أنشر اليوم اسكتش الضيعة والمدينة كاملاً ، وهو لوديع الصافي وصباح ، وقد ورد في سياق فيلم ” انت عمري ” ، من أعمال عام 1964 .
لمتابعة أفضل لهذا الاسكتش ، فقد رأيت أن أمهد له بهذه اللمحة التاريخية :
أعلن الجنرال غورو حالة الطوارئ في بلاد الشام ، التي وقعت تحت الانتداب الفرنسي في 27 تموز / يوليو 1920 ، و أعلن تقسيمها إلى عدة دويلات ، كان منها دولة لبنان الكبير ، التي أصبحت بيروت عاصمة لها . تشكلت الدولة الجديدة من عناصر لم يكن يجمعها كيان إداري واحد في إطار الدولة العثمانية : متصرفية جبل لبنان ، وولاية بيروت ، ولواء طرابلس ، و أقضية أربعة في سهل عكار ، كانت تتبع ولاية دمشق. ثم صدر دستور 1926 في لبنان ، الذي شجع هجرة سكان الريف والجبل إلى المدينة ، لتحقيق المزيد من التلاحم بين مكونات الدولة ، وهكذا انتقل الكثير من سكان قرى جبل لبنان إلى بيروت على مدى الأعوام التالية..
اسكتش “الضيعة والمدينة”، ، وثق لهذا الوضع الجديد ، من خلال قصة بسيطة ، بنيت عناصرها الدرامية على حبيبين جسدهما : وديع الصافي و صباح ، هو يدعوها للبقاء في الضيعة ، كما هي العادة المتوارثة ، وهي تؤكد قرارها في الاستقرار في المدينة الجاذبة ، ما سيبعد الحبيبين عن بعضهما.
كتب مارون كرم النص ولحنه وديع الصافي وغناه ، مع السيدة صباح .
جاء اللحن في غناء وديع في البداية على مقام الهزام ، مستقراً على درجة السي نصف بيمول ( لذا يصبح اسمه: راحة الأرواح ) ، ولما كان وديع الصافي رجلاً لا تسيطر عليه دوافع التفوق أمام صباح ، فقد قرر أن يوفر لنفسه طبقة صوتية ملائمة ، وهذا طبيعي ، ولكنه قرر أن يوفر للسيدة صباح أيضاً طبقة موسيقية ملائمة لصوتها ، فيما ستغنيه هي ، وعلى المقام ذاته . من أجل ذلك ، و قُرَيْبَ اختتامه للمشهد الخاص به ، قام وديع بعملية نادرة موسيقياً ، تعتمد على إدراك داخلي لتسلسلات الأصوات الموسيقية ومواقعها ، وهي أن يقوم بنفسه ، بدون أي دعم من الموسيقيين ، في الدقيقة 1:42 بتصوير مقام الهزام على درجة الصول بصوته ، بما يعني تخفيض الطبقة الموسيقية بدرجتين صوتيتين ( عملياً درجة و ثلاثة أرباع الدرجة ) ، ثم يكرر هذه العملية مباشرة ، في الدقيقة 2:14 ، بالانتقال بصوته إلى تصوير مقام الهزام على درجة المي نصف بيمول ، بما يعني تخفيض الطبقة الموسيقية بدرجتين صوتيتين إضافيتين ( عملياً درجة و ثلاثة أرباع الدرجة ) ، ويجعل الناتج الإجمالي للتخفيض ، يصل إلى 4 درجات صوتية ، فتصبح الطبقة الموسيقية ملائمة تماماً لصوت السيدة صباح ، إذ أنها تدخل في الغناء ، في منطقة الأصوات الحادة ، على الطبقة الجديدة!
أؤكد هنا على نقطة هامة ، وهي طول مدة إطلاق الصوت دون تنفس عند وديع وصباح ، في التغريدات الجبلية المشهورة. استطاع وديع أن ينفذ مسمعاً امتد ل 18 ثانية متصلة دون تنفس ، ابتداءاً من الثانية 20 من التسجيل ، أي في بداية غنائه ، وهي مدة طويلة ولكنها ليست استثنائية ، فيما استطاعت صباح أن تنفذ مسمعاً امتد ل 25 ثانية ، تبدأ عند الدقيقة 2:30 ، أي في بداية غنائها ، وهذه مدة استثنائية ، بل نادرة! ومع ذلك ، لم يسعَ وديع للتفوق من خلال الطبقة الموسيقية ، التي هي من صلاحياته كملحن ، ليوازن بين عنصري الطبقة الموسيقية وطول مدة انقطاع التنفس ، فوفر لصباح الطبقة الموسيقة الملائمة لها ، واستحق مني كل تقدير!
تضمن الاسكتش عدة أغنيات ، متناوبة مع مشاهد مرسلة على أسلوب الموال ، وقد أدى وديع غناءه مرتدياً زيَّ الضيعة التقليدي ، و أدت صباح دورها وقد ارتدت زيَّ المدينة ، و جهزت نفسها للهجرة ، إلى المدينة الساحرة بيروت ، قبل أن تعود لتقرر البقاء في الضيعة!
