مغنية لبنانية تميزت بصوت استثنائي ، و حققت شهرة كبيرة في أربعينات وبداية خمسينات القرن الماضي . كان مستقبلها الفني واعداً ، لولا أن أوقفته مستجدات ، تداخلت فيها عوامل عديدة ، أطرحها في نهاية هذا النص ، الذي يقدمها في الموسوعة.
ولدت نور الهدى / ألكسندرا بدران / في مرسين بتركيا في 20 كانون الأول / ديسمبر 1924 ، في عائلة لبنانية أورثوذوكسية كانت تقيم في مرسين في ظل الدولة العثمانية. تشكلت ذاكرتها الفنية من منبعين : الأناشيد المسيحية الأورثوذوكسية ، والأغاني التي كانت تنقلها الأسطوانات من مصر ، وأهمها أغاني محمد عبد الوهاب ، بسبب اهتمام والدها بالحصول على أسطواناته والاستماع إليها دائماً ، فكانت تستمع إلى عبد الوهاب ، وتحفظ أغانيه ، ثم تسعى لتقليده.
انتقلت أسرة نور الهدى إلى بيروت ، بعد تفكك الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. تبلورت موهبة نور الهدى في سن مبكرة ، إذ استمع إلى صوتها الملحن اللبناني خالد أبو النصر ، ولحن لها قصيدة يقول مطلعها ” ليلاي إن هجرتِ لن أنساكِ” ، فغنتها في حفلٍ ونالت إعجاب الحاضرين .
كان والدها رافضاً لاحترافها الفن، ثم مسايراً لذلك ، بضغط من والدتها ، شريطة مرافقته لها أينما حلت ، سواء كان ذلك في حلب أم في القاهرة لاحقاً ، عندما صارت في زمن قصير نجمة سينمائية ، وبقي ملازماً لها كخيالها ، مما حد كثيراً من إمكانات نجاحها.
تركز النشاط الفني لنور الهدى حتى عام 1943 ، بين بيروت وحلب ، التي كانت عاصمة من أهم عواصم الطرب في العالم العربي. لحن لها خالد أو النصر في هذه المرحلة قصيدتين : أهواك ، وسليمى، اللتين عرفتا بصوت المطربة زكية حمدان لاحقاً. كانت نور الهدى تغني هاتين الأغنيتين في حفلاتها ، إضافة إلى أغاني محمد عبد الوهاب ، و المواويل والأدوار والموشحات ، التي دربها على أدائها كل من الياس القطريب عازف العود ، والملحن والأستاذ في المعهد الموسيقي سليم الحلو ، كما غنت من ألحان ملحني حلب ، ومنهم : الملحن بكري كردي صاحب الأغنية الشهيرة : ابعتلي جواب وطمني ، الذي لحن لها قصيدة : سكن الطير فقومي وانشدي ، من كلمات الشاعر حسام الدين الخطيب.
في إحدى زيارات يوسف وهبي لحلب لتقديم مسرحياته ، عرَّفه الدكتور فؤاد رجائي آغا القلعة ، وهو طبيب أسنان وموسيقي وشاعر كان يرعى الحركة الموسيقية في حلب ، على نور الهدى ، إذ علم أن يوسف وهبي كان قد دخل عالم الإنتاج السينمائي الناهض في ذلك الوقت ، وكان يبحث عن بطلات لأفلامه التي تحتاج أساساً للغناء.
في أواخر نوفمبر / تشرين الثاني عام 1942 وصلت ألكسندرا إلى القاهرة بالقطار عبر فلسطين ، بعد أن وقعت مع يوسف وهبي عقداً لمدة خمس سنوات ، وكان فـي استقبالها جبرائيل نحاس صاحب شركة نحاس فيلم .
اختار لها يوسف وهبي اسم نور الهدى ، وقدمها لأول مرة في فيلم جوهرة في عام 1944 .حقق الفيلم نجاحاً كبيراً ، ما شجع يوسف وهبي وآخرين على استقدام أصوات لبنانية أخرى منها لور دكاش وصباح ووديع الصافي ونجاح سلام وسعاد محمد.
كتب أغاني الفيلم : محمود بيرم التونسي وأحمد رامي ، ووضع الألحان : رياض السنباطي وفريد غصن و محمد الكحلاوي. تسبب نجاح الفيلم في ذيوع صيت نور الهدى و انتشار أغانيها ومنها : يا أوتومبيل يا جميل محلاك ، و يا ريت كل الناس فرحانة ، من ألحان رياض السنباطي ، و يا نا يا وعدي ، من ألحان فريد غصن ، و يارب سبَّح باسمك كل شيء حي من ألحان محمد الكحلاوي ، وجميعها من كلمات بيرم التونسي.
وسرعان ما أصبحت نور الهدى نجمة سينمائية تنافس كبار المطربات ، إذ تتالت أفلامها ( 24 فيلماً في القاهرة وفيلم في لبنان) ، لتحقق معدلاً وسطياً اقترب من 3 أفلام كل عام ، خلال السنوات العشر التي استطاعت خلالها الحصول على موافقة على الإقامة في مصر!
في عام 1944 ، قامت نور الهدى ببطولة فيلمها الثاني : برلنتي . بني الفيلم على قصة ليوسف وهبي ، الذي وضع السيناريو أيضاً وقام بإخراج الفيلم. لحن أغاني الفيلم ( 12 أغنية! تعكس أهمية الغناء في أفلام تلك المرحلة) كلٌّ من : رياض السنباطي ومحمد القصبجي ومحمد الكحلاوي ، ومنها أغنية : نوحي يا عين نوحي من كلمات بيرم التونسي وألحان رياض السنباطي .
