كنت صباح البارحة ، و في سياق تحديث فصول موسوعة كتاب الأغاني الثاني ، ومساعي إغنائها دائماً بالملفات السمعية والبصرية النادرة ، أراجع دراسة جاهزة للنشر حول أهمية فيلم الوردة البيضاء في تحديد مسار الأغنية السينمائية ، ضمن إطار مجلد محمد عبد الوهاب في الموسوعة .. كنت ضمّنتُ الدراسة العديد من الأفكار والوثائق التي تبين تلك الأهمية .. ومنها مثلاً نشرُ أغنية جفنه علم الغزل كاملة ، فيما ترد في الفيلم تتخللها مشاهد تمثيلية ، وذلك مثلما فعلت في عرضي لأوبريت انتصار الشباب لفريد وأسمهان ، التي تخللتها أيضاً مشاهد تمثيلية.. المهم .. توقفت البارحة ، وأنا أستعرض الدراسة ، عند عنصر الموسيقى التصويرية في الفيلم ، وعند الفكرة التي كنتُ كتبتُها وفق ما يلي:
لم تكن السينما العربية الوليدة ، قد عرفت ما يسمى الموسيقى التصويرية المؤلفة خصيصاً للفيلم ، قبل فيلم الوردة البيضاء . من أجل توفير ذلك ، كتب عبد الوهاب مقطوعة موسيقية أسماها ” فانتازي نهاوند ” ، بعيداً عن قوالب التأليف الموسيقي العربي ، المستندة إلى أصول تركية ، و وظّف لحنها كموسيقى تصويرية في سياقه.
ولما كنت أعتمد في تأليف الموسوعة ، بحسبانها موسوعة رقمية تنشر عبر الإنترنت ، على جملة من المبادئ وهي :
1- كتابة الدراسة حول الموضوع المقرر بشكل مختصر ، ونشر الناتج ، مع وضع أسئلة مفتوحة ، لا تزال بحاجة إلى إجابات.
2- التحديث الدائم :
1-2 : بعد نشر دراسة ما بشكل أولي ، مع أسئلة مفتوحة للتطوير ، يتم تحديث الدراسة ، كلما وجدتُ إجابات للأسئلة المطروحة ، أو برزت أفكار جديدة ، تسهم في إيضاح الموضوع.
2-2 :يتم إغناء الدراسة دائماً بملفات سمعية بصرية إيضاحية جديدة ، بحسبان أنها تنشر ضمن موسوعة موسيقية.
فقد لاحظتُ أنني لم أنشر أي ملف سمعي أو بصري يوضح الفكرة الخاصة بالموسيقى التصويرية ، ما قد يضعف أهميتها ، فيما كنت درجتُ على أن تكون الوثائق السمعية البصرية هي الأساس في توضيح الأفكار في الموسوعة .
بحثت في مكتبتي الموسيقية عن فيلم الوردة البيضاء ، واستعرضته ، وحددت مشهداً تقوم فيه هذه المقطوعة الموسيقية بدور الموسيقى التصويرية ، وسمح لي المشهد أن أطور النص ، إذ لاحظتُ أن الموسيقى ، كانت تقوم أيضاً بدور الجسر الصوتي ، بين مشاهد تمثيلية قصيرة من الفيلم ، تتضمن حوارات عابرة ، وتتصور في مواقع مختلفة ، فيما لا تتوقف الموسيقى المرافقة .. وهذه تقنية لم تظهر إلا لاحقاً في الأفلام!
ولكن الملاحظة الثانية كانت أهم :
هل مهد هذا الأسلوب لتقنية الفيديو كليب ،التي ظهرت لاحقاً في الأغاني!! هنا : الموسيقى تغلف مشاهد متغيرة المواقع ، فيما تنقلب الآية في الفيديو كليب ، إذ تكون الأغنية هي الأساس ، وتبنى مشاهد متغيرة المواقع لتغلفها!
أضفت هذه المشاهد المتلاحقة التي تغلفها موسيقى تصويرية وضعت للفيلم ، كما أضفت مشهداً من شارة الفيلم ترافقه معزوفة فانتازي نهاوند ، ثم عبرتُ عن الوظيفة المكتشفة من خلال تعديل النص ليكون :
لم تكن السينما العربية الوليدة ، قد عرفت ما يسمى الموسيقى التصويرية المؤلفة خصيصاً للفيلم ، قبل فيلم الوردة البيضاء . من أجل توفير ذلك ، كتب عبد الوهاب مقطوعة موسيقية أسماها ” فانتازي نهاوند ” ، بعيداً عن قوالب التأليف الموسيقي العربي ، المستندة إلى أصول تركية . وظّف المخرج محمد كريم هذه المقطوعة الموسيقية ، لمرافقة شارة الفيلم ، و لتقوم بدور الموسيقى التصويرية في سياق الفيلم ، كما وظفها لتكون جسراً صوتياً بين المشاهد ، في أسلوب لم نعرفه في الأفلام .. إلا لاحقاً!
إليكم هذه المشاهد التي غلفتها موسيقى تصويرية ولنتذكر أن هذا الفيلم عرض في عام 1933 !
وإليكم شارة الفيلم التي رافقتها معزوفة فانتازي نهاوند. بالمناسبة .. كانت تسميات المعزوفات الشائعة كما يلي : سماعي نهاوند ، بشرف نهاوند ، لونغة نهاوند .. فأتى عبد الوهاب و أطلق على معزوفته : فانتازي نهاوند!
تم تعديل الدراسة لتصبح جاهزة للنشر .. مع أسئلة بقيت مفتوحة:
1- هل كانت هذه هي المرة الأولى التي وظِّفت فيها الموسيقى لتكون جسراً صوتياً ، يغلف مشاهد سينمائية متلاحقة و متعددة المواقع؟
2- هل يمكن اعتبار هذا الأسلوب السينمائي ، في تغليف الموسيقى التصويرية لمشاهد متلاحقة و متغيرة المواقع ، بداية تقنية بناء مشاهد متلاحقة و متغيرة المواقع ، لتغلف الأغنية ، وهو ما سمي بعد عشرات السنين : الفيديو كليب؟
وذلك إضافة إلى سؤال بقي مفتوحاً من النص السابق:
3- حملت قصيدة جفنه علم الغزل أول تجربة لما يسمى ال بلاي باك في السينما العربية ، فهل كانت أيضاً أول تجربة في السينما على الإطلاق؟
د. سعد الله آغا القلعة