جريدة الثورة السورية – تاريخ 2 آب 1989
خيري عبد ربه
الفنان الكبير الأستاذ فاتح المدرس حل يوم الجمعة الماضي ضيفاً على برنامج العرب والموسيقا الذي يعده ويقدمه الدكتور سعد الله آغا القلعة حيث كان لقاء خاصاً حاراً ومتميزاً .هذا اللقاء جاء جريئاً في طرحه وبعيداً كل البعد عن الجاهز والتقليدي الذي يبعث الفتور في نفس المشاهد.
الذين يعرفون الفنان المدرس من الداخل ذهبوا بعيداً في إيجاد ما يبرر له هذه المغامرة التجريبية التي تحتاج إلى الكثير من الجرأة والحضور، و الذين لا يعرفونه أو تعمدوا ذلك ووجدوا في مشاركته في هذا البرنامج فرصة للطعن في خصوصيته. وتجربته الكبيرة، خاصة وأن فكرة البرنامج قامت على نقل حالة التواصل التي يمكن أن تتم بين الفنان التشكيلي والموسيقا التي يسمعها؟ وقد كان اللقاء بمثابة الصدمة القوية للذائقة التقليدية.. لقد عزف الدكتور سعد الله القلعة بعض الألحان في الوقت الذي وقف فيه المدرس أمام لوحته البيضاء المشدودة بمهارة. وبدأ يشكل ألوانه ومساحاته اللونية من وحي الموسيقا التي تبعثها أصابع العازف. وقد استطاع إلى حد بعيد عكس الحالة التي تخلفها الموسيقا. ونقلها إلى جسد اللوحة المستسلمة لضربات ريشته بكثير من المحبة والحنو.
قلت قبل قليل أن الذين يعرفون الفنان المدرس عرفوا، وأكدوا أن هذا اللقاء لم يكن تهريجاً أو صرعة تمارس على المشاهد الذي تحتل الأمية نسبة كبيرة في صفوفه. لكن الذين عرفوا المدرس جيداً لاشك لمسوا فيه الطفل البعيد الذي لم يغادره لحظة واحدة . وخبروه فناناً تشكيلياً متميزاً، وعازفاً بارعاً على أكثر من آلة موسيقية. واطلعوا على بعض أفكاره، وخاصة تلك التي يؤكد فيها أن الحياة في حد ذاتها ضرب من اللعب.. الذين عرفوا كل هذه لا شك أنهم توصلوا معنا إلى أن المدرس أراد أن يلعب بجرأة فنية وأمام ملايين المشاهدين، ليؤكد ثانية أن الفن والحياة ليسا كما نقرأ فقط في الكتب والمجلات. وأننا منذ اللحظة الأولى لولادتنا وحتى لحظه دخولنا القبر إنما نمارس لعبنا بالشكل الذي يحقق لنا توازننا الروحي وحضورنا الإنساني..
فتحية لجرأة المدرس وأصالته. وصدف مع نفسه. وتحية لبرنامج العرب والموسيقا الذي حاول أن يقدم ما يثير ويدهش فعلاً..