قبل أيام نشرتُ في المكتبة الموسيقية عبر الانترنت نص فصل الموسيقى في مقدمة ابن خلدون. أنشر اليوم نصاً يعالج الموضوع ذاته في صيغة مختلفة ، إنه كتاب الموسيقى تأليف جبران خليل جبران.
نُشر هذا الكتاب، الذي جاء في عدة صفحات، لأول مرة في عام 1905 في جريدة المهاجر التي كانت تصدر في نيويورك . ركز جبران في كتابه هذا على تأثير الموسيقى في النفس البشرية ، إذ رآها أداة تعبير النفس عن المسرات والأحزان ، و على وظيفتها في المجتمع ، إذ تتقدّم مواكب الملوك ، وتوفر الفضاء الأمثل لأناشيد الصلاة ، و تحرض الحماسة في قلوب الجنود قبيل المعركة ، وتخفف التعب على المسافرين، ليصل إلى عرض انطباعاته لدى سماعه بعض المقامات الشرقية ، وهي انطباعات قابلة للمناقشة:
فالنهاوند يمثل بالنسبة له ” تفريق المحبّين ووداع الوطن ، .. ، وشكوى آلام مُبَرِّحة بين ضلوع قوامها لظى الشوق” ، وهو ” يصف آخر نظرة من راحل عزيز ” ، وهو ” صوت من أعماق النفس الحزينة ، نغم متحسر من مهجور يسأل عطفاً على رمقه قبل أن يضنيه البعاد”.
أما الأصفهان فهو يعبر عن ” آخر فصل من حكاية عاشق دنف، مات حبيبه فتقطّعَتْ عُرى آماله وتواصلت زفراته فهو ينوح بآخر ما في جسده من الحياة، ويرثي ببقايا مافي حياته من الرمق”.
فيما يعتبر الصبا مقاماً فرحاً ، فعندما نسمعه ” تستفيقُ منَّا قلوب حجَبتْها لحف الغم وتستيقظ وترقص بين الضلوع. فالصَّبا نغمة فرح تُنسي المرءَ أتراحه فيطلب الراح ويشربها بلَذَّة غريبة”. وأذكِّر هنا بما سبق ونشرته من تحليلٍ لأغانٍ بنيت على مقام الصبا ، في صورته الفرحة!
أما الرصد فله ” في سكينة الليل، وقع في المشاعر يُحَاكي تأثير كلمات رسالة جاءت من عزيز غالٍ، انقطعت أخباره في بلاد بعيدة، فجاء الكتابُ يُحْيي عاطفةَ الأمل ويعد النفس باللقاء”.
قدم جبران في هذا الكتاب نصاً جميلاً ، أدعوكم لقراءته ، مضمخ بنظرة عاطفية وإنسانية ، في تباين واضح ، قابل للمناقشة أيضاً ، مع نص ابن خلدون في مقدمته ، وخاصة في معالجة تأثير الموسيقى في المجتمع ، إذ يطوِّر جبران ، كما بينتُ أعلاه ، وظائف كثيرة للموسيقى لم يتوقف عندها ابن خلدون ، الذي اعتبر الموسيقى من الكماليات المتصلة بالترف ، والتي تكون أول الصناعات التي تزول ، إذ قال في ختام فصله عن الموسيقى : وهذه الصناعة آخر ما يحصل في العمران من الصّنائع، لأنها كماليّة في غير وظيفة من الوظائف إلّا وظيفة الفراغ والفرح، وهي أيضا أوّل ما ينقطع من العمران عند اختلاله وتراجعه.
و في هذا السياق هناك سؤالان :
- ماهي الأسباب التي أدت إلى هذا التباين؟
- هل وثَّق أي كتاب لوظيفة الموسيقى والغناء في المجتمع العربي قبل عصر ابن خلدون؟
يمكن مناقشة مضمون الكتاب والإجابة عن السؤالين من خلال المساحة التي أضفتها كخدمة جديدة أدناه.
د. سعد الله آغا القلعة
يمكن إخفاء أسهم تقليب الصفحات عند اللزوم إذا كانت القراءة تتم من خلال جهاز خليوي أو لوحي وذلك بالنقر على الصفحة كما يمكن تقليب الصفحات بدون الأسهم عبر سحب الصفحة بالأصبع باتجاه اليمين أو اليسار
أستاذنا الكبير أظن أن الفارق الزمني (خمسمائة سنة) بين الشخصيتين كان له تأثير كبير في صياغة تقييم كل منهما لوزن الموسيقى وأهميتها، فخلال هذه الفترة تطورت الموسيقى بشكل هائل خاصة في أوروبا حيث ظهر كبار الموسيقيين مثل بيتهوفن وموزارت وشوبان وغيرهم. كما أن التأثير النفسي لسقوط الأندلس على ابن خلدون وكون الانشغال بالموسيقى من مظاهر ترف الخلفاء واعتباره أن الترف ساهم في الضعف، قد يكون له أثر في تقييمه لأهمية الموسيقى ودورها او وظيفتها. النقطة الاخيرة هي ان ابن خلدون بحكم تفكيره ومنهجه وعمله في علم الاجتماع أقل عاطفية من جبران الشاعر المرهف وبالتالي فتأثير الموسيقى على الثاني سيكون أكبر.
أؤيد ما ذهبت إليه في النقاط الثلاث التي أثرتها .. ولكن لما كانت مقدمة ابن خلدون تمثل الوثيقة الأهم في علم الاجتماع حتى عصرنا هذا ومنها نهل الجميع في الشرق والغرب فقد كنت أتوقع من ابن خلدون أن يستشرف المستقبل في مجال وظيفة الموسيقى في المجتمع مثلما استشرف المستقبل في معظم المحاور التي ناقشها في مقدمته….
في الواقع ماورد في كتاب الموسيقا لجبران رائع وفيه فيض من روحه الحالمه المحلقه ومن خلال طريقة اختيار التعابير التي تحمل في طياتها صدى الروح الانسانيه وبين سر الترابط الإنساني مع بعضه ومع الطبيعه وتسامي لغة الموسيقى لتكون الصله الروحيه مع الكون والالهه.
وهذه النظره تختلف مع نظرة ابن خلدون لان التقييم عند ابن خلدون يتحدث عن الصراع ونشوء وزوال الممالك والحضارات وبالتالي الموسيقى تعبير عن مرحلة الرخاء والتطور.
بينما عند جبران هي لغة كل شيء اللغه العميقه للحياة
وبين في وصف المقامات ودلالاتها التعبيريه بشكل رائع
طبعاً الاختلاف واضح في اللغة بين لغة الأديب ولغة عالم الاجتماع ، و هو أيضاً اختلافٌ في النظرة إلى وظيفة الموسيقى في المجتمع..وهو ما سلَّطتُ الضوء عليه.
التباين القائم بين ابن خلدون و جبران نابع من إختلاف في زاوية النظر و المقاربة. فابن خلدون عالج الموسيقى كظاهرة اجتماعية من زاوية عالم إلاجتماع او العمران ناظرا في وظيفتها في إطار البنية الإجتماعية الصيروروة التاريخية و بصورة موضوعية. أما جبران فتناول الموسيقى كأديب مستعملا في ذلك تجربته الشخصية الذاتية بأسلوب أدبي رقراق رابطا إياها بسيكولوجية الإنسان و علاقته بها بصرف النظر عن الواقع الموضوعي هذا مع إيراد شئ من التاريخ ولكن دائما بطريقة أدبية رائقة كعادته. إختلاف في المنهج و أدوات التحليل إذن أدى إلى هذا التباين الذي لاحظناه عند الرجلين في نظرة كلاهما لهذا الفن.
لاشك .. ولكننا هنا نتحدث عن اختلاف النظرة إلى وظيفة الموسيقى في المجتمع بين ابن خلدون و جبران وأسباب ذلك..
حتى بصفة ابن خلدون عالم اجتماع يا دكتور، كان المفروض يفهم إن الموسيقى مش رفاهية لأنها آخر ما بتوصل له الحضارة والعمران (على حد تعبيره)؛ بالعكس، ده معناه إن الموسيقى هي ذروة الحضارة، وهي منتهى الرُقي والتحضُّر اللي ممكن يوصل له أي مجتمع، وعشان كده (مسألة بديهية؛ حاجة غريبة إنه لاحظها لكن فشل في إنه يلاحظ معناها) مجرّد ما بيختل ميزان الحضارة وتحصل مشكلات اجتماعية واقتصادية وأخلاقية وما إلى ذلك من أسباب انهيار الحضارات، فن الموسيقى من أوائل الظواهر الفنية والجمالية اللي بتتأثر بالمشكلات الاجتماعية دي لأن موازين الحضارة والجمال والأخلاق بتكون في حالة اختلال وانحلال يخلي الموسيقى تهرب من عقول وقلوب الناس اللي بتدخلها القسوة والغلظة والتوتّر والغضب (أدوات التعامل مع الواقع الجديد المختل).
باكتب الكلام ده لحضرتك وأنا بأفكّر في مدينة فيينا قبل الحرب العالمية الأولى؛ كانت ذروة الحضارة الإنسانية كلها بشكل عام، وكان فيها أرقى شعب وأجمل موسيقى وأمهر عازفين، وكانت الموسيقى من ضرورات الحياة زي الأكل والشرب واللبس (حتى الناس الفقراء اتعلموا جماليات الموسيقى وحبّوها من كتر العازفين اللي كانوا بيعزفوا مؤلفات باخ وموتسارت وبيتهوفن في القهاوي وعلى النواصي بمقابل زهيد جدًا أو بدون مقابل)، ومن ساعة انهيار القيم دي في فيينا (لأسباب سياسية واقتصادية، وفي الآخر: حربية)، والحضارة الإنسانية كل يوم في انحلال وانحدار أسوأ من اللي قبله، ومفيش مدينة أو مجتمع تاني قدر يحققها ويعيشها زي مجتمع فيينا ساعتها.
تعليق مهم ودقيق إذ يعطي تفسيراً مختلفاً عن تفسير ابن خلدون لتراجع دور الموسيقى في المجتمعات التي تغادرها بذور الحضارة و يختل التوازن فيها بين مكونات ألقٍ حضاري عاشته ثم غاب!
عندما خص ابن خلدون صناعة الغناء بفصل خاص بها ،هذا يعني أنها من مسببات ازدهار العمران في المجتمع ..
لقدأسهب في توصيف كيفية إخراج الأصوات من بعض الآلات الموسيقية ونسب الأنغام بعضها إلى بعض لنحصل على الألحان الملذّة ، فتحدث عن الموسيقى تقنيا ….
