شهدت بداية القرن الحادي العشرين ، ولادة ظواهر امتد تأثيرها إلى مختلف مجالات النشاط الإنساني. تمثلت هذه الظواهر ، في زيادة حجم المعلومات المرتبطة بهذا النشاط أو ذاك ، وتنوع مراكز إنتاجه ، إضافة إلى إنتشاره السريع ، مهما اختلفت صوره وأشكاله.
إلى جانب هذا التطور.. كانت تظهر تقانات جديدة ، تساعد الإنسان على الإحاطة بما يجري ، تجسدت أساساً بالتقانات المعلوماتية ، وشبكات الاتصال ، التي واكبت التطور ، وساعدت الإنسان على التعامل مع الزيادة الهائلة في حجم المعلومات ، وعلى القدرة على تصنيفها واسترجاعها وتناقلها وقراءتها قراءة متأنية ، ما مكن العلماء من مواكبة الأحداث ، والتغلب على صعوبة التعامل مع المعلومات هائلة الحجم ، متباعدة المسافات .
من الطبيعي ، استناداً إلى ما سبق ، أن تكون صورة القرن الواحد والعشرين العلمية زاهية إلى حد كبير ، فهي صورة متصلة بتطور علمي واضح ، وخاصة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، ما سيوسع طيف الأبحاث ، من دراسة أدق خلايا الإنسان ، إلى أبعد كوكب في المجموعة الشمسية ، في سعي لوضع نموذج عام لفهم تطور الحياة الإنسانية ، تكون مكوناته النظم المعلوماتية العديدة التي تدرس الآن.. كنظم المعلومات الزراعية والهندسية والرياضية والفيزيائية والجغرافية والصناعية والاقتصادية والسياحية والتجارية والطبية وحتى الموسيقية و التاريخية . سيشهد هذا القرن أيضاً ، تداخل هذه النظم وارتباطها ببعض ، مع توظيف قوانين الاحتمالات ، و المنطق الضبابي fuzzy logic ، في كل دراسة تسعى لنمذجة رقمية لظاهرة طبيعية غير مفهومة ، أو ظاهرة علمية غير مفسرة ، مع الأخذ بعين الاعتبار لتكامل مصادر المعلومات المتنوعة.
في العصر الذي نعيشه ، سيتطور الذكاء الاصطناعي عبر الحاسوب ، وسيتطور الذكاء الإنساني ، لكي يتعامل معه ، في سعي للاستفادة المثلى منه ، في جدلية غريبة لا يعلم أحد اليوم مداها ، ما سيؤدي مع الوقت ، إن أحسنت السيطرة على تلك الجدلية ، و مع المزيد من تكامل قواعد المعلومات وتداخلها ، وتطور الذكاء الإنساني ، في تعامله مع نظم الذكاء الاصطناعي ، و عبر التخلص من الأشغال اليدوية ، والتوجه للتصنيع المؤتمت ، إلى تفرغ الإنسان ، للاستيعاب و التفكير والتحليل والتركيب.
بالمقابل ، سوف يعيش الإنسان التناقض ، بين أن توحد المعلوماتية والاتصالات صورة العالم العلمية ، وهذه نقطة إيجابية من حيث المبدأ، وبين أن توحد الصورة الثقافية على مستوى العالم ، وهذه نقطة سلبية لا بد من معالجة نتائجها . ولكن ، و قبل الدخول في هذه النقطة ، لابد من التوقف عند النقطة الأولى : هل توحيد الصورة العلمية للعالم إيجابي فعلاً ؟ أم أن المجتمعات ستختلف في درجة قدرتها على ملاحقة التطور العلمي ذاته ، ما قد يؤدي إلى نتائج اجتماعية غير محسوبة.
