في كتابتي لموسوعة كتاب الأغاني الثاني أضع أمامي دائماً الأسئلة الأساسية التالية ، التي تؤسس لأي قراءة جديدة لمراحل تطور الموسيقى العربية: من ؟ أين ؟ متى؟ لماذا ؟ ماهي ؟ كيف ؟ …
أنهيتُ منذ أيام كتابة نصٍ تقديمي خاص بأمير الكمان سامي الشوا في الموسوعة ، إضافة إلى مقالات تحليلية لبعض أعماله ، و مازالت هناك أعمال كثيرة بحاجة إلى تحليل معمق ، بهدف استكمال رسم ملامح هذه الشخصية ، التي حققت نجومية نافست نجومية المطربين!
ولكن ملاحظة هامة استوقفتني ولَّدت سؤالين معلّقين..!
كان سامي الشوا القاسم المشترك لأغلب تسجيلات الأسطوانات في الفترة بين عامي 1910 و1930 ، مع كبار المغنين أمثال يوسف المنيلاوي وعبد الحي حلمي ، ثم السيدة أم كلثوم والأستاذ محمد عبد الوهاب .. ثم غاب منذ منتصف الثلاثينات في تسجيلات الغناء! ليظهر لاحقاً مع فرقته الموسيقية في عشرات تسجيلات الأسطوانات للتراث الموسيقي الشرقي هذه المرة .. بشارف وسماعيات ولونغات و معزوفات .. إضافات إلى معزوفات لها أبعاد تعبيرية ، لم تكن مألوفة في عالم العزف على الآلات الموسيقية الشرقية ، إذ سعى لمحاكاة الطبيعة ، و أصوات الطيور ، و ترنيمات الأم لوليدها .. ووداع الحبيب ، بل وحتى إلى تسجيل الأدوار التي يغنيها كبار المطربين في المدرسة القديمة على آلة الكمان! .. إضافة إلى رحلات خارجية كثيرة ، إلى الدول العربية ، والأوربية ، و إلى الولايات المتحدة ، مع فرقته الموسيقية ، ودون مرافقة أي مطرب ، في عصر كان الغناء سيد الموقف وكانت النجومية فيه محصورة بالمطربين!
فلماذا كان هذا الغياب؟ وماهي دوافعه ؟ وكيف أمكن أن تنتج شركات الأسطوانات له عشرات الأسطوانات البعيدة عن أجواء الغناء الطاغية؟
التفسير الوحيد لهذا أنه كان يقول للمطربين : الموسيقى لا تقل أهمية ولا قدرة تعبيرية عن الغناء!
ولكن .. كان لابد من تفسير هذا التغير ، من مشاركة رئيسية في تسجيلات المطربين ، إلى استقلالية واضحة عنهم .. لماذا كان ذلك؟
من حيث المبدأ ، أنا أعزو هذا لعنصرين:
أولاً : نجومية سامي الشوا الساطعة ، إذ أنه ، مثلاً ، هو الذي أنهى القسم الغنائي في حفل اختتام مؤتمر الموسيقى العربية الأول في القاهرة عام 1932 ، فقدم عزفه بعد أم كلثوم وليس قبلها! وهو ما جعله خطراً على نجومية المطربين، و لعله وجههم نحو تجاوز مشاركته لهم في تسجيلاتهم!
ثانياً: موقفه الرافض لمحاولات التطوير ، التي بدأت منذ بداية الثلاثينات تستقر في أعمال محمد عبد الوهاب و أعمال أم كلثوم مع محمد القصبجي والسنباطي ، و التي تتعارض مع مدرسته القائمة على التمسك بأصول المدرسة القديمة..
وهو الموقف الذي أكده لاحقاً في لقاء نادر مع إذاعة البي بي سي :
كان رد الشوا إذاً بالتوجه للموسيقى ، ولتسجيل الأغاني بالعزف على كمانه ، و لتسجيل التراث الموسيقي الشرقي في عشرات الأسطوانات ونشره عبر العالم .. مستفيداً ، من علاقاته بشركات الأسطوانات ، ومن الصداقات التي أسسها مع كبار الباحثين الموسيقيين الأجانب خلال أعمال مؤتمر الموسيقى العربية الأول بالقاهرة عام 1932.. وهو ما شرحته في النص التقديمي الذي كتبته عن سامي الشوا.
ولكن هذا في مجمله يطرح السؤالين التاليين:
أنا أتفهم تمسكه بأصول المدرسة القديمة ، وعدم تغييره لموقفه ، رغم مرور عشرات السنين على التحولات التي طرأت على الموسيقى العربية ، إذ أنه كرر موقفه ، كما سمعنا في اللقاء أعلاه الذي جرى في الستينات ، وقبيل وفاته… ولكن:
أولاً: ألم يقم هو نفسه بتطوير مماثل ، وهو يقدم لنا تصويره لرحلة أعرابي في الصحراء ، أو تصويره لطلوع الفجر ، أو عندما قارب الأجواء الدينية عندما سجل الأذان ، و الأجواء العاطفية عندما سجل أسطوانات : تأوهات القلب ، وداع الحبيب ..؟
ثانياً : هل كان اعتماد سامي الشوا على أسلوب العزف في المدرسة القديمة ، البعيد عن التقنيات التي بدأت تتطلبها محاولات تطوير دور الفرقة الموسيقية في الأعمال الغنائية الجديدة ، سبباً في موقفه من محاولات التطوير؟
أسئلة تحتاج إلى إجابة..