على مدى ثلاث نشرات سابقة توقفت عن العلاقة بين الموسيقى والألوان ، كما عرضتها في إحدى حلقات برنامجي التلفزيوني : العرب والموسيقى..
عرضت أولاً رؤية والت ديزني في فيلم ” فانتازيا ” لهذه العلاقة ، ثم انتقلت إلى مغامرة غير مسبوقة : تجسيد تلك العلاقة مباشرة وأمام الجمهور!
عرضت تلك الفكرة أولاً على التشكيلي الكبير الصديق فاتح المدرس ، أستاذ الدراسات اللونية في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق ، والعازف على آلة البيانو ، والمستمع المتابع للموسيقى في شتى صورها ، واستعرضت النقاش الذي جرى معه ، حول رؤية والت ديزني لتلك العلاقة ، كما عرضها في فيلم فانتازيا ، إذ ترجمها ترجمة آلية : الأصوات الحادة يعبر عنها اللون الأحمر الحار ، والأصوات العريضة يعبر عنها اللون الأورق البارد ، فيما هي ، في رأيي ، تمر عبر الدماغ الإنساني ، وتفاعلاته الذاتية ، والعواطف ومتغيراتها ، بين مرسل ومستقبِل ، أو بين مستقبلٍ وآخر!
ولما قال بأنه لا يوافق على تلك العلاقة الآلية ، وأن اللون الأزرق يمكن أن يكون حاراً ، وأن لكل لون شخصيته المستقلة ، وأن حرارة الألوان تتعلق بالعلاقة التي ينسجها الرسام بين شخصياتها المتناقضة ، طرحت عليه تجسيد هذه الفكرة أمام الكاميرا مباشرة ، وبدلاً من أن يعزف ثم يرسم ، كما تعود في مرسمه ، فليستمع إلى ارتجالات مني على القانون ، يسمعها لأول مرة .. ثم يرسم..
لم يتردد فاتح المدرس في القبول ، رغم أنها في الواقع مغامرة غير مسبوقة ، فجرى نقل مرسمه إلى استوديو التلفزيون العربي السوري ، وبعد تمهيد وحوار استغرقا مشهدين من مشاهد الحلقة ، بدأ المشهد الثالث ، حيث أطلقت ارتجالاً على آلة القانون ، وعلى مقام النهاوند ، لأنه قريب مما يألفه في عزفه هو ، وارتجالاته على آلة البيانو! فاستمعَ .. ثم بدأ يجسد ما حرضته فيه تلك الموسيقى! فكانت اللوحة الأولى ، التي تضمنها ذلك المشهد.
أنشر اليوم المشهد التالي ، حيث ارتجلت فضاءات لحنية مختلفة على آلة القانون ، قصدتُ منها تصوير معاناة الإنسان اليوم في وحدته أمام تعقيدات عصره ، في ملامح تجسد الحداثة في الموسيقى العربية .. وكان يستمع ، ويتفاعل ، ثم تتحرض عنده الألوان و الأشكال .. إلى أن تشكلت اللوحة الثانية ، التي أدعوكم لمتابعة مراحل تجسيدها لتلك الفضاءات!