الصورة العلمية الزاهية على مستوى العالم ، التي رُسمت ملامحها قبل قليل ، والتي يساهم في تعميمها ، أنها صورة واحدة تتماشى مع جميع الشعوب ، فالعلوم لا تحدها الحدود بين الدول ، ولا الفروق بين الشعوب ، هذه الصورة سوف تبدأ بالتغير ، عندما ننظر في العلاقة بين مكونات العالم ، وأعني بذلك ، المجتمعات التي سوف تكون مختلفة درجة التطور ، وسوف تتغير أكثر ، عندما ننظر في العلاقة بين عناصر المجتمع الواحد ، مختلفة درجة التطور أيضاً ، لتغيب ألوانها الزاهية تماماً ، عندما ننظر إلى تلك الصورة على مستوى الفرد الواحد ، والغاية من هذا النظرة المدققة تكمن ، في الدعوة إلى اتخاذ التدابير التي قد تحد من مظاهر عدم التجانس ، الذي ستولده التطورات العلمية الحديثة.
من المتوقع ، في العلاقة بين مكونات العالم ، وبسبب تسارع التطور العلمي ، أن تتكون أربعة شرائح من المجتمعات : السباقة واللاحقة والمتعثرة والمتخلفة. الصورة العلمية الزاهية التي رُسمت قبل قليل ، سوف تكون على مستوى المجتمعات ، أوضح ما تكون ، في المجتمعات السباقة ، ولن تكون مثلها في المجتمعات الأخرى ، وهذه فكرة قد يكون من نتائجها ، أن العالم لن يكون أبداً قرية صغيرة متجانسة ، كما يشاع دائماً ، بل قد يتحول إلى قرية غير متجانسة ، أولاً ، و متوترة تالياً ، وهذا واقع بدأت مظاهره تتوسع كل يوم.
وحتى على مستوى المجتمع السبّاق علمياً ، قد تكون تلك الصورة غير متجانسة ، بل وحافلة بالتناقضات ، فالتطور العلمي الذي نجمع على أنه يتسارع يوماً بعد يوم ، سوف يولد فرقاً واضحاً في التعامل مع التكنولوجيا ، بين الأجيال ، في المجتمع الواحد ، وسيكون هذا التناقض أوضح ، كلما كان المجتمع سباقاً في التطور العلمي. منذ فترة ليست بالبعيدة ، كان تعايش الأجيال محققاً ، لأن التطور العلمي لم يكن بالسرعة التي يشهدها العالم ، والتي تتسارع يوماً بعد يوم ، أما الآن ، فقد أصبحت الفروق بين جيلين متتاليين واضحة بل ومزعجة .
سوف يولد التسارع في التطور أيضاً ، مشاكل للشريحة العمرية الواحدة ، حيث تختلف مستويات قابلية التعامل ، مع الأدوات التكنولوجية فيما بين عناصرها ، ما قد يؤدي إلى عدم تجانس في المجتمع الواحد ، و إلى زيادة عدد الأفراد الهامشيين في المجتمع ، وهذا سيولد توتراً واضحاً ومؤثراً ، إن لم تُتخذ التدابير الناجعة في هذا المجال ، على كافة المستويات ، ومنها مثلاً السعي لكي تقترب التكنولوجيات الجديدة من الإنسان ، و تسمح له بالتعامل معها بيسر وسلاسة.
على مستوى الإنسان الفرد ، ونظرياً ، سوف تكون الصورة العلمية زاهية ، عند الإنسان الذي يستطيع أن يلاحق التطور المعلوماتي، لأن هناك تكاملاً متوقعاً بين المجالين الثقافي والعلمي عنده. من المتوقع أن يزداد التوجه إلى التخصص الدقيق في المجال العلمي ، فالتطور العلمي يلغي دور العمل الفردي لصالح عمل الفريق ، حيث تتداخل العناصر العلمية ، في نظام معلوماتي شامل ، و سيكون التنفيذ ، من قبل أشخاص ، يعمل كل منهم في إطار اختصاصه الدقيق. يدعونا هذا الواقع إلى إيجاد تخصصات علمية ذات شمولية ، تحقق التواصل بين الاختصاصات الدقيقة ، خشية حصول ثغرات في المعلومات بينها . ولكن اعتماد التخصص الدقيق في المجال العلمي ، لابد من أن ينجم عنه تأثر الإنسان بالتطور المعلوماتي ، على مستوى الذكاء وأساليب التفكير ، فتوحيد أشكال المعالجة المعلوماتية في جميع أنحاء العالم ، لا شك سيسهم في تقارب المتعاملين في مجالات محددة عبر الحدود ، وهذا سيسهم في تقارب أساليب تفكيرهم ، ما قد يبدو إيجابياً للوهلة الأولى ، ولكنه قد يسهم ، بشكل أو بآخر ، في توحيد أشكال الذكاء الإنساني ، عبر المجتمعات ، وأساليب تعامل الإنسان مع حل مشاكله ، وهذه آثار جانبية سلبية ، قد تتفاقم تأثيراتها مع مرور الوقت ، ناهيك عن تباعد المتعاملين مع الأساليب المعلوماتية ، عبر العالم ، في تقارب أساليب تفكيرهم ، عن مجتمعاتهم المحلية.
في السبعينات والثمانينات ، كان المبرمج هو الذي يضع البرامج المعلوماتية لمعالجة المسألة التي يعمل عليها بأسلوبه ، فيما يتوفر اليوم برامج جاهزة لكل شيء . ومع أن هذا مفيد تماماً ، ولكن نتائجه خطيرة ، إذ أنه ألغى جانب المبادرة الشخصية في ابتداع الحلول الجديدة ، لتقتصر المبادرة على حل المشاكل ، والتوفيق بين البرنامج الجاهز والحاجة ، ما قد ينتج عنه ، مع الوقت ، ومرة أخرى ، توحيدٌ لأشكال التعامل الإنساني مع المشاكل الطارئة ، انطلاقاً من نماذج معتمدة مسبقاً.
في سياق القرن الحادي والعشرين، .سوف تخف ساعات العمل ، وتخف الحركة ، لأن الإنسان سيكون قادراً على العمل من منزله ، عبر حاسوبه ، مما سيزيد من الوحدة والعزلة على المستوى الاجتماعي والإنساني والثقافي. بالمقابل ، سوف تؤمن شبكات الاتصال ، كشبكة الانترنت وبنوك المعلومات ، ومواقع الإنترنت ، والمدونات ، و مواقع التواصل الاجتماعي ، ثقافة متكاملة ، لمن يرغب في الإطلاع على أي شيء ، كبديل أساسي للكتاب ، ما سيشحذ ، من حيث المبدأ ، همم المبدعين المطلعين عليها ، لإطلاق إبداعات جديدة ، ولكن الكم الهائل من المعلومات المتوفرة حول موضوع معين ، سيجعل من الصعوبة بمكان الوصول إلى معلومة ذات مصداقية ، كما أن وسائل البحث المعلوماتي ستسهل الوصول إلى حيز محدد من النصوص ، بناء على كلمات مفتاحية ، ضمن نصوص طويلة ، ما قد يؤدي إلى ثقافة تعتمد على معلومات مجتزأة ، غير مترابطة ، تفتقد عموماً إلى المصداقية.
قد تبقى الكتب المطبوعة لفترة قيد التداول، ولكن الموسوعات الورقية ستغيب لصالح الموسوعات الإلكترونية ، التي تسمح باطلاع سريع على المعلومات المتشابكة ، المتضمنة للوسائط السمعية والبصرية . ستحقق زيادة الإطلاع على المشهد الثقافي تكاملاً جيداً ، في الحالة النظرية، ولكن هذا سيزيد من الفارق الثقافي بين المجتمعات المؤهلة في هذا الاتجاه ، وبين غير المؤهلة ، ما سيؤدي إلى طغيان ثقافي ، تغيب فيه خصوصيات الشعوب ، لتسيطر ثقافة واحدة ، هي ثقافة الأقوياء ، و ما كان محققاً في الصورة العلمية ، من توحد الأبعاد العلمية عبر الحدود ، لم يعد صحيحاً في الصورة الثقافية.
