د. سعد الله آغا القلعة في مشروعه التلفزيوني

شعار كتاب الأغاني الثاني

جريدة تشرين السورية  / أحمد بوبس

 أسئلة كثيرة طُرحت علي، ونحن نتابع البرنامج التلفزيوني “فريد الأطرش” عبر القناة الأولى، والذي أعده وقدمه الدكتور سعد الله آغا القلعة، هذه الأسئلة تدور حول استخدام الدكتور آغا القلعة للكمبيوتر في برنامج، وهل هذا ضروري؟ أم كان بالإمكان تقديم البرنامج دون استخدام الحاسوب؟

في الواقع يمكن إعداد مثل هذا البرنامج بدون استخدام الحاسوب، ولكن لن يظهر بالشكل الذي شاهدنا من خلال البرنامج، ولن نحصل على المعلومات والتحليلات التي قدمها البرنامج بهذه الدقة، فالحاسوب يوفر هنا الكثير من الجهد والوقت، وعدم استخدامه يعني أن هناك الكثير من العمليات الفنية، والكثير من الجهد، ومع ذلك لن تكون النتيجة كما هي في استخدام الحاسوب، ويكفي أن أذكر بعض ما يستطيعه الحاسوب، ويصعب بدونه، فقد كان يُسجل طول نفس المطرب بالثواني أثناء قيامه بالاستعراض الصوتي، إضافة إلى تسجيل كلمات الأغنية أثناء أدائها، إضافة إلى البيانات الإحصائية، والتحليلية المهمة.

أما برنامج فريد الأطرش الذي قدّمه الدكتور سعد الله آغا القلعة عن أحد إعلام الموسيقا والغناء العرب فهو الثالث بعد برنامجي “عبد الوهاب مرآة عصره” و”أسمهان”، إضافة إلى برنامج “نهج الأغاني” الذي سعى إلى اختيار أحسن مئة أغنية عربية خلال القرن العشرين.

وفي برنامج “فريد الأطرش” سعى الدكتور آغا القلعة إلى إظهار جوانب مهمة من حياة وفن فريد الأطرش فتحدث عن المنابع الفنية التي استقى منها الأطرش معارفه الموسيقية، دون أن ينسى الإشارة إلى تأثر فريد بالتراث الموسيقي الشعبي لبلده سورية، والذي ظهر في الكثير من ألحانه المشهورة، نذكر منها على سبيل المثال لحن “يا ديرتي” الذي غنّته أخته أسمهان.

وتعرض البرنامج لنقطة هامة عند فريد الأطرش، تتمثل بشدة حساسيته، فقد كان يُتابع بدقة تفاعل الجمهور مع ألحانه. توقف البرنامج ملياً عند أسمهان ودورها في نجاح فريد كموسيقي، من خلال الألحان التي قدمها لها، وحقق بها نجاحاً كبيراً، ومن ثم الهزّة التي تعرض لها برحيل شقيقته، والتي كان يعوّل على صوتها الكثير، ومع ذلك فقد استطاع بعدها أن يستجمع قواه، ويُقدّم ألحاناً بديعة سواء لصوته، أو لأصوات غنائية أخرى مثل صباح فخري ونور الهدى ونازك ووردة الجزائرية ونجاة علي وفهد بلان ومحمد رشديوفايزة أحمد وغيرهم..

وفي ألحانه حاول فريد التنويع في القوالب الغنائية، فقدّم الأغنية الشعبية والأوبريت، والاستعراض الغنائي، وحتى حاول أن يترك مسحة من الكوميديا على بعض ألحانه التي ضمنها أفلامه، مثل أغنية يا سلام على حبي وحبك مع شادية.

ولعل أهم ما توقف عنده الدكتور سعد الله آغا القلعة في برنامجه، ذاك التنافس الذي اشتعل بين فريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب، وظهرت آثاره في الكثير من الأعمال الغنائية للاثنين معاً، فكان كل واحد منهما، عينه وأذنه على الآخر، فإذا قدّم أحدهما عملاً غنائياً ناجحاً، عمل الآخر إلى تقديم عمل مواز له، وقد يكون تقيلداً له، أو مستوحى منه، فعندما قدّم محمد عبد الوهاب أوبريت “انتصار الشباب” عام 1941، وبالمقابل عندما وضع فريد لحن “سهرت طول الليل”، رد عليه عبد الوهاب بأغنية “عندما يأتي المساء” مستخدماً نفس الإيقاعات.

كما وضع عبد الوهاب على منوال أغنية فريد ذاتها لحن أغنية “يا مسافر وحدك”.

جوانب كثيرة كشفها الدكتور سعد الله آغا القلعة عن فن فريد الأطرش في برنامجه يصعب حصرها في هذه العجالة لكن لا بد من التوقف عند الغناء الوطني الذي قدّمه فريد، وهو أن كان مقلا في هذا الجانب بالمقارنة مع محمد عبد الوهاب، إلا أنه قدّم أعمالاً غنائية وطنية ضخمة مثل أوبريت “بساط الريح” وأغنية “يا بلادي” وألحانه للوحدة التي استمعنا إليها بصوت صباح مثل أغنيات “حموي يا مشمش” و”من موسكي لسوق الحميدية” و”حلو يا فستان يا جديد” ولم ينس البرنامج الفترة الأخيرة من حياة فريد في لبنان، والألحان التي قدّمها مثل “لاكتب ع وراق الشجر” و”تأمر ع الرأس وع العين” وفيها ظهر الطابع الشامي لألحانه.

وبرنامج “فريد الأطرش” يأتي ضمن مشروع كبير للدكتور آغا القلعة لتوثيق أعلام الموسيقا والغناء العربي في القرن العشرين، تحت عنوان “كتاب الأغاني الثاني” تمشياً مع كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، وإن كنت أرى أن تسمية الكتاب غير مناسب لهذا العمل، فالكتاب من الكتابة ونحن نشاهد ونستمتع ونقرأ في آن معاً، وأعتقد أن تسمية موسوعة هو الأكثر ملاءمة.

وضمن هذا المشروع شاهدنا برنامج “عبد الوهاب مرآة عصره” و”أسمهان” و”نهج الأغاني” وفي هذا الأخير سعى الدكتور سعد الله آغا القلعة إلى اختيار أهم مئة أغنية عربية في القرن العشرين، وتم تقديم هذه الأغنيات بصوت المطرب الكبير صباح فخري.

في برامجه الأربعة، اختط الدكتور سعد الله آغا القلعة أسلوباً جديداً في تقديم البرامج التلفزيونية الغنائية باستخدام الحاسوب، حيث وقفنا أمام الإمكانات الكبيرة لهذا الجهاز الحضاري، ونحن بانتظار برامج جديدة عن أعلام آخرين في الموسيقا والغناء، ونأمل أن يكون للموسيقيين السوريين أمثال الشيخ علي الدرويش، وأبي خليل القباني وصباح فخري وعمر البطش وسواهم، نصيب من البرامج القادمة، وإن كنت أرى صعوبة في تقديم برامج عن هؤلاء باستثناء صباح فخري فالمادة المصورة معدومة تماماً عن الآخرين باستثناء بعض الصور الفوتوغرافية، والبرامج التي شاهدناها اعتمدت بشكل أساسي على الأفلام السينمائية التي مثل فيها كل من عبد الوهاب وفريد الأطرش وأسمهان لتقديم المادة المصورة.

Tagged , , , , . Bookmark the permalink.

Comments are closed.

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading