جريدة الحرية التونسية بقلم : شكري العياري – تونس
13/سبتمبر 1995
“عبد الوهاب مرآة عصره، هو عنوان ذلك البرنامج الذي قدمه لنا سعد الله آغا القلعة تناول فيه وبأسلوب علمي تحليل الأعمال الموسيقية للأستاذ محمد عبد الوهاب، انطلاقاً من الذاتي والموضوعي الذي نحت شخصية صاحب أغنية “الكرنك” فكان عرضاً أركيولوجياً موسيقياً وقفناً عنده بانتباه شديد علّنا نقف على سبب التراجع الخطير في مستوى الأغنية العربية وكان لنا ما أردنا من خلال ما قدمه “القلعة” الذي كشف لنا لماذا كان عبد الوهاب كذلك.
ومنذ مدة شرعت القناة 7 للتلفزة الوطنية في تقديم عمل آخر في نفس السياق يتناول فيه صاحب” عبد الوهاب مرآة عصره” أعمال الفنانة أسمهان وكانت المفاجأة منذ الحلقة الأولى عندما لاحظنا تلتك “الميتودولوجيا” في تحليل أغاني الفنانة أسمهان إذ انطلق القلعة” بتحديث” مفهوم الصراع الفني القائم في تلك الفترة وهو صراع “هير مونطيقي” أي تأويل استيعاب ألحان محمد عبد الوهاب لصوت أسمهان و”إقصاء ” شقيقها فريد الأطرش الذي حاول تبني صوت شقيقته. فكانت تلك النتيجة أن تميزت أسمهان في أداء الأغاني الدينية “عليك صلاة الله وسلامو” للموسيقار محمد عبد الوهاب واكتشاف الطابع الوهابي المختلف من حيث النسق عما أدته كوكب الشرق أم كلثوم.
إذن هذا الصراع بين عبد الوهاب وفريد الأطرش الذي سيتواصل والغاية منه خلق صوت جديد يضيف للساحة الموسيقية صراع مشروع بحكم ترويض العقل الموسيقي في تلك الفترة.
لكن السؤال المطروح وانطلاقاً من الصوت الجهوري لأسمهان هل كانت ستكون لولا عبد الوهاب؟ هذا ما سنعرفه في نهاية هذا البرنامج وهذا ما سيجيبنا عنه سعد الله آغا القلعة.
وعليه ومن هذا المنطلق نتساءل هنا ما هي طبيعة الجدلية القائمة بين اللحن والكلمة والصوت؟ هل هي جدلية حتمية داخل الفضاء الموسيقي؟ أم أنها جدلية يمكن اعتبارها مركبة في حالة وجود شخص اسمه عبد الوهاب؟
ومن المشروع هنا أن نتساءل عن فضائنا الموسيقي التونسي اليوم وما أصبحنا نزعج به أسماعنا، فهل هناك أزمة لحن أم أزمة كلمة أم أزمة أداء أم أزمة ذوق.
أم هي أزمة عصر بأكمله؟ ومن مجموع هذه التساؤلات قد نلفت نظر أهل الاختصاص إلى طرق الموضوع من كافة جوانبه منطلقهم في ذلك، برنامج سعد الله آغا القلعة، الذي يعتبر نموذجاً في التحليل والتأويل والحفر الأركيولوجي للأخطاء الموسيقية والصواب منها.
وفي اعتقادنا أن أصحاب المنوعات التليفزيونية سواء المباشرة منها أو المسجلة بإمكانهم القيام بهذه المهمة بشرط حسن اختيار من هم جديرون بالتحدث في المجال الموسيقي ليس التحدث فقط بل البحث والتمحيص لوضع حد لهذا الإسهال من الأغاني التي فاقت الحد في الشذوذ عن القاعدة.