نص المشهد كاملاً:
وديع: هيهات يامّ الزلف عيني يا موليّا
وديع : ما ببدلك يا ضيعتي بكل المدنية
سلوى يا بسمة أمل عا شفاف ضيعتنا
لما صباك اكتمل نويتي عا فرقتنا
بحقولنا طاب العمل ضلّك برفقتنا / انتقال مقامي أول
ضياعنا ما بتنهمل جنة طبيعية / انتقال مقامي ثانٍ لتسليم صباح
صباح بدور سلوى : أوف بضياعنا غير التعب والشغل ما عنّا
قلبي للمدينة انوهب اللي فيها الحلى غنّى
اليوم الزمان انقلب وكلّنا منتمنّى
نلبس حرير وقصب وفساتين مكوية
وديع والمجموعة:
حسدتنا العالم حسدتنا على ضيعتنا وشو ضيعتنا
ورد وفي وخضرة ومي ما في أحلى من عيشتنا
يا حياتي على ضيعتنا
صباح :
لا التفاحة ولا الزيتونة عن هالسفرة راح يغنوني
أهلي شهادة ما عطيوني تا يودوني على حقلتنا
وديع :
اليوم الضيعة غير الماضي اللي عايش فيها باله فاضي
المي عم تروي هالأراضي الكهربا وصلت على خيمتنا
صباح :
كله هيدا مش نافعني ولا عم بفهم شوعم تعني
بدي إرحل لا اتقنعني تبقى سلم على ضيعتنا
انتقال وديع لمقام النهاوند في لحن مرسل :
ولو : شو صار مدري بحالها شو صار * لا علم من صوبا ولا أخبار
بكتب لها بيعود مكتوبي * مرتجع ما في حدا بالدار
اللحن يداخله الإيقاع مع انتقال للبيات واختتام على النهاوند
وبيعملوا جلسات أهل الحي * قال لازم شد حالي شوي
قلت لهم ياللي بإيده مي * مش متل ياللي في بإيده نار
المقام بيات مع ختام نهاوند دائماً
يا ريت قلبي بيحملوه شي يوم * كانو علي ما بيحطوا اللوم
بضل بتخانق أنا والنوم * وحياتها ما بنان ليلي نهار
يا غايبة وبالفكر موجودة * عودي كفانا حرقصة عودي
وبيكرجوا الدمعات عا خدودي * كل ما اسمك عا بالي دار
صباح تدخل في الغناء على مقام البيات:
يا بيتنا ما أكرمك يا بيتنا * عا محبة أرضنا ربيتنا
علمتنا الحب والإيمان * وعا الطريق الصالحة ورجيتنا
ثم تدخل في أغنية يا بيتي:
يا بيتي يا بويتاتي * يا مستّرلي عويباتي
فيك خلقت وفيك ربيت * وفيك بقضي حياتي
ع المحبة وع الإيمان * ع الخير وحب الأوطان
فيك خلقنا وربينا * رزق الله أيام زمان
يوم اللي كنت مليان * يوقف بييَ فينا
يا ولادي يا رجواتي
وجدي يعبي الكوارة * من الغلة ال بالدوارة
ويا عيني هاك الغلة * وحكاية إم بشارة
ست البيت الختيارة * قديش كانت تقل لي
يا سلوى يا رزقاتي
وكيف ما رحنا وما جينا * أنوارك عم تهدينا
ومشعالك عم يضوي الدرب * ومهما كبرنا عالينا
تبقى تعاليمك فينا * تهدينا ع دروب الحب
يا بيتي يا بويتاتي
وديع على مقام البيات:
أهلا وسهلا بالغزال اللى طل * ويا صباح الورد قبل الفل
إلنا يا سلوى ناطرين كتير * تانشوف نورك عالجناين هل
صباح :
معنا بعدك وبتضل معنا * مادام للحب بين الناس معنى
ومهما قلبت الأيام معنا * لغيرك ما منفتح ها الأبواب
يا حبيبي
وديع: مقام بيات
خضرا يا بلادي خضرا ورزقك فوار * محروسة بعين القدرة تبقى هالدار
وديع : أول ما الشمس بتوعى علينا بتطل * الليل من شموعا أنوار تهل
صباح : بجنايننا المزروعة ياسمين وفل * طفل وطفلة دلوعة يسقوا الأزهار
وديع : ينطوا من شجرة لشجرة تيغموا عشوش * ومن راس التوتة الخضرا شو نقوا كبوش
صباح : طفلة ما عمرا عشرة تحمل منكوش * وطفل يقول لها يا سمرا مشي مشوار
وديع : الدنيا بعينيهم بسمة ونغمة عصفور * وفوق شفافن مرتسمة هالات النور
صباح : ساعة يحكوا عا الرسمي وساعة بسرور * وبالآخر مثل النسمة يعودوا عالدار
وديع وصباح : يا الله تبقى هالدار