عرس للفن العربي في اسبانيا
عناق فني للعمارة والموسيقا في مدينة ” ترويل”
فريد جحا
أقيم في مدينة ترويل الإسبانية (تروال الأندلسية في تاريخنا) والتي تقع في الشمال الشرقي من شبه الجزيرة الايبرية المهرجان الثاني للثقافة الأندلسية في إطار مهرجان كبير بعنوان (مقاطعة أراغون تعيش تاريخها)
أقيم المهرجان الأندلسي الثقافي هذا وفي هذه المدينة الجميلة بين الثاني والعشرين والخامس والعشرين من شهر أيلول من عام 1988 بدعوة من المعهد الغربي للثقافة الإسلامية في مدريد وأسهمت فيه مؤسسات رسمية وشعبية ومعرفية عربية ومعرفية كما دعي للاشتراك فيه باحثون وفنانون من اسبانيا وفرنسا وإنكلترا والبلاد العربية وقد أتوا جميعاً يحيون الثقافة الأندلسية بوجه عام والثقافة الأندلسية في شمالي إسبانيا بوجه خاص فكانت محاضرات تناولت بالدراسات والتحليل تاريخ المنطقة وآثارها وأبطالها وعلماءها وتراثها في مجالات الفن والفكر والفلسفة كما تناولت محاضرات أخرى الطعام العربي الأندلسي وقدمت وجبات غذاء كان أجدادنا يتناولونها منذ ألف عام.
وأقيم كذلك مع هذا الجانب الفكري جانب فني هام آخر هو الجانب الفني فبعد حفلة الافتتاح أقيمت أمسية فنية غنائية وموسيقية أحياها الفنان الدكتور سعد الله آغا القلعة ومعه فرقتان من المغرب الشقيق: إحداهما للرقص الشعبي والغناء وأخرى (من فاس) للعزف على آلات عربية شرقية صاحبتها نوبات غناء وموشحات أندلسية.
نقلتنا الأمسية الموسيقية إلى أجواء بعيدة في إطاري الزمان والمكان…في المكان ذكرنا عزف الصديق سعد الله ببلادنا الجميلة بدمشق وحلب التي طالما أشجانا فيها بعزفه على آلة القانون.
أما في إطار الزمان فقد حملتنا موسيقى الصديق سعد الله وأغاني ورقصات الأشقاء المغاربة ألف عام إلى الوراء فإذا بنا في دار عربية من مدينة (تروال) نتحلق حول بركة يتدفق ماؤها وتحيط بها أشجار الفل والقرنفل والياسمين، وتجلس في إيوانها فرقة غناء وترقص حواليها الأندلسيات على أنغام موسيقى لا أحلي منها ولا أعذب، وهن ينشدن من الموشحات:
جادك الغيث إذا الغيث همى يا زمان الوصل في الأندلس
لم يكن وصلك إلاّ حلما في الكرى أو خلسة المختلس
كان نجم الاحتفال الموسيقي الذي حدثنا حديثه منذ قليل صديقنا سعد الله فقد عزف على آلة القانون عشر دقائق كانت ماتعـة رائعة أسكرت الحاضرين وقدمت لهم عرباً واسباناً الموسيقى العربية الحقيقية التي تحمل روح العرب وأخلاقهم وسمو تفكيرهم وحضارتهم الرائدة.
روعة الاحتفال الموسيقي ذاك لا تنسينا أن نشير إلى روعة الفن العربي الأندلسي في مجال العمارة والذي يتجلى في تراث لأجدادنا قائم في أبراج وجدران ومنارات ثم في إصرار أهل المدينة على المحافظة على هذا التراث من جهة وعلى أن يكون في أبنيتهم الحديثة ما يذكرهم بتراثهم، تراث أجدادهم الجميل والأنيق، والذي يمثل عناقاً أصيلاً للون والعمارة وائتلافاً في إبداع لم يعرف التاريخ له مثيلاً.
في مدينة ( ترويل = تروال الأندلسية) اعتنق فن العمارة الأندلسي بالموسيقى العربية القديمة- الحديثة أشعرتنا هذه الفنون أن هذه الأمة العربية التي نتشرف بالنسبة إليها جديرة بأن نمضي باعتزازنا بها وبما خلفت في تاريخ الإنسانية من قيم إنسانية وخلقية وعلمية وتراث حضاري شهد له الجميع بالأصالة والتعبير عن روح الإنسان في كل زمان ومكان.”