ذات يوم من أيام شهر يناير / كانون الثاني 1996 ، اتصل بي الأستاذ الصحفي غسان شمة ، ليعلمني بأن قرّاء مجلة الرياضة والشباب ، التي تصدر في دبي ، اختاروني ، في استفتاء أجرته المجلة ، كأفضل مذيع أو مقدم برامج في العالم العربي ، وأن هذا نُشر منذ أيام في عدد المجلة لشهر ديسمبر / كانون الأول 1995 ، وأنه يرغب في معرفة وقع هذا الخبر عليّ، إضافة إلى أسئلة أخرى تتعلق بأعمالي التلفزيونية ، وذلك لصالح مجلة فنون ، التي تصدر عن الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في سورية!
كان الخبر مفاجئاً! فأنا لم أكن أعلم بوجود هكذا استفتاء. ويبدو أن ناشري المجلة فوجئوا أيضاً بالنتائج!
وبعد استفسار ، فهمت أن القائمين على استفتاءٍ كان يُجرى في دبي ، نهاية كل عام ، حول أفضل البرامج والمحطات والمذيعين والممثلين والأفلام ، لصالح مجلة الرياضة والشباب ، ويشارك فيه قراء المجلة ، ونقاد ومفكرون من مختلف الدول العربية ، فوجئوا بأنني جئت في المرتبة الأولى ، و بنسبة 91% من الأصوات ، كأفضل مقدم برامج في العالم العربي لعام 1995 ، أمام كبار المذيعين ذوي الشهرة ، والذين يقدمون برامج مستمرة على مدى سنوات ، ومنهم الراحل سعود الدوسري ، الذي جاء في المركز الأول معي مناصفة ، بل إنهم ، في مجلة الرياضة والشباب ، لم تكن تتوفر لديهم صورة لي ليضعوها إلى جانب الخبر .. ما يدل على أنهم ، على الغالب ، لم يضعوا اسمي أصلاً ، بين الأسماء المستفتى عليها..!
وبدأت أحاول أن أستجمع أفكاري لكي أجد الأسباب التي أدت إلى تلك النتيجة..ما يمكنني من الرد على سؤاله.
كان برنامجي التلفزيوني ” أسمهان ” قد بث مؤخراً على أغلب الفضائيات العربية ، وكان قد حاز على ترحاب كبير من الجمهور ، ولا شك في أنه قد حرض هذه النتيجة المفاجئة ، مع أنه كان في 5 حلقات فقط ، فيما كان مقدمو البرامج الآخرون لهم برامج يومية أو أسبوعية على مدى العام!
أجبته قائلاً:
الواقع أنني أشعر أولاً بنوع من الاستغراب .. فأنا لم أقدم نفسي كمقدم برامج ، لأنني أقدم برامجي التي أعدها وأقدمها مرتجلاً ، وتكون معتمدة على خلاصة التحليل الذي أقوم به ، و هي لا تعتمد على ضيوف ، إلا في حالات خاصة ، و أنا عموماً أقدمها بالكامل ، بل إنني لم أقدم برامج من إعداد غيري ، ولم أقدم برامج متصلة بمواضيع تتنوع أو تتباعد حسب الحال وحسب مستجدات الأمور ، و إنما كنت و ما أزال أركز على الموضوع الذي أهتم بالتنوير في جوانبه ، وهو الموسيقى العربية وأهميتها و كشف مكامن الإبداع فيها.
وبعد أن استوعبت الخبر ، بدأت المشاعر تتداخل : الارتياح لتقدير الجمهور لأسلوبي في التقديم ، وهو أسلوب غير مصطنع ، بل هو أسلوب عفوي تماماً ، و الارتياح لحصولي على ۹۱٪ من الأصوات ، لأن الأسماء التي وردت في المراكز التالية ، أسماء معروفة ومشهورة ، ولها مكانتها، وأنا شخصيا أقدرها.
ثم كانت مشاعر التقدير للجمهور ، لأن برامجي ذات صبغة ثقافية ورصينة ، وأنا أعتمد فيها على نتائج البحث والتحليل ، وهي ليست موجهة للتسلية ، دون أغفل أهمية المتعة في تقديمها ، فهذه بالنتيجة برامج تلفزيونية تدخل كل بيت..
قلت له بأنني أنظر إلى تقدير الجمهور لأعمالي على أنه تقدير للثقافة عموماً ، وإشارة من الجمهور ، إلى أنه ينظر إلى التلفزيون تماماً كما أنظر إليه ، على أنه ليس وسيلة للترفيه والتسلية ، وإنما هو أداة تثقيف ومتعة في آن واحد.
وأخيراً تولَّد لدي شعور بالتخوف من ألا أكون على نفس السوية في البرامج القادمة . بالأصل أنا ناقد قاس لأعمالي .. المجموعة الأولى من برنامج « نهج الأغاني ، الذي أعده حالياً ، أعدتُ کتابتها ثلاث مرات ، ولكنني الآن أصبحت أقسى ، لأنه بات لدي تخوف من أن ما أعجب الجمهور في برنامج أسمهان ، قد لا ينال نفس الاعجاب في عمل قادم ، ناهيك عن أنني أصلاً أرغب في تطوير أسلوبي مع كل برنامج جديد .. نعم لقد أصبحت مهمة إنجاز برنامج نهج الأغاني أكثر صعوبة!
لاحقاً تبين أنني حققت المهمة الصعبة ، إذ حزت حسب قرار لجنة التحكيم في مهرجان الإذاعة والتلفزيون في القاهرة عام 1996 على الميدالية الذهبية كأفضل مقدم للبرامج التلفزيونية على تقديمي لبرنامج نهج الأغاني!
النتائج الكاملة للاستفتاء: