مجلة المستقلة- العدد 159 تاريخ 26/5/1997
بدأ التلفزيون السوري منذ مطلع شهر أيار/مايو الجاري يبث حلقات البرنامج الموسيقي التوثيقي الهام ” نهج الأغاني” الذي أعده وقدمه وأشرف على إنتاجه الباحث الموسيقي د. سعد الله آغا القلعة، وحصد به جائزة أفضل تقديم في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون العام الماضي.
* الأصفهاني معاصراً
يقوم البرنامج في فكرته الأساسية على متابعة عصرية لحدث مهم كان له أكبر الأثر على تاريخ الغناء العربي .. ما هو هذا الحدث ؟! طلب الخليفة هارون الرشيد في عهده إلى لجنة من خيرة الملحنين والمغنين أن يوثقوا لأهم مئة أغنية في تاريخ الغناء العربي. وبعد جهد شاق قاموا باختيار الأغاني المائة ،ثم اختاروا من المائة عشر أغان كما طلب إليهم مجدداً. ثم طلب إليهم اختيار ثلاث أغان فقط ففعلوا ،وبرروا ذلك بأن هذه الأغنيات الثلاث اختزنت الغناء العربي كله. بعد قرنين من هذا الحدث الهام الذي يمثل أول عملية نقد وتوثيق في تاريخ الغناء العربي جاء أبو الفرج الأصفهاني ليوثق للأغاني المئة في محورين : الأول :الذين أبدعوا هذه الأغاني الثاني :. الأغاني المئة المختارة لكنه لم يستطع توثيق الألحان بطبيعة الحال.. فضاع علينا أهم مئة لحن عربي. والآن وبعد مرور عشرة قرون على “أغاني” الأصفهاني، يأتي د سعد الله آغا القلعة ليوثق لأهم مئة أغنية عربية قبيل انقضاء القرن العشرين لكنه لا يكتفي بتوثيق كلماتها وأسماء الشعراء الذين كتبوها والملحنين والمغنين بل يوثق بالصوت والصورة الألحان مستعيناً بصوت وأداء الفنان الكبير “صباح فخري ” الذي سجل للبرنامج غناء بعض الألحان التي سيتم تحليلها في البرنامج وعبر توظيف متقن لتقنيات الكومبيوتر.
* إشراك المشاهد
يقوم د سعد الله آغا القلعة معد ومقدم البرنامج بتحليل وتوثيق الأغاني المختارة، مستعينا بذاكرة الكومبيوتر التي قامت بتخزين كل ما صدر عن فن الغناء العربي من كتب ومراجع فيها وهو لا يتكىء على ذاكرة الكومبيوتر ليستمد معلوماته الشخصية التي سيدلي بها أثناء التقديم،بل يقود المشاهد معه في عملية توثيق على الشاشة ، ثم عملية محاكمة وتحليل يكون المشاهد شريكاً في استنباط معلوماتها أولاً، وفي تثبيت أفكارها واستنتاجاتها ثانياً كذلك يقدم لنا هذا البرنامج كماً من التسجيلات الصوتية النادرة التي استطاع د. القلعة الحصول عليها إما من مكتبته الخاصة، أو من المهتمين بالتسجيلات النادرة، بفضـل علاقاته الشخصية، والاحترام الخاص الذي يحظى به لدى كل عشاق تراث الغناء العربي، لما يمثله من عملية تستند إلى ذائقة رفيعة واطلاع موسوعي مذهل
* جهد شخصي .. واستثنائي
إن نظرة على الحلقات التي عرضت من هذا البرنامج لاشك ستدهش المتابع والمهتم لتلك القدرة الفذة التي يتمتع بها معد البرنامج ومقدمه في عرض الموضوع وإيصال أدق الأفكار الجزئية التي تظهر في السياق التحليلي ، إيصالها إلى المشاهد العادي بوضوح بعد إغنائها بالشواهد الأرشيفية المناسبة سواء تلك المصنعة للبرنامج خصيصاً، أو المستقاة من تسجيلات صوتية تتم معالجتها أصولاً،أو تلك المستقاة من أعمال تلفزيونية وسينمائية صوتاً وصورة معاً. ولا بد من توجيه المرء تحية احترام للدكتور القلعة الذي حفظ الحقوق الأدبية لكل المؤلفين الذين وضعوا كتب عن الغناء العربي، عن طريق ذكرهم على شاشة الحاسوب لدى الاستعانة بأية معلومات في أي من كتب هؤلاء.
أخيراً إن برنامج “نهج الأغاني” هو جهد شخصي خالص لباحث استثنائي هو الدكتور سعد الله آغا القلعة، وأستطيع أن أزعم أن أحداً لا يستطيع تنفيذه على هذه الصورة غيره كما أن البرنامج يستحق جائرة أفضل إعداد وتقديم معاً.