وُلد أبو العلا في عام 1878 ، درس أصول الموسيقى العربية، وحفظ الأوزان والمقامات، واطّلع على القوالب التلحينية السائدة. عمل في بطانة عبده الحمولي، فتأثر به وبأسلوبه الجديد في تلحين القصيدة، بعد أن كانت لاتغنى إلا مرسلة ، كما سمعناها من الشيخ سلامة حجازي أو من مطربي حلب ، فكرّس حياته التلحينية إليها ، في وقت كان العالم العربي يشهد فيه إعادة الاعتبار للغة العربية ، في إطار بروز المشاعر القومية ، و تفكيك العلاقة مع الإمبراطورية العثمانية ، بعد خسارتها في الحرب العالمية الأولى .
اهتم أبو العلا بالتوافق بين اللحن والكلمة في القصيدة، متوازياً في ذلك مع سيد درويش الذي اهتم بالتوافق ذاته، ولكن في إطار الأغنية العامية. كان يبدأ باختيار قصيدة من أعذب ما جاء في الشعر العربي ، مما يصلح للغناء ،ويحفل بالأحروف الصوتية ، ثم يلجأ إلى اختيار المقام الملائم ، و البدء بالغناء مباشرة ، فيما يشبه الارتجال المرسل ، ولكن مع ضبطه على الإيقاع المختار ، معتمداً على خبرته ، في مواءمة التقطيع العروضي مع الإيقاع الموسيقي ، ومطابقة نبرات اللفظ مع نبرات اللحن ، و في التعبير عن المعاني عبر تلوين الأداء ، و قد كان قادراً ، من خلال اعتماد هذه الطريقة ، على أن يلحن القصيدة الواحدة بأشكال مختلفة ، كما كان قادراً على تلحين قصائد مختلفة على مقامات متماثلة ، وبنكهة خاصة لكل قصيدة ، حسب المزاج المسيطر لحظة أدائها.
تمكن أبو العلا من تحقيق الانتشار الواسع عبر هذا الأسلوب ، مقاوماً بذلك الموجة السائدة ، وسجل بعض قصائده على أسطوانات ، ومنها : أفديه إن حفظ الهوى ، غيري على السوان قادر ، وحقك أنت المنى والطلب .. ولكنه كان بحاجة إلى صوت ساحر لينشر ألحانه وتوجهاته في عالم القصيدة.
جاءت الفرصة عندما جمعته صدفة مع أم كلثوم في محطة السنبلاوين للقطار عام 1919 ، وسرعان مااكتشف عندها الصوت الساحر المنشود ، فأقنعها وأهلها بضرورة النزوح إلى القاهرة ، ولولا التقاؤه بها ، وإظهارها التعلق به ، واهتمامه بأن تنتقل للقاهرة ، لعلها كانت بقيت مغنية ريفية مغمورة. في القاهرة، أصبح أبو العلا محمد أستاذ أم كلثوم وقائد خطواتها الأولى. علّمها مقامات وإيقاعات الموسيقى العربية، وطرق الأداء والنطق الصحيح ، والتحكم في طبقات الصوت وإطلاقه على جميع مستوياته، كما أعطاها أجمل قصائده لتغنيها.
ساهم الشيخ أبو العلا على صعيد آخر ، في تعريف السيدة أم كلثوم ، بجاره وصديقه الشاعر أحمد رامي. كان قد اختار قصيدة له هي “الصب تفضحه عيونه ” فلحّنها وغناها، ثم أعطاها لأم كلثوم لتغنيها، ، ثم عرَّفها على رامي، الذي أصبح أستاذها وشاعرها المفضل.
شكل أبو العلا محمد ، ومن خلفه عبده الحمولي ، منبعاً من منابع فن محمد عبد الوهاب ، الذي بنى قصائده الأولى على نسق ألحان أبي لعلا ، ومنها : ” تعالي نفن نفسينا غراماً ” 1924 ، و ” منك يا هاجر دائي ” 1924 ، و ” علموه كيف يجفو ” 1932 ، ” يا جارة الوادي ” 1928 ، كما لحن فريد الأطرش على نسقها قصيدة ” أضنيتني بالهجر ” عام 1939 .
قيل الكثير حول قصيدة ” كم بعثنا مع النسيم سلاما ” من ألحانه ، بعد أن غنتها فتحية أحمد و لم تغنها أم كلثوم ، لتغنيها بلحن آخر للدكتور أحمد صبري النجريدي . هناك من قال بأن أبا العلا لحن القصيدة لفتحية لتغنيها ، بعد أن غنت أم كلثوم القصيدة ذاتها من ألحان النجريدي ، فيما أكد آخرون ، أن أم كلثوم طلبت من النجريدي أن يلحنها لها ، بعد أن غنتها فتحية من ألحان أبي العلا. أعتقد أن أبا العلا وضع لحن قصيدة ” كم بعثنا مع النسيم سلاما ” لنفسه ، ثم غنت فتحية اللحن ، فلم ترد أم كلثوم أن تغنيه ، فيما قد يضعها في تنافس مع فتحية ، فطلبت من النجريدي أن يضع لحناً جديداً للقصيدة .. وهكذا كان.. فيما غنت فتحية قصائد لأبي العلا كانت أم كلثوم سبقتها في أدائها..
كانت ألحان أبي العلا تتضمن تدريبات صوتية صعبة ، و تتطلب مساحة صوتية واسعة ، ومن ذلك ما ورد في قصيدة ” أماناً أيها القمر المطلّ ” ، التي غنّتها السيدة أم كلثوم عام 1928 ، إذ ورد فيها تسلسل صوتي من 15 صوتاً ، بما يساوي ديوانين موسيقيين كاملين ، وذلك في المشهد من القصيدة عند الدقيقة 5:27 من التسجيل عند أيا ملك القلوب فتكت فيها وفتكك في الرعية لا يحلُّ
أصيب أبو العلا بالشلل في عام 1924 ، بعد إصابته بمرض السكر، قبل أن يتوفاه الله في عام 1927 .
أغنيات لحنها الشيخ أبو العلا محمد
مقالات تناولت أغنيات لحنها أبو العلا محمد أو تعلقت بألحانه
حلقات تلفزيونية تناولت فن أبي العلا محمد
- 04- مع الدكتور سعد الله آغا القلعة نحو نهضة موسيقية عربية جديدة – الحلقة الرابعة : كلماتٌ سحرية للملحن : الاختزان والتوليد والخروج ، مع عبد الوهاب وشوقي!
- برنامج نهج الأغاني – الحلقة الثالثة – 1 : هل لحَّن الشيخ أبو العلا محمد للسيدة أم كلثوم؟
- عبد الوهاب مرآة عصره – الحلقة الثانية – 1 : رعاية أمير الشعراء لعبد الوهاب قادته ليصبح الشيخ أبو العلا منبعه الخامس .. في تلحين القصيدة!