وهي اقتباس عن أسلافه ممن عالج هذه الموضوعات بشكل علمي مشفوع بالأمثلة النظرية ولم يكن ابن خلدون ممن يزاولون صنعة الغناء أو العزف لأنه ليس عازفا ولا مغنيا
ولم يكن سبّاقا إلى الخوض في هذا المضمار فالكندي والفارابي والأرموي البغدادي وابن سينا (بشكل خاص )وابن المنجم، وغيرهم ممن عاش قبل ابن خلدون بعشرات أو مئات السنين وتحدثوا عن تأثير الموسيقى والغناء على الكائنات جميعها وبالطبع الإنسان في مقدمتها ،وعن أهميتها في تحقيق التقدم الحضاري وتطور الذائقة لدى البشر عموما والتي تنعكس إيجابا في تصحيح العلاقات الإجتماعية وإصلاح المجتمع وتقويمه وإذا قرأنا العبارة التالية التي أجتزؤها من النص (…وليس المراد تلحين الموسيقى الصناعي فإنه لاينبغي أن يُختلف في حظره إذ صناعة الغناء مباينة للقرآن بكل وجه …) ربما نقف على حقيقة موقفه من الغناء وهو يستشهد بموقف الإمام ابن مالك من الغناء ..وربما كان رأي ابن خلدون يتوافق مع رأي الإمام ابن مالك …
في تقديري أن ابن خلدون لم يكن من المؤمنين بأهمية الغناء والموسيقى في المجتمع ومن المحتمل أن يكون حكمه قد تأثر بانتشار مجالس الترف واللهو في بيوت الوجهاء والأمراء وتكاثر عدد القيان والجواري في الأزمنة التي استقرت فيها الدولة العربية ومال الناس إلى الهدوء والدعة …
في حين أننا نرى الإمام أبي حامد الغزالي المفكر العقلاني والفيلسوف الذي عاش قبل ابن خلدون بنحو ثلاثمائة عام كان متقدما على ابن خلدون في تقدير قيمة الموسيقا والغناء ، وأكثر عمقا في بيان تداعيات السماع الإيجابية على النفس والروح ..فيقول في كتابه آداب السماع والوجد (إن السماع يثمر في القلب ثمرة اسمها الوجد)..كما يقول أيضا ( من لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال ،بعيد عن الروحانية زائد في غلظ الطبع وكثافته على جميع البهائم فإن جميعها تتأثر بالنغمات الموزونة )…
وهذا يتوافق مع رؤية جبران خليل جبران الشاعر والرسام والفيلسوف، للموسيقى التي تنتمي إلى عالم الوجدان عملا بمبدأ وحدة الفنون حيث قدم تحليلا رائعا لتأثير أربع من المقامات العربية لم يسبقه إليه أحد وبلغة رقيقة شفيفة تنم عن إحساس رهيف له علاقة مباشرة بثقافته الفنية والتاريخية وإعجابه بالكيفية التي تعاطت بها بعض الشعوب القديمة قبل الميلاد زمن السومريين حيث جوقات المرتلين جزء من طقوس العبادة لديهم ،فهي ضرورة وليست ترفاً.. فقدست الموسيقى وعبدتها ،وشيعت بها الملوك والقادة عند رحيلهم عن هذا العالم وأدرك قيمة الموسيقى بأبعادها الإنسانية العميقة ،وقد ساهم في ذلك اغترابه وبعده عن وطنه الأم ،فكانت الموسيقى هي مؤنسته وهي السبيل إلى تقريب المسافات ..
لقد اختار مقامات عربية صميمة
ولا أظنه كان على دراية بعلم المقامات
وأرجّح أنها كانت مماحفظه من بعض الموسيقيين،ولكنه عبّر عن الحالات الإنفعالية التي تنتابه هو عند استماعه إليها
وربما يفاجأ البعض بتصنيفه مقام الصبا باعثا على الفرح !!
وأنا أرى أن صفة الحزن والتألم التي ارتبطت بهذا المقام هي نابعة من توظيفه تاريخيا في تلحين نصوص تضمر معاني الحزن والألم وليست نابعة من تسلسل أبعاده السلّمية ،وهذا أيضا له علاقة بثقافة المستمع
والتراكم السمعي لديه
وثقافة البيئة السائدة ،فلو استمع غير العرب من الغربيين إلى غناء من هذا المقام فهل سيشعرون بالحزن أو التألم أو..!!.لاأظن ذلك .
وعبارة (إذا جن ليلك فارصد) الواردة في حديثه عن مقام الرست،ليست في مكانها المناسب ولاعلاقة بينها وبين الاستماع إلى مقام الرست عزفا أو غناء عند حلول الليل…
ودلالة العبارة في تقديري تشير إلى ما كانت تقوم به العرب في الصحراء من رصد للإعداء واللصوص الذين قد يتخفون ليلا ويتربصون بالآمنين
وأيضا تحمل معنى رصد النجوم والكواكب للاهتداء بها عندما يكونون على سفر ..
