في مطلع الثمانينات ، لحن الأستاذ رياض السنباطي ، بطلب من السيدة فيروز ، ثلاث قصائد لتغنيها، ثم لم يظهر أي تسجيل لها!
اليوم وبعد مرور حوالي 40 عاماً على ذلك ، لايزال السؤال مطروحاً : هل سجلت السيدة فيروز تلك القصائد ؟ طبعاً هناك تأكيدات بأنها سجلتها .. وفي هذه الحالة ، و إذا كانت سجلتها ، فلماذا لم تنشر هذه التسجيلات ، بعد حوالي 40 عاماً على قيام السنباطي بتلحينها ، خاصة أنها من أواخر الألحان التي لحنها إذ غادر هذه الدنيا في 10 أيلول / سبتمبر عام 1981 ، بعيد إنجاز هذه الألحان! ما يكسبها أهمية خاصة ..
السنباطي من جانبه سجل الأغاني لتحفظها فيروز ، وبقيت هذه التسجيلات حبيسة لفترة طويلة ، إلى أن نشرت منذ عدة سنوات.
طبعاً تأجيل فيروز للنشر يعكس تردداً واضحاً ، لابد له من أسباب وجيهة .. كنت ناقشتها سابقاً في مقال قبل ثلاثة سنوات .. فهل كانت التسجيلات غير مرضية ؟ فكان هناك من نصحها بألا تنشرها ، أم أن هناك من ارتأى أنه تحول في مسارها الفني لا ضرورة له ، لأنه سيقترب بها من فضاء أم كلثوم ؟ أم أن هناك من كانت له مصلحة في ألا تغني فيروز من ألحان السنباطي؟!
مؤخراً نقل التسجيل المنشور هنا ، والذي كان ورد في مقابلة أجرتها الإعلامية وردة الزامل مع فيروز منذ حوالي 40 سنة ، إلى موقع يوتيوب ، بعد أن كان قد نشر على موقع ساوند كلاود ، دون تغطية إعلامية ، وهو بجودة متواضعة .. التسجيل مقتطف من تسجيل أولي ، لقصيدة أصابعي منك في أطرافها قُبلٌ للشاعر جوزيف حرب ، ما يدل على وجود التسجيل الكامل ، على الأقل لهذه القصيدة . يتشكل المقتطف المنشور من مسمع قصير لا تزيد مدته عن دقيقتين و 27 ثانية ، و يقع في منتصف القصيدة .. حسبما أبين لاحقاً.
لماذا هذا التسريب ؟
منذ البداية سألت نفسي : لماذا هذا التسريب أو هذا النشر الخجول ؟ هل هو نشر من قبل جهة ما ، وقع تسجيل المقابلة في يدها ، بعد أن نشرت الزامل كتاباً ، ضم تسجيلات لبعض اللقاءات التي أجرتها في حياتها المهنية ، ومنها تسجيل اللقاء مع فيروز ، فأرادت تلك الجهة نقل هذا المقتطف ، الوارد في سياق المقابلة ، إلى العالم الرقمي عبر الانترنت ، دون معرفة لأهميته ، أو لما يطرحه من حقائق ، وما يحرضه من جدل ؟ أم هو نشر مقصود في سعي لجس نبض الرأي العام ، في إطار احتمال نشر التسجيلات قريباً ؟ هل هو اختبار لمدى تقبل الجمهور له ، ما قد يؤدي إلى نشر اللحن بالكامل ، إن كانت درجة القبول عالية ؟ ثم لماذا هذا المقطع بالذات ..؟ وهل يحمل في طياته عناصر استلزمت التردد؟!
الحقيقة أن هذا المسمع المقتطف لا يسمح ، للوهلة الأولى ، بالحكم ، إذ أنه يقع في منطقة اللحن فيها غير واضح ، لأنه أتى على شكل الموال ، ومن الواضح أنه ليس مقتطفاً من منتج نهائي ، فجودة التسجيل عادية ، كما أننا نلاحظ في الدقيقة 2:04 من التسجيل ، نقطة اتصال بين نسختين للتسجيل ، لم يسع أحد لإخفائها ، كما يحصل في التسجيلات الجيدة ، عندما يكون هناك سعي لإظهار الناتج النهائي على أنه من نسخة واحدة ، وأن التسجيل لم يتطلب الإعادة لأكثر من مرة!! بل يظهر في التسجيل صوت آلة التسجيل عند تشغيلها لإجراء التسجيل ، وكأن التسجيل جرى عبر آلة تسجيل عادية ، نقلاً عن النسخ الأصلية.
ومع ذلك ، فقد حملت هذه الثواني المائة وسبع وأربعون في خلاياها ، ما يسمح بحكم واضح تماماً! على الأقل بالنسبة لي!
لكي أسهل عليكم الأمر سأنشر أولاً التسجيل بصوت فيروز ، ثم سأنشر تسجيلاً مقارناً لأداء فيروز والسنباطي لنفس المشهد من القصيدة ، فقد يسهِّل لكم الحكم ، وأخيراً سأطرح تصويتاً يتوافق مع السبب المفترض لتسريب هذا المشهد.
التسجيل بصوت فيروز
التسجيل المقارن بصوت كلِ من فيروز ورياض السنباطي ويظهر بوضوح اختلاف جودة التسجيل بين نسخة السنباطي ونسخة فيروز!
التصويت:
كلمات القصيدة وضمنها يتيبين موقع المشهد منها الذي حمله التسجيل
أصَابِعِـي مِنْــــكَ في أطــــرَافِهَا قُبَلُ
قَبَّلتَهُـــــنَّ فَهُــــنَّ الجمرُ يَشتَعِلُ
بـــريدُ حُبِّــــكَ في كَفـَـيَّ يَحمِـــــلُهُ
إليكَ خَوفَ يَضيْعُ العَشرةُ الرُسُـلُ
قدْ أقبلَ اللَّيلُ وَحـدِيْ أنتَ لستَ معي
لَيلانِ لَيْلي فَقـُــلْ لي كيفَ أَحتَمِـلُ
إنَّ الـــرسائِلَ تبكِـــي والعِنَـاقُ يَرى
دمعَ الـوداعِ ، أنا المَنـديلُ والخُصَلُ
أنا القتيـــلةُ والعُشَّـــاقُ قِصَّتُهُــــــمْ
أشهى الذي جاءَ فيها أنَّهُــم قُتِلوا
هَوىً وذكـــرى ووَعْــــدٌ ضائِعٌ وأنا
حوريةٌ بمياهِ الــرِّيحِ تَغتَسِـلُ
يا لَلأَحِبَّــةِ نَهـــــوَاهـُـمْ ونَعشَـقُهُـــم
حتّى إذا صَارَ يُبكِي بُعْدُهُم رحَلوا
أَذاكِـــــــرٌ أنتَ وَجهِـــي إنَّهُ زَمَــــنٌ
عليهِ مـــرســومَةٌ أيّامُنَـــا الأُوَلُ
عينايَ إنْ ضاقَتَا بالــدَّمعِ لي جَسـَــدٌ
وأنتَ عنـّي بَعيْـــــدٌ كُــلُّه مُقَـــلُ
ما كنـتَ ترحَـــلُ في يومٍ وتتــــرُكُني
لو كنتَ تعلَــمُ كمْ أهـواكَ يا رَجُـلُ
أمشـــي إليكَ فعُمـــــري كُلُّهُ سَفـَـــرٌ
أمشي إليكَ على جَفنِي ولا أَصِـلُ