تختلف عملية كتابة تاريخ الموسيقى عن عملية تأريخ أي نشاط إنساني آخر ، نظراً لخصوصيتها ، المتمثلة أساساً ، في تداخل الوثائق المكتوبة التي تحمل التأريخ ، مع الوثائق السمعية والبصرية ، التي تشكل المنتج الموسيقي التقليدي الذي يؤرَّخُ له . تسبب هذا في ثغرات كثيرة في نتائج عمليات تأريخ الموسيقى ، بسبب الفصل التام بين النص التاريخي ومضمونه الموسيقي ، على مستوى التطبيق الفعلي ، إذ لم تكن هناك أي إمكانية ، لتجسيد الوثائق المكتوبة والوثائق السمعية البصرية ، على حامل واحد ، يسمح بضبط التجانس بين المعلومات التي تحملها، والنتائج التي يتم التوصل إليها.
بالمقابل ، لم تتأثر عمليات التأريخ لمجالات النشاط الإنساني الأخرى بهذا الواقع ، فالتأريخ للفلسفة أو الأدب أو الشعر أو التصوير ، على سبيل المثال ، ممكن ، حيث النص الحامل للتأريخ ، و النص الحامل للمنتج النهائي المؤرخ له ، أو الصورة ، قابلان للتجسيد على حامل واحد ، يسمح بالمقارنة والتدقيق المباشر.
نعم : المشكلة في التأريخ للموسيقى ، أن النص الحامل للتأريخ لا يشكل إلا نصف الحقيقة ، التي لا تكتمل إلا بالتسجيل الصوتي ، إن وجد ، فهو الأساس ، لتأريخ متكامل ذي مصداقية.
التطور الأخير في عالم التوثيق الرقمي ، الذي سمح بتجسيد النص والصوت والصورة ، على حامل موحد ، ولَّد آمالاً كبيرة في تجاوز هذه العوائق ، وإمكانيات واسعة لحرق المراحل .. إن توفرت النية!
خلافاً للمتداول : في كتابة تاريخ الموسيقى ، النص هو نصف الحقيقة ، و التسجيل الصوتي ، إن وجد ، هو الأساس!
Bookmark the permalink.