سعد الله آغا القلعة: الإبداع والتطور لابد أن يأتي من صلب الموسيقا العربية وليس بالانقطاع عن الجذور

جريدة العروبة العدد 7604

ساطع الأزهري

جاءت محاضرة الدكتور سعد الله آغا القلعة الأخيرة في مهرجان أسبوع الثقافة الموسيقية ، والتي اندرجت تحت عنوان سمات الموسيقا  العربية وآفاق تطورها ، لتضع النقاط على الحروف ، ولتبدد كل مخاوفنا وحذرنا من مسألة الابتكار والتجديد.. جاءت لتزيل عنا الشكوك  والأوهام، ومن أن موسيقانا مازالت بخير ، ومن أنها قادرة على التطوير والحداثة ، شريطة أن تنطلق من سماتها الأصيلة ، حتى لا تكون هجينه غريبة في موطنها ، فالتطوير لا يكون بالانقطاع عن الجذور.
ودعا الدكتور آغا القلعة إلى ضرورة الأخذ بالعلم والثقافة لفهم موسيقانا على نحو علمي صحيح، كما دعا الشعراء للنهوض بمستوى الأغنية، والتعبير عن شتى المعاناة  الإنسانية

كيف نطور موسيقانا

تساءل المحاضر في البداية كيف نطور موسيقانا..  ولماذا نطورها أصلاً ذلك، أن التطوير يفتح آفاقاً  واسعة لا يمكن فيها لناقد أن يتصور إلى أي مدى يمكن أن يذهب التطوير بعيداً عن الأصالة والجذور.. وهل يمكن  أن يحقق التحديث الإجماع  فعلاً، وأن يعكس التأثر بالتراث دون تغيير، وقد فطر الإنسان على حب التغيير، هنا كان الحديث عن الأصالة والمعاصرة إشكالياً.. ومن هنا كانت ضرورة التنبيه إلى خطورة عملية التحديث، إن لم تكن مدروسة بوعي وعلم.. وهنا أكد المحاضر على ضرورة  الانطلاق من السمات الصحيحة  للموسيقا العربية بالذات حين التحديث..

وعدد سمات الموسيقا العربية وتطرق إلى العناصر التالية:

سمات  الموسيقا العربية

ا- ارتباط الموسيقى بالشعر وبالتالي الغنائية وتلاصق الأصوات

2- ارتباط الموسيقا  بالإيقاعية مع إمكانية تطور الإيقاع عبر تركيبات رياضية وألمح المحاضر إلى شرح الفارابي لهذه التركيبات.

3- ارتباط الموسيقى بتماثل الجملة اللحنية حين تكرار الإيقاع أو البحر الشعري أو التفعيلة.

4- ارتباط الموسيقا العربية بالارتجال مع الإشارة إلى قدم الارتجال كحاجة موسيقية مباشرة.

5- المقامية والارتباط بالمقام الموسيقي، وتأثيرات المقامات المختلفة، حيث يتشكل المقام الموسيقي من تركيب أجناس موسيقية بنفس الأسلوب الذي يتشكل فيه البحر الشعري من التفعيلة.

6- شكل البناء اللحني يحقق التناوب ويمكن ربط هذا  الشكل بالموشحات وتناوب الأبيات والأقفال .

7- البناء المركب ،عبر النوبة ووصلة الموشحات ، حيث تتسارع الإيقاعات وتتزايد حدة الأصوات حسب مراسيم زرياب .

8 –  استعمال سلّم موسيقي طبيعي يحفل بالأصوات الموسيقية المتاحة مقامية  الأصوات لتركيب مقامات مختلفة، و وصول عدد ا لمقامات إلى المئات.

9- ترك مهمة المضمون للكلمة المغناة،  وأن كان الفارابي يشير إلى إمكانية  ما سماه الموسيقا المثيرة للخيال بمعزل عن الكلمة المغناة.

10-  استعمال البوليفوني أو توافق الألحان، وهناك إشارات كثيرة إلى ذلك عبر كتابات المؤلفين كالفارابي وابن سينا، بالإضافة إلى إشارات كتاب الأغاني وخاصة في حالة ابن جامع الذي كان يغني بمصاحبة جارية له لحنين مختلفين ومتوافقين في نفس الوقت.