عذرا للإطالة
كل الشكر والتقدير لشخصكم الكريم دكتور على كل ما تقدمونه من جهد وعلم بهدف الارتقاء بموسيقانا العربية وإعلاء شأنها.
تعليق هام أشكركم عليه!
أنا أرى أن ابن خلدون لم يعتبرالغناء والموسيقى من مسببات ازدهار العمران في المجتمع ، وإنما اعتبرها نتيجة لذلك الازدهار ، إذ أنه رأى بأن الموسيقى من آخر الصناعات التي تدخل عند اكتمال ازدهار العمران وأول ما ينحسر عندما يختل .
بالمقابل أنا أرى مثلكم أنه لم يكن من المؤيدين لأهمية الغناء والموسيقى في المجتمع ، وأرى ، في هذا السياق ، أنه فضل أن يضع للموسيقى فصلاً خاصاُ ولو جاء في نص مختصر جداً ، لاطلاعه على كتابات علماء وفلاسفة سبقوه أمثال الكندي والفارابي وابن سينا ، الذين قدموا مؤلفات كاملة في الموضوع ، وأعطوا الموسيقى أهمية كبرى ، إذ اعتبروا الموسيقى ، وهنا النقطة التي كانت دافعاً له للكتابة عن الموسيقى ، أحد العلوم الأربعة الأساسية والضرورية لكل فيلسوف لفهم الكون ، فما كان له أن يهملها ، و طبعاً هو أشار لهؤلاء المؤلفين في نصه ، عندما قال بأنه ( تبيَّن في علم الموسيقى ..) أو ( حصرها أهل علم الموسيقى ..) وذلك في الصفحة الأولى من الفصل.
بالنسبة مقام الصبا ، وفي الواقع ، فإن هناك صورة فرحة لمقام الصبا ، وقد كنت كتبتُ عن هذا في موسوعة كتاب الأغاني الثاني ، ومن ذلك أغنية يا مسعدك صبحية لأبي خليل القباني وأغنية الدولاب لفريد الأطرش..
أنقل إلى الموقع تعليقات على منشورات المكتبة الموسيقية وردت على صفحتي على منصة فيس بوك أراها جديرة بالنقل إلى الموقع ومنها ما كتبه الأستاذ عبد العزيز الحامدي ، إذ كتب:
بين قولَي ابن خلدون وجبران فوارق:
عصران متباعدان والأهم باعثان مختلفان.. الأول معني بحالة العمران الكلية للمجتمع بنظرة عقلية موضوعية .
الثاني معني بالتأثير العاطفي الذاتي بخيال خصب وتحليل أكثر منه كلي.
كلاهما أبدع في ميدانه واستفدنا منهما.
ابن خلدون تحدث عن صناعة الموسيقى وتقانتها وفعلاً هذا كمالي فموسيقا بيتهوفن حتى لو عزفت على قارعة الطريق فلن تكون بتفاصيل العزف الاوركسترالي يستحيل.
وجبران بالأساس اراد النغم الطبيعي (البلابل) والفطري (الراعي) فهو إذاً حاجي وضروري ولا يمنع أن يتطور كمالياً فلا تعارض بين الطرحين .
تساؤلات مهمة عند جبران:
١. لماذا اختار أربع مقامات فقط ؟
٢. لماذا لم يختر العجم الماجور واختار بل بدأ بالنهاوند المينور؟
٣. لماذا اختار مقاماً مركباً (الأصفهان)؟
٤. لماذا اعتبر (الصبا) مرحاً وفرحاً وأملاً بخلاف معظم الذواقين والنقاد والفنانين؟
بالمناسبة وردت عبارة (إذا جهز ليلك فارصد) ربما في الطباعة أو النقل تم تحوير العبارة كما أعرفها أنا وقد اكون مخطئاً (إذا جنّ ليلك فارصد) جن بمعنى ستر أي اسودّ..