ومع زيادة انتشار أغانيها استطاعت أن تقوم ببطولة فيلمين في عام 1945 : مدموزيل بوسة من إخراج نيّازي مصطفى ، و أميرة الأحلام من إخراج أحمد جلال ، أما عام 1946 فقد شهد بطولتها لأربعة أفلام دفعة واحدة تركز الاهتمام على اثنين منها : فيلم مجد ودموع ، مع محمد فوزي ، و من إخراج أحمد بدرخان ، ولست ملاكاً مع محمد عبد الوهاب.
غنت في فيلم مجد ودموع 7 أغنيات ، اجتمع على صياغتها كبار الشعراء والملحنين إذ كتب كلماتها : كامل ومأمون الشناوي وأحمد رامي وبيرم التونسي وصالح جودت وعبد العزيز سلام ، ولحنها رياض السنباطي ومحمد القصبجي وفريد الأطرش ومحمد فوزي! يعكس هذا الأهمية التي بدأ صوت نور الهدى يكتسبها. اخترت من أغاني الفيلم أغنية فين الحبيب من ألحان محمد القصبجي.
قامت إذاً في عام 1946 ببطولة 3 أفلام أخرى، وهي : غدر وعذاب ، من إخراج وبطولة حسين صدقي ، والمنتقم من بطولة أحمد سالم و إخراج صلاح أبو سيف ، ولكن الفيلم الأهم كان الذي وقفت فيه أمام محمد عبد الوهاب بعد تحضيرات فيلم مجد ودموع الذي أثار اهتمام عبد الوهاب : لست ملاكاً ، و الذي غنت فيه: ما تقوللي مالك محتار ، حتشوفي إيه يا عيوني ، شبكوني نسيوني قوام ، كما شاركت عبد الوهاب في أداء حواريتين: كنت فين تايه وغايب ، و اضحكي وغني ، وجميعها من كلمات حسين السيد.
بين عامي 1947 و 1948 قامت نور الهدى ببطولة 4 أفلام ، كان أولها في عام 1947 : فيلم قبّلني يا أبي ، إلى جانب محمد فوزي ، ومن إخراج أحمد بدرخان. غنت في الفيلم 6 أغنيات ، منها أغنية الدنيا ساعة وصال من ألحان محمد عبد الوهاب. يلاحظ أن والدها شارك في إنتاج الفيلم كما كتب قصته وجعل عنوانه متصلاً به! سنرى أن هذه البداية سيكون لها نتائج خطيرة لاحقاً!
ولاحقاً قدمت 3 أفلام في عام 1948 هي: حياة حائرة ، والمستقبل المجهول ، وهما من إخراج أحمد سالم ، و فيلم نرجس من إخراج عبد الفتاح حسن. أما عام 1949 فقد جاء حاملاً فيلمي : مبروك عليكِ ، و هدى. شهد فيلم هدى تورط والد نور الهدى نقولا بدران بشكل أكبر في عالم الإنتاج السينمائي ، إضافة إلى كتابة قصة الفيلم . ولما لم يحقق الفيلم نجاحاً على الصعيد المادي ، فقد تسبب ذلك في وقوع نور الهدى في ضائقة مالية، كان من الصعب تجاوزها ، خاصة أن مصلحة الضرائب راحت تطالبها بسداد الضرائب عن مجمل أعمالها.
تتالت أفلام نور الهدى فكانت أفلام : أفراح وغرام راقصة ( 1950 ) ، الشرف غالي وشباك حبيبي ( 1951 ) ، ماتقولش لحد و عايزة اتجوز ( مع فريد الأطرش ) و مصري في لبنان ( عام 1952 ) ، حكم الزمان و حكم قراقوش ( 1953 ) . نقتطف من ألحان فريد الأطرش لها إحدى أجمل أغنياتها: يا ساعة
ختمت نور الهدى مسيرتها مع السينما المصرية في فيلم «حكم قرقوش» (1953) الذي أخرجه فطين عبد الوهاب.لم ينجح الفيلم متسبباً في خسائر كبيرة لمنتجه الممثل سراج منير! رغم أن الفيلم حقق بداية توجه عالم السينما لامتداح ثورة عام 1952!
بالنتيجة ، حوصرت نور الهدى بالديون و مستحقات مصلحة الضرائب ، تماماً مثلما حوصرت بديعة مصابني ، وفاقم ذلك أن نقابة الموسيقيين كانت قد اتخذت قراراً يسمح لها ببطولة فيلمين فقط كل عام ، مشترطاً ألا تتضمن إقامتها إمكانية إقامة الحفلات العامة ، في تقييد واضح لمواردها المالية ، فيما لم تجد من يسعفها ، فلم يكن أماها إلا أن تفعل ما فعلته بديع مصابني ، في أن توقف نشاطه الفني في القاهرة، وتعود مجبرة إلى لبنان ، مع أن ساحة الغناء كانت بحاجة إليها ، في ظل تفاقم وضع أم كلثوم الصحي في عام 1952 ، إذ سافرت إلى الولايت المتحدة الأمركية في 3 كانون الأول / ديسمبر 1952.
المتابعة في الصفحة التالية