لمواجهة هذا الواقع عربياً ، هناك اتجاهان: علمياً ، لا بد من السعي إلى تعميق دور التعلُّم والتأهيل المستمر في مجال المعلوماتية والاتصالات ، وأساليب التفكير المعلوماتي ، لكي نكون من المجتمعات اللاحقة بالركب العلمي الموحد للعالم ، وثقافياً ، لا بد من توظيف المعلوماتية وشبكات الاتصال في اتجاه مغاير ، يسعى للحفاظ على مظاهر الشخصية الثقافية العربية ، عبر تعميق الاهتمام بالمحتوى العربي الرقمي ، و بالنشر الإلكتروني للإبداعات العربية ، و بدعوة المفكرين العرب ، إلى الاهتمام بتكنولوجيا المعلومات ، والنشر من خلالها ، وإلى الاهتمام بصناعة البرمجيات العربية ، وتعريب المصطلحات وتبادلها عربياً ، و السعي لدراسة هندسة اللغة العربية ، وتطبيقات ذلك معلوماتياً ، لتحقيق الأمن الثقافي العربي ، في ظل سيطرة التقانات الجديدة على النشر ، واختلاف القيم بين المجتمعات ، ولن يتأتى ذلك ، إن لم نسع جميعاً لحفظ حقوق النشر والإبداع الرقمي في عالمنا العربي.
وفي سياق آخر ، فإن المجتمعات العربية مدعوة إلى اهتمام أكبر باكتشاف محاور الذكاء المتنوعة لدى الأشخاص ، لتوجيه كل منهم إلى المجال الذي يوظف فيه قدراته الكامنة ، دون أن تكون تلك المجالات محكومة حصراً بالمجالات العلمية ، فائقة التركيز على التكنولوجيا الجديدة. إذ تختلف مجالات الذكاء بين شخص وآخر.
السؤال الآن: هل المبدع العربي مدركٌ لأهمية المعلوماتية ، ولدوره الحيوي اليوم في الحفاظ على الثقافة العربية؟ المبدعون العرب ، ممن هم في سن الخبرة ، يرون أن القطار فاتهم ، وأن المعلوماتية هي للشباب، فهل نقبل رأيهم ، بينما هم القيمون على الثقافة العربية لعشر سنة قادمة؟ بالطبع لا .. هناك ضرورة حيوية لجذب اهتمام المثقفين والمبدعين العرب إلى الأدوات المعلوماتية ، وتطويع إبداعهم لها .. إلى التفكير عبر النصوص المتشابكة ، وأساليب التأليف الرقمي ، و توظيف الصوت والصورة والتحريك والفيديو ، لتوضيح الفكرة ، إذ أن التقانة أصبحت تتدخل في صلب أسلوب العرض ، بل وأصبحت قادرة على تطوير المضمون ذاته..
لنأت الآن إلى الفن . سيكون الفن ، بجميع أشكاله ، وبسبب ارتباطه بالأحاسيس والمشاعر ، من أكثر مجالات النشاط الإنساني تضرراً بهذا الوضع الجديد ، الذي تقصر فيه المسافات ، ويختزل فيه الزمن ، وتضيع فيه الروح ، إذ أنه أصبح من الواضح اليوم ، أن الإنسان عموماً ضائع : التقانات الحديثة أغرقته بتسارعها المذهل ، وضغط العمل والتنافس ، جعل الروح تغيب في أعماق الجسد، و إيقاع الحياة أصبح سريعاً وضاغطاً، و لم يعد يسمح بتوفير وقت للاستمتاع بالموسيقى لذاتها ، وحولها لتكون رفيق نشاطات أخرى. الموسيقى تتطلب الوقت ، و موسيقيو هذا العالم ، أصبحت موسيقاهم صورة عنه ، إما أنها تعبر عن تعقيداته وتعقيدات العواطف ، بعقلانية أكثر وضوحاً ، وبتعقيد أكثر حدة ، أو أنها انحدرت في نتاجها إلى مستوى الابتذال ومخاطبة الغرائز المباشرة ، فيما يحتاج الإنسان إلى إنسانيته وعواطفه ، و إلى استعادة الإحساس بالجمال ، جمال الحياة، عبر الفن ، وإلا أصبحت الحياة عبئاً بحد ذاتها.