واسم المقام أصلاً هو (الراست) وتعني الصحيح الأساسي وهو كذلك السلم الشرقي الأساسي ..
أعود محاولاً الإجابة عن آخر تساؤل بتساؤل:
هل كان حزن وكآبة جبران أكبر بكثير مما يفعله الصبا ليراه نشوة وفراحاً ؟
أم لأنه حاكى دواخله وكأنه تداعيات التحليل النفسي الفرويدي فيرتاح حين يبوح بها.؟
أم لأن أحداً ما حين سمع جبران نغمة صبا ثم تحولت إلى عجم أو بيات فسأل ماهذه النغمة فقيل له هي صبا إذا افترضنا أنه لا يميز المقامات تماماً؟
لأن الصبا في بنيته هو بكاء ونشيج (٤ علامات في بعدين وربع) ثم انفراج (بعد ونصف) .. وهذا هو البكاء بعينه والنشيج يبدأ بنغمات متقاربة .. والأطفال فطرياً حين يسمعون الصبا يبكون ..
طبعاً اللهم إلا حين يبدع الموسيقيون في الصبا في ترتيباته وتركيباته فيخرج لنا راقصاً (رقصة ستي) أو (هزي محرمتك) أو حماسي (طول ما أملي معايا) وهذا نادر ..
في العموم لكل تأثره الذوقي وبخاصة جبران هو أديب وشاعر ورسام وهو ظاهرة استثنائية.. وحقيقةً لا أعلم عن علمه بالموسيقا..
أعتذر للإطالة وأترك الباقي للزملاء
تحياتي للجميع وللدكتور القلعة العزيز.
++++++++++
وإليكم إجابتي :
تحليل مميز كالعادة.. طبعاً هناك فروق بين النصين حسب الاختصاص فابن خلدون عالم اجتماع قدم نظرة علمية و جبران كاتب مبدع قدم نظرة عاطفية إنسانية .. سؤالي عن التباين كان عند نقطة تقاطع عندها النصّان : دور الموسيقى في المجتمع .. الأول اعتبرها كمالية والثاني فصَّل في دور مختلف لها .. وهنا قد يقال بأن السبب يعود إلى المدة التي مرت بين النصَّين حيث تغير دور الموسيقى في حياة المجتمعات ولذا كان سؤالي الثاني الذي تعلَّق بدور الموسيقى في المجتمع العربي في عصور سبقت ابن خلدون.. وهو ما سأتوقف عنده في نشرة تالية ومن خلال كتب المكتبة الموسيقية عبر الانترنت..
أستطيع أن أتوقع أن جبران كان على معرفة بمقام العجم ( الماجور) لأنه في توقفه عند دور الموسيقى في تحفيز حماسة الجيوش لاشك كان يدرك أن تلك الموسيقى الحماسية تعتمد على الغالب على مقام العجم ( الماجور ) وخاصة في مكان إقامته في الولايات المتحدة أو في لبنان .. ولكنه لعله في توقفه عند المقامات الأربعة كان قد رآها تعبر عن مختلف العواطف الإنسانية في حزن الإنسان وفرحه ( الحزن ( النهاوند والأصفهان ) والفرح ( الصبا ) والأمل ( الراست – الرصد كما ورد في نصه ) ليلخص ذلك بذكر شكل غنائي واحد وهو العتابا البعلبكية التي رآها تقدم شكلاً جامعاً يسمح بالتعبير عن تلك العواطف والأحاسيس!
فيما يخص مقام الصبا فلعلنا نتذكر أنني خصصت عدة نشرات فيما سبق لي الحديث عن مقام الصبا في صورته الفرحة ( يامسعدك صبحية لأبي خليل القباني – الدولاب لفريد الأطرش..)..