هل كان ما لحنه وغناه عبد الوهاب من شعر شوقي الأجود أم الأسلس أم الأكثر ملاءمة للتلحين؟ 

من أخبار الدراسات الجاري تأليفها لتنشر في الموسوعة : مكانة كتاب الأغاني موسيقياً


هل كان ما لحنه وغناه عبد الوهاب من شعر شوقي الأجود أم الأسلس أم الأكثر ملاءمة للتلحين ؟ 
سؤال ولَّدته دراسة أقوم بها تتصل بما جرى منذ حوالي 1200 سنة! وإليكم ماجرى..


أعمل عادة على دراسات متعددة في آن واحد ، وفي هذا السياق ، وبعد استكمال الدراسة التحليلية لرباعيات الخيام ، وأصول أنشودة طلع البدر علينا ، ودخولي في دراسة متكاملة حول الموشحات ، تمهيداً لنشر محاضرتي حول الموضوع منقحة ومزيدة، فإنني أعود لقراءة كتاب الأغاني ، بغرض رصد العناصر التي تبين أهميته الموسيقية ، والتي تبرر أنني نسبت إليه موسوعة كتاب الأغاني الثاني ، وهي موسوعة موسيقية أساساً ، فيما كانت الحفاوة التي شهدها الكتاب قد تركزت في عالم الأدب والشعر ، وليس في عالم الموسيقى!
من أجل تحديد المكانة الموسيقية لكتاب الأغاني ، كان لابد من دراسة الكتب التي تعاملت معه أيضاً ، ومنها مثلاً كتاب ” مختار الأغاني في الأخبار والتهاني ” لابن منظور . وفي الواقع ، لقد كشف لي هذا الكتاب ، و ابتداءً من صفحاته الأولى ، بعداً موسيقياً هاماً ، يمكن استنتاجه بناءً على ورد في كتاب الأغاني ! إذ يعترض ابن منظور في كتابه على السوية الشعرية المتواضعة لنصوص الأصوات ( الأغاني ) التي اختارتها لجنة من الملحنين لهارون الرشيد ، بناء على طلبه ، ووثق لها كتاب الأغاني ، متسائلاً : ما عسى أن تُطرب جودة التلحين .. مع سماجة هذا الشعر!
ثم يستطرد فيورد أشعاراً غُنيت فطرب لها الناس لاحقاً ، مثل قول أبي نواس الذي غناه شمس الدين بن بدل :
غننا بالطلول كيف بلينا * واسقنا نعطك الثناء الثمينا
ويقول : لو سمعه أبو الفرج الأصفهاني لشقق ثيابه ، ومزق كتابه ، وأضرب عن ذكر الغناء والأصوات!
كما يورد ما غني من نظم البحتري:
ضمانٌ على عينيك أني لا أسلو * وأن فؤادي من جوى بك لا يخلو
ويقول : لو طرق أذن الأصبهاني .. نسي أصبهان ، وقضى على سائر الألحان!
ثم يستفيض في الدعوة إلى أن تكون الألحان مبنية على أمهات النصوص ، فتطرب الأذن للشعر و للحن في آن!
ولكن ماذا يفيدنا هذا ؟
ألا يوحي ما سبق عرضه أن مكانة الموسيقى تجاوزت مكانة النص في العصر الذي شهد عملية اختيار الأصوات ( الأغاني ) المائة المختارة ، وما تلاه ، وأن اللحن تجاوز بالتالي مكانة الشعر في غناء العرب ، إذ أصبح هو المعيار في تفضيل الأغاني ، بغض النظر عن جودة الشعر!
نتيجة هامة لما ورد في كتاب الأغاني ، و إن صحت ، فإنه سيكون لها تأثيرها في دراسة تطور علاقة الموسيقى بالشعر ، و لاشك في أن هذه العلاقة وجدت فضاءات جديدة ، لاحقاً ، تسير في الاتجاه ذاته ، وخاصة مع ابتداع فن الموشحات ، ومن ثم الأدوار حيث احتل اللحن المكانة الأولى على حساب النص ولهذا حديث آخر!
هذه النتيجة تفتح أسئلة عديدة منها:

    • هل يعود تغليب أهمية اللحن على الشعر في الأغاني المائة المختارة إلى أن الملحنين ، بشكل عام ، كانوا يختارون من الأشعار أسلسها وليس أجودها ؟ أم من التي تتوافق مضامينها مع مناسبات أدائها ؟ أم من التي تحتوي على عناصر تلائم التلحين أكثر ؟
    • هل استمر هذا الواقع في العصور الوسيطة ، ففاضت أهمية اللحن على أهمية الكلمة حتى بدايات عصر النهضة الموسيقية في القرن العشرين ، وهل استمر هذا لاحقاً أم استطاعت النصوص أن توازي أهمية الألحان؟
    • يؤدي السؤال الثاني إلى طرح أسئلة يمكن طرحها على حالات محددة في المرحلة الانتقالية.. منها مثلاً: هل كان ما اختاره أحمد شوقي من شعره ليغنيه عبد الوهاب في بداياته، أو ما اختاره عبد الوهاب من شعر شوقي ليغنيه:
      • الأجود؟
      • الأسلس من حيث الألفاظ ؟
      • المصوِّر لحالة عاطفية معينة ، أو الملائم لمناسبة محددة؟
      • الأكثر ملاءمة للتلحين من حيث كثافة الأحرف الصوتية؟

أفي سياق البحث عن إجابات ، أرى من المفيد التذكير بالقصائد التي لحنها وغناها محمد عبد الوهاب من شعر أحمد شوقي:


طبعاً من المحتمل أن يكون شوقي هو من اختار النصوص ، في حياته ، وهي القصائد العشرة الأولى في الجدول، فيما من المؤكد أن عبد الوهاب كان هو من اختار القصائد التي لحنها لاحقاً، مما يطرح إمكانية اختلاف الإجابات المبحوث عنها بين مرحلة وأخرى!

يمكن أن نستفيد من الفيديو التالي الذي شرحتُ فيه أسلوب شوقي في توجيه عبد الوهاب للتلحين.


بالنتيجة ..أسئلة لا تنتهي تحتاج إلى باحثين متفرغين لإنجازها!
د. سعد الله آغا القلعة

Bookmark the permalink.

Comments are closed.

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading