سألني : لماذا لا تهتم بأعمال نجوم اليوم وتقصر اهتمامك على نجوم الأمس؟ فقلت:
طبعاً ، النجومية في العصور جميعها تشكل قوة ، والتاريخ يتأثر بالأقوياء ، ويسجل نجوميتهم ، ولكنه أيضاً يسجل مراحل التطور في كل مجال ، و ينسبها لمبدعيها ، فيكتسب هؤلاء أهمية تاريخية ، تتجاوز بالمساحات المخصصة لهم ، النجومية التي لا يرافقها إبداع!
من هنا كان لابد من التفريق بين النجومية والأهمية . هناك نجوم كُثر اليوم ، ولكن أهميتهم التاريخية تنحصر على الغالب في مساحة محدودة ، توثق لنجوميتهم فقط ، طالما أن أعمالهم تفتقر إلى الجديد ، فلا تشكل دافعاً لتحليلها وتوثيقها ، لأن النجومية لا تشكل بالضرورة المكون الأول للأهمية التاريخية ، في عالم يحكمه سوق ، تؤثر فيه أدوات إنتاجية ضخمة ، توجهه حيث تريد.
الأهمية التاريخية للنجم في عالم الغناء تتشكل ، إذا أتى بجميل وجديد غير مسبوق ، سواء أكان هو الملحن ، أم حرض بقدرات صوته وأسلوب أدائه ، ملحناً مبدعاً ، ليأتي بذلك الجديد ، وعندها يكتسب ذلك الملحن المبدع أيضاً ، أهمية تاريخية موازية ، تتجاوز النجومية التي لا تستند إلى أي إبداع ، و التي تولدها السوق ، والماكينات الإعلامية الضخمة.
أنا أعتمد التأريخ بهذا المعنى ، أي أنني أعتمد تحليل الوقائع ، و البناء عليها لتركيب السياق الزمني والموضوعي للتطور العام ، وأنا هنا لا أتوقف فقط عند الجمال. قد تكون أغنية جميلة ، ولكنها غير مهمة . قد يراها المستمع جميلة ، وبالتالي هي مهمة بالنسبة له ، ترتبط بذكرياته وعالمه ومجتمعه ، وقد تكون لي كذلك على المستوى الشخصي ، ولكنها قد لا تكون مهمة ، على المستوى العلمي والتاريخي العام ، إذا لم تأتِ ، على جمالها ، بجديد .
الذين أبحث في أعمالهم كانوا مهمين ، لأنهم اختزنوا تراثاً عظيماً ، ثم جاء عصر التحولات الكبرى ، التي أغرقتهم بعناصر حفزت الجديد في كل شيء ، فبحثوا في إدماجها مع التراث ، في سياق تراكمي عريض ، كان يتسع يوميا ، وكان عليَّ ، إلى جانب آخرين ، أن أوثِّق بروز كل عنصر جديد فيه ، وإرجاعه لصاحبه ، ما كان يتطلب السعي لمعرفة جميع العناصر التي سبقت ذلك العنصر ، بتفاصيلها ، لتحديد درجة جدَّته ، والإبداع الذي جسَّده ، ما يؤدي في مجمله ، إلى تحديد جميع مفاصل التطور في الموسيقى العربية المتقنة ، لكي يسجلها التاريخ ، علّها تكون ذخراً لأجيال قادمة ، تبحث عن انطلاقة جديدة!
طبعاً ليست كل أعمال نجوم الأمس مهمة ، إذ كانت متطلبات السوق ، أو الظروف المحيطة ، تتطلب أحياناً سرعة في الإنتاج ، تجعل العمل الغنائي لا يحمل أي جديد ، رغم الجماليات التي يحملها ، و رغم نجومية صاحبه ، فكنتَ ترى التاريخ يتجاوزه ، ولا يتوقف عنده!
بالنتيجة ، أستطيع أن أقول ، أن التاريخ سيتجاوز الشريحة الأكبر في نتاج نجوم اليوم ، رغم أنني لا أنفي جمال بعضه ، دون أن تكون هذه مسؤوليتهم فقط بالضرورة ، فالأسباب كثيرة ، وهي لا تتعلق فقط بهم ، بل بمجمل عناصر ، اجتمعت سابقاً ، فسببت الخصب ، وغابت اليوم ، ليحل مكانها عناصر أخرى ، سببت الجفاف ، وقد تعود عناصر الخصب يوماً ، فينطلق الإبداع من جديد ، مستنداً إلى ما يحفظه التاريخ!
تابع سائلاً: هل كلُّ جديدٍ مهم؟ وما الموسيقى العربية المتقنة؟ وهل حالنا مثل حال غيرنا ؟ ولهذا إجابات قادمة!