لقد كان هناك دوماً سعيٌ لفهم تأثير الفنون على الإنسان ، وقد كان هذا طويلاً حلم الباحثين والموسوعيين، من أجل تطوير استخدامها ، ضمن السعي لكي يحافظ الإنسان على إنسانيته ، في ظل الحياة المادية المسيطرة والعزلة المتزايدة . الموسيقى العربية ، لم تشهد قراءات حقيقية وعلمية ، مواكبة للتطور المذهل الذي حصل فيها ، منذ منتصف القرن التاسع عشر ، وحتى منتصف القرن العشرين أصلاً ، بسبب بعد العاملين فيها عن أساليب معالجة المعلومات ، أو توجيه اهتمام البعض منهم ، إلى موسيقات الشعوب الأخرى الأسبق في سلم الحضارة ، ولا شك في أن هناك تطوراً ممكنا ً في هذا المجال ، ولكن الخشية تتزايد مع مرور الوقت ، من أننا ، عندما سنكون قادرين على هذا ، ستكون الموسيقى التي يمكن لها أن تقوم بهذا الدور ، قد غابت للأبد ، من حياة مجتمعها ، بسبب غياب الاهتمام العام بها .
قد يخطر بالبال هنا ، أن لكل فترة زمنية موسيقاها ، ما يستدعي التوقف عن توثيق أو تحليل التراث الموسيقي العربي ، إنطلاقاً من أن الأعمال الغنائية والموسيقية التي تطورت خلال القرن العشرين ، تأثرت بالمدلولات الثقافية والاجتماعية والحضارية المحيطة بها في عصرها ، بل وتأثرت بالتقنيات التي رافقتها ، فالأغنية السينمائية ، كانت مختلفة في عناصرها عن الأغنية الإذاعية ، أو الأغنية على المسرح، وأغاني المرحلة الرومانسية كانت مختلفة عن أغاني المرحلة الواقعية، ولكن ألا يصح هذا في كل فنون العالم ؟ أليست لوحات بيكاسو هي الأغلى حتى الآن ، وكذلك أعمال مونيه ، رائد الإنطباعية ، ورمبرانت.. مهما اختلفت الفترة التي تعود إليها هذه الأعمال ، وحتى الموناليزا ، ألا تحتفظ بسحرها رغم أن مدارس فنية عديدة ظهرت بعدها؟ لاشك في أن لكل فترة نتاجها الفني ، ولكن الإنسان ، بذاكرته الحية ، المعتمدة على توثيق وتحليل تراثه العلمي والثقافي ، يختزل حقب التاريخ مجتمعة.
هناك اليوم ، في هذا الإطار ، فرصة حقيقية لإطلاق أعمال التحليل العلمي للتراث الموسيقي العربي ، بعد أن أصبح أغلبه متوفراُ على شبكة الإنترنت ، من خلال عشرات الآلاف من التسجيلات ، التي نشرها هواة ، كانوا يحتفظون بتلك التسجيلات لأنفسهم ، وقاموا بنشرها ، متّبعين مفهوماً جديداً ، ولّدته الإنترنت ، يكرس مبدأ التشارك في كل شيء ، ولكن هذه الفرصة تبدو ضائعة مسبقاً ، إذ لا يوجد ، على مستوى العالم العربي ، أي مؤسسة توجه عنايتها لدعم أعمال التحليل العلمي للتراث الموسيقي العربي ، وهذا واقع تبدو الحاجة ملحة لتغييره.
بالنتيجة ، لاشك في أن تقانات القرن الحادي والعشرين حملت الكثير من التأثيرات السلبية والإيجابية على المجتمعات والأفراد ، وبقدر ما يستطيع العالم تخفيف أثارها السلبية ، و توسيع تأثيراتها الإيجابية ، بقدر ما يكون قادراً على السيطرة على النتائج النهائية ، التي تحفظ للعالم ، الحد الأدنى من التوازن ، الذي يسمح له بالاستمرار في الحياة ، وإنتاج تقانات جديدة ، ستحتاج لجهود أكبر للسيطرة على نتائجها ، في جدلية ثانية ، تنضم إلى جدلية التطور بين الذكاء الإنساني و الاصطناعي ، الموصوفة أعلاه ، لتنتجا عالماً لا نعرف اليوم ماهيته ، ولكن السعي لفهم واقعه اليوم ، و تحريض اتخاذ التدابير اللازمة ، قد يؤدي إلى سيطرة أفضل على مآله.