الموسيقى والطب: أول تجربة سورية لاستخدام الموسيقى في معالجة الأمراض العصبية!

في 17 حزيران / يونيو 1987 وتحت هذا العنوان كتب الدكتور علي القيم في صحيفة تشرين السورية :

في قطرنا العربي السوري، هناك تجربة يتيمة حول العلاج بالموسيقى ،  قام بها منذ حوالي سنة، الدكتور سعد الله آغا القلعة. أعد شريطاً خاصاً من عزفه على القانون ، خصصه للاستعمال في عيادات الأمراض النفسية ، لمرافقة الطبيب أثناء جلسات العلاج للمريض المصاب بانفصام الشخصية “شيزوفرانيا” ، و بالتوحد على وجه الخصوص.

حول هذه التجربة يحدثنا الدكتور سعد الله فيقول:

من المعروف أن عقل الطفل المريض يكون في هذه الحالة قد وضع قيوداً بينه وبين كل ما يحيط به. فلا يهتم بأحد مما حوله من الناس،ولا شيء يثير اهتمامه، ولا حتى الكلمات ، فهو يعيش في عالم خاص مغلق. في الجلسة العلاجية ، كل غاية الطبيب تكون في إنشاء اتصال بينه وبين المريض… وعادة يكون هذا الاتصال هو بداية عودة المريض إلى وضع قريب نسبيا من الوضع الطبيعي، ولو مع الطبيب فقط.، كثيرا ما يقضي الطبيب المعالج جلسات مطولة ، دون أن يفلح في إنشاء هذا الاتصال، لأن عقل المريض يعارض كل اتصال من هذا النوع.

يتابع الدكتور القلعة حديثه فيقول: طرحت عليَّ إحدى المتخصصات في الطب النفسي ، والقريبة من العائلة ، ظاهرتي الفصام والتوحد، وهل لدي أي اقتراح حولهما. قلتُ لها إنني أعتقد أن الموسيقى العربية ، وباعتبار أنها موسيقى مبنية عاطفياً وليس عقلياً، قادرة على اختراق الحدود بسهولة مع المريض، و تولد بالتدريج اهتمام المريض بالطبيب وبما حوله في العيادة. من البداية استبعدت الغناء لأنه يتضمن كلمات ، و رأيت أنه من الأفضل أن تكون الموسيقى آتية من آلة موسيقية واحدة وليس من فرقة موسيقية، فتعدد الآلات قد يكون حاجزاً ، ولذا اتجهت لتسجيل شريط يضم عزفاً ارتجالياً هادئاً تأملياً لي على آلة القانون ، على مدى حوالي 40 دقيقة ، ووضعته تحت التجربة لديها ..

في أول جلسة مع أحد المرضى من الأطفال ، أسمعت المتخصصة الشريط للطفل ، واستمرت الجلسة الصامتة طيلة فترة الشريط ،  مع العلم أن المريض عادة  لا يحتمل أكثر من عشر دقائق،  وعند خروج الطفل المريض ، أثارت اهتمامه لعبة موجودة في العيادة فلمسها.. في الجلسة  الثانية لفتت نظره اللعبة فأخذ يلعب بها ويداعبها ويظهر اهتمامه بها … ومع الوقت تم تجاوز الحاجز بينه وبين الآخرين .. طبعاً الشريط استمر شريكاً في جميع الجلسات ، وكانت هذه بداية المعالجة الصحيحة لتحقيق اتصال بين المريض والعالم الخارجي.

عند انتهاء العلاج أعطت المتخصصة الشريط ليساعده على تحمل أزمات عارضة.

بقي أن أقول أن مادة الشريط ( عزف ارتجالي تأملي لي على آلة القانون ) قد نجحت تماماً في معالجة عدة الحالات ، و أقترح أن يعمل الفاعلون في هذا المجال على توليد أشرطة مماثلة، إذ منعتني مشاغلي المتعددة من المتابعة في هذا المجال.

Bookmark the permalink.

Comments are closed.

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading