية تتعلق بتعليم الموسيقى والعزف، يدعي أصحابها بأن تعلم الموسيقى بالطرق الفنية العلمية يحرم المتعلم من حلاوة الصوت في الغناء ، ومن حلاوة الصوت الأصابع في العزف على الآلة أياً كان نوعها وأن معظم الغنائين الشرقيين، من عازفين و مطربين، عملوا بهذه النظرية وما زالوا يعملون بها حتى يومنا هذا .
فالعازف يتعلم بطريقة السمع .. و المغني كذلك يسمع اللحن ثم يغنيه بعد أن يتعلمه.
و أم كلثوم – هكذا سمعت- قد تعلمت هذا النمط، بالرغم من عذوبة صوتها و جماله الساحر.. وفي اعتقادي أنها لو كانت قد أخذت قسطاً وافراً من فن الموسيقى الحديث لكانت غير ما رأينا و سمعنا .
فالألحان التي سمعناها في اسطواناتها ومن فمها لا تتعدى دائرة ضيقة من فن الموسيقى الواسع إنها تتناول القطعة الواحدة من دور وطقطوقة وقصيدة، فتعيد مقطعاتها بسياق ووزن واحد و ترددها ما شاءت و شاء لها التجلي و الطرب الذي تستمده في الغالب من المستمعين .
أقول تستمد الطرب و التكرار من المستمعين ، لأنهم هم الذين يطربون بادئ بدء فيستعيدوا ويتلذذون فيشبعوها حمداً و تضرعاً واسترحاماً .. فتطرب هي لطربهم .. و تشعر بلذة الإطراب و سطوته على القلوب فتجود مبتهجة منتصرة لأنها تجد نفسها قد ملكت على الناس أفئدتهم و تسلطت على مشاعرهم تلعب بها لعب الطفل بالطابة ولذا فهي دوماً سمعة، مجيبة، مرددة ما داموا هم طالبين، مستعدين .
غير أنها إذا أعادت فإنما تعيد النغمة ذاتها مع شيء من التنميق بسيط في القفلات .. إذ ليس بإمكانها – ولا بإمكان أحد سواها – أن يبتكر أنغاماً و أساليب أثناء الغناء.. فالابتكار نتيجة إلهام و بحث وتمرين.
وهناك بعض النواقص، كانت تظهر في مغنى أم كلثوم ، دون أن تحدث انتباهاً في نفوس السامعين.. من ذلك أن المغنى المتضمن حزناً و حرقة، والذي يتطلب نغمات وأوضاعاً تمتزج معه، لتعبر عنه تعبيراً صادقاً ، كنا نسمعه بأسلوب لا يلابسه مطلقا خذ لك مثلا “أواه” في قصيدة “يا آسي الحي” للشاعر الرقيق المرحوم إسماعيل باشا صبري الذي يقول فيها: “أواه من حرق أودت بها كبدي” فالنغمة التي سمعناها، و الأوضاع التي كانت توافقها لم تكن تعبر عن حرقة كموت قلب الشاعر المعذب ، فانفجر يتألم كأنه يستعذب العذاب..
وإنما أرادت المغنية أن تقلب النغمة في لفظة “أواه” وترددها إجابة للمستعيدين ،تارة بغنج ودلال، وأخرى بمداعبة و مغازلة بقصد التنويع، مما أخل بالمعنى وكاد يخرجه من أصله.. وهذا الخلل أنما هو نتيجة لازمة للترديد ، ما دامت الألحان غير مدونة، يتصرف بها المغنون وفقاً لأهوائهم و أذواقهم و ما دام الفن فوضى ، لا ضابط له و لا نظام.
وليس من المعقول أن يتخذ رضاء السامعين و تلذذهم من النغمة المرددة حجة على المعنى و الذوق السليم، فالأسباب التي تحكم لهم على الرضاء، خصوصاً إذا كان المغني آنسة ، ترجع إلى عوامل نفسية دعنا منها.
ولا بد لي، قبل أن أختم رسالتي، أن أقول أن الجمهور الحلبي الذي اشتهر بقوة بحثه في الغناء العربي، و تقديره للمغنين لم ينل هذه الشهرة عبثاً.. ولا عجب إذا كانت المطربات و المطربون يحسبون له حساباً، قبل قدومهم إلى حلب.. فهم يعلمون أنه نقاد ماهر، لا بالكلام، بل بدقة الإصغاء، و تمييز غث اللحن من سمينه ..
يكفي أن تعلم أن الآهات “آه”، التي كانت تصدر عن السامعين ، أثناء غناء أم كلثوم، كانت تتناسب قوة و انطلاقاً مع جودة القفلة، عقيب انتهائها تماماً، وكلما كانت القفلة تامة الأجزاء، حلوة الأداء كلما ازدادت قوة الآهات و التصفيق.. هذا فضلاً عن أن الجمع المستمع – قد بلغ عدده ألفي نسمة –كان يصغي بسكون سائد شامل؛ لكي لا تفوته أدق النبرات و أرقها.
وأخيراً الشكر للفرص التي سنحت لمطربة الشرق بحق وجدارة ، الآنسة أم كلثوم ، بزيارة حلب، آملين أن يكون لهذا البلد من حسن التفاتها و تقديرها لأرباب الفن فيه أوفى نصيب.
ملاحظات لاحقة:
**لم يشر الأستاذ الأوبري إلى عازف الكمان الذي كان ضمن فرقة أم كلثوم باسمه ، بل عرفه بأنه عازف كمان مصري المنشأ حلبي الأصل! فهل كان أمير الكمان سامي الشوا ؟ وهذا بعيد الاحتمال .. أولاً لأن الشوا كان في رحلة في أوربا في عام 1931 ، وكان من الصعب ألا يذكر لو كان مشاركاً .. ويبقى أمامنا احتمالان: إما فاضل الشوا شقيق سامي وهو أيضاً عازف بارع على الكمان أو جميل عويس وكلاهما من أصول حلبية ( جميل عويس من جسر الشغور التي كانت تتبع حلب في ذلك الزمان ).
**لم يشر الأستاذ الأوبري إلى زكريا أحمد ملحن الدور والطقطوقة فيما أشار إلى الأستاذ القصبجي وألحانه.
**اعتبر الأستاذ الأوبري أن أسلوب تعلم أم كلثوم الغناء بالاعتماد على السمع والحفظ المباشر يحجب عنها إمكانات كانت فتحت أمامها مجالات أرحب.
**يستبعد الأستاذ الأوبري أن تكون السيدة أم كلثوم قادرة على الابتكار ، وهذه نقطة كانت دائماً مسار جدل حتى في مصر ، ما أخر نيلها لجائزة الدولة التقديرية وهي أعلى جائزة في مصر وتمنح للمبتكرين في مجالهم .
**أشار الأستاذ الأوبري إلى أن جمهور حلب معروف بأنه نقّاد ماهر .. وهذا صحيح .. ولعله كان يشير إلى نفسه أيضاً ، وأنه يثبت هذه المقولة من خلال مقاله هذا.. ولعله كان يعطي نفسه الحق بالنتيجة في انتقاد أداء أم كلثوم .. ففي حلب لا أحد فوق النقد..
وبالنتيجة ..
هناك ملاحظة أخيرة هامة .. أن هذا المقال يوضح وجود تيار موسيقي تجديدي في حلب ، له نتاجه وأعماله اللحنية المرتبطة بمسارات الحداثة السائدة ، مقابل تيار متمسك بالأصالة كان غالباً ، ما جعل صورة حلب أم الطرب هي الغالبة.
تجدر الإشارة إلى أن إقامة السيدة أم كلثوم كانت في فندق بارون التاريخي.
هذه النشرة فتحت لنا مواضيع عديدة : التعريف بالأستاذ الأوبري وألحانه التجديدية ، تيارات الموسيقيين المتشابكة في حلب ، أم كلثوم وعبد الوهاب في مؤتمر الموسيقى العربية الأول ، التطوير الذي نفذه زكريا أحمد في قالب الطقطوقة من خلال طقطوقة اللي حبك ياهناه ، أهمية مونولوج إن كنت أسامح وانسى الأسية في ترسيخ قالب المونولوج الرومنسي .. وهي مواضيع هامة سأتوقف عندها إن شاء الله في نشرات قادمة..