11 – عدم اللجوء إلى التعددية، إلا في إطار الخطوط العامة نظراً للتخوف من تسطيح اللحن عبر تدوينه .

12 – تصنيف المقامات الموسيقية حسب تأثيرها في المستمع حارة باردة محزنة مفرحة.

13- سكونية التطور فالملاحظة أن ما عرضه كتاب الأغاني لا يختلف كثيراً عن آخر أغنية غنتها أم كلثوم إلا في حدود  التسامح في مد الأحرف أثناء الغناء الملحن ملتزم بالأصالة كالسنباطي أو أبو العلا محمد.

14- الارتباط بأشكال الفن الأخرى الزخرفة- والرقص والخط العربي- وتحقيق نفس الأساسيات في الإيقاع والتكرار والتماثل.

التطوير والتحديث

بعد هذا الاستعراض السريع لسمات الموسيقى العربية، انتقل المحاضر إلى موضوع التطوير أو التحديث، وألمح إلى أننا عندما نتحدت عن التطوير تتجه الأنظار إلى نموذج موسيقي آخر وهو الموسيقا الغربية بسبب اعتبارها متطورة أكثر من موسيقانا، ويبدأ هؤلاء المحدثون باستلهام أساليب تلك الموسيقى بشكل عشوائي غير هادف ، منطلقين من دراستهم لتلك الموسيقا لدرجة أن أغلبهم يكون أحادي المعرفة الموسيقية..أي دارس للموسيقا الغربية – محاولاً التطوير في موسيقانا دون النظر إلى طبيعة وسمات الموسيقا العربية ودون دراستها أصلاً.

وأضاف المحاضر متسائلاً :هل يحق لنا استلهام الموسيقا الغربية ؟ وقبل الإجابة على السؤال نوه إلى سمات الموسيقا الغربية بشيء من الاختصار وأضاف قائلاً :إنني عندما أدرس هذه السمات فإنما أدرسها في الموسيقا الكلاسيكية حصراً ، دون النظر إلى موسيقا المنوعات الغربية التي دخلت موسيقانا باسم التطوير ، ثم عدد هذه السمات على التوالي :

ا- اللا غنائية فهي على عكس موسيقا الشرق لا ترتبط بالكلمة وما حقق انتشارها في أمم مختلفة اللغة في أوربا.

2- عدم الالتصاق بالكلمة في الموسيقا  الغربية سبب في عدم قصر الجملة اللحنية وانخفاض نسبة تماثلها عن نسبيتها في الموسيقا العربية.

3 – عدم الالتصاق بالكلمة سبب أيضاً اللا إيقاعية في أغلب أعمال الموسيقا الكلاسيكية .

4 –  غياب الارتجال في الموسيقا الغربية بفعل دخول التدوين وتأثيره الكامل بالإضافة إلى الهارموني

5 – الجماعية في العمل الموسيقي بأداء دور معين متزامن مع أداء غيره،  والعمل الإبداعي هو مجمل ما يقوم  به العازفون تحت قيادة قائد  الأوركسترا الذي يحقق وحدة العمل الإبداعي.

6- غياب شخصية المقام الموسيقي ودوره الواضح بسبب اختصار المقامات الموسيقية إلى اثنين فقط  والاستعاضة عن ذلك بالهارموني.

7- غياب التناوب في البناء اللحني ، حيث حلت الحركات في العمل السيمفوني التي لا تتناوب في الإيقاع ولا تتسارع تدريجياً كما رأينا في الموسيقا العربية.

8 – التطور في الموسيقا الغربية كان دوماً على شكل طفرات ومدارس.

الموسيقا العربية والغربية في الميزان

وفي ضوء ذلك قام المحاضر بإجراء موازنة بين الموسيقا العربية والغربية، وأوضح أن الموسيقا العربية امتازت بالارتباط بالكلمة، وما نتج عن ذلك في مجال الغنائية والإيقاعية  و الارتجال والارتباط بالمضمون والكلمة المغناة وتماثل الجملة اللحنية وتلاصق الأصوات والتكرار أو التناوب كل هذا ضمن شخصية مقام مختلف عن مقام آخر.

وفيما يتعلق بالموسيقا الغربية فقد لخص سماتها بقوله:

إن الموسيقا الغربية شاع فيها سمات معاكسة تماماً لما رأيناه في الموسيقا العربية،  نتضح في التنظيم الكامل للعمل الموسيقي والابتعاد عن الغنائية والكلمة.

كيف نطور موسيقانا

وخلص المحاضر في النتيجة إلى التساؤل التالي كيف نطور موسيقانا؟ هل بالاعتماد على نموذج كل ما فيه يعاكس سمات موسيقانا؟ وإذا عرضنا الإجابة بالنفي. هل من نموذج يلائم موسيقانا أكثر لنحتذي حذوه. وأضاف قائلاً: هل لابد من نموذج نحتذي به لتطوير موسيقانا فنقلد الآخرين بالتأكيد لا.. فالإبداع والتطوير لابد أن يأتي من صلب الموسيقا العربية وسماتها كي لا يكون التطوير هجيناً غريباً في وطنه.

وبين المحاضر رأيه في أسلوب التطوير الذي يجب أن يستند إلى الأصالة العربية وهنا أشار أولاً إلى الغناء وقال:

الكلمة هي المضمون في الغناء العربي، وعبر الكلمة المغناة التي مرت فيما مضى من بعصور تخلف، فقد كانت مقتصرة على الغزل فقط بعيده عن الأغراض الأخرى للغناء التي تعبر عن المعاناة الإنسانية بشتى معاييرها .

أين شعراء الأغنية

ودعا المحاضر الشعراء الجادين إلى طرق هذه المواضيع التي تعبر عن شتى الأحاسيس الإنسانية المختلفة.

وأشار ثانياً إلى اللحن بقوله، عندما يبدأ العمل الموسيقي مستنداً إلى أساس من الكلمة المدروسة،  فإن محاولة الملحن التعبيرية عن أجواء الكلمة لا شك سيرتفع بها إلى مستوى أعلى في الإبداع التعبيري.

وأضاف إلى أن خبرة الملحن في المقامات العربية سوف تجعل مهمته في التعبير أعمق..

المطرب المثقف

وعن دور المطرب قال: يجب على المطرب أن يدرس الكلمة وأن يفهمها ويتذوقها وأن يحسن اللفظ وأن يعيش جو العمل الشعري، حيث أنه قد ذهب وقت الاعتماد على الصوت فقط ، مشيراً بذلك إلى أهمية تمثل المطرب لما يغني، وبالتالي إجادته للتعبير، كما أن على المطرب أن يكون مثقفاً .

الموسيقى الصرفة

وفي جانب آخر تحدث المحاضر عن الموسيقى الصرفة، وكيف نطورها بقوله: عندما يكون العمل موسيقياً أي غير غنائي ، يصبح الأساس هو اللحن لا الكلمة ، وعن التأليف الموسيقي ، بين أن هذا التأليف هو تأليف جمالي ، حيث يكون المهم هو العمل الإبداعي الموسيقي بغض النظر عن المضمون الذي يمكن أن يعبر عنه بأن  القالب الآن أصبح حراً..

وهنا يمكن للمؤلف أن يلجأ لما يريد من القوالب الشرقية أو الغربية ، والمهم الجملة اللحنية التي يجب أن تكون قد ألفتها الأذن العربية. وشجع المحاضر على استعمال  البوليفوني في الأعمال الموسيقية  المستقبلية لما لها من ارتباط  بالأصالة الشرقية.

ونوه في جانب  آخر إلى الموسيقى ذات المضمون المرتبطة بالتعبير عن حدث ما وعدد جوانبها وخصائصها.

الارتجال الموسيقي

وانتقل أخيراً إلى الارتجال الموسيقى الآلي ، وهو ما يعرف بالتقاسيم ، وهنا تجدر الإشارة إلى الثقافة الموسيقية التي يجب أن يتمتع بها المرتجل ، وتمنى المحاضر على الموسيقى أو الملحن أو المطرب الذين يقومون بعملية التطوير ، بأن يكون تطويرهم مرآة  لمجتمعهم ، مطالباً بإقامة المعاهد لتعليم الموسيقى العربية والشرقية ، فالتطوير لا يكون بالانقطاع عن الجذور.

Bookmark the permalink.

Comments are closed.

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading