أجيب اليوم عن سؤال هام وصلني على بريد صفحتي الخاص على موقع فيس بوك : لماذا تأخر التأريخ للموسيقى العربية نسبة للأمم الأخرى ؟ وهل هناك من معالجة لهذا الواقع ؟
أجيب اليوم عن سؤال هام وصلني على بريد صفحتي الخاص على موقع فيس بوك : لماذا تأخر التأريخ للموسيقى العربية نسبة للأمم الأخرى ؟ وهل هناك من معالجة لهذا الواقع ؟
وإليكم الإجابة التي أنشرها لتعميم الفائدة والتي أضعها تحت عنوان:
خلافاً للمتداول : في كتابة تاريخ الموسيقى ، النص هو نصف الحقيقة ، والتسجيل الصوتي ، إن وجد ، فهو الأساس.
تختلف عملية كتابة تاريخ الموسيقى عن عملية تأريخ أي نشاط إنساني آخر ، نتاجه قابل للطباعة على الورق ، وذلك نظراً لخصوصيتها ، المتمثلة أساساً ، في تداخل الوثائق المكتوبة التي تحمل التأريخ ، مع الوثائق السمعية والبصرية ، التي تشكل المنتج الموسيقي التقليدي الذي يؤرَّخُ له .
تسبب هذا في ثغرات كثيرة في نتائج عمليات تأريخ الموسيقى ، بسبب الفصل التام بين النص التاريخي ومضمونه الموسيقي ، على مستوى التطبيق الفعلي ، إذ لم تكن هناك أي إمكانية ، لتجسيد الوثائق المكتوبة والوثائق السمعية البصرية ، على حامل واحد ، يسمح بضبط التجانس بين المعلومات التي تحملها، والنتائج التي يتم التوصل إليها.
بالمقابل ، لم تتأثر عمليات التأريخ لمجالات النشاط الإنساني الأخرى بهذا الواقع ، فالتأريخ للفلسفة أو الأدب أو الشعر أو التصوير ، على سبيل المثال ، ممكن ، حيث النص الحامل للتأريخ ، و النص الحامل للمنتج النهائي المؤرخ له ، أو الصورة ، قابلان للتجسيد على حامل واحد ، يسمح بالمقارنة والتدقيق المباشر.
نعم : المشكلة في التأريخ للموسيقى ، أن النص الحامل للتأريخ لا يشكل إلا نصف الحقيقة ، التي لا تكتمل إلا بالتسجيل الصوتي ، إن وجد ، فهو الأساس ، لتأريخ متكامل ذي مصداقية.
ورغم أن هذا الواقع أدى إلى تأخر التأريخ للموسيقى عند الشعوب كافة ، نسبة لمظاهر النشاط الإنساني الأخرى ، فقد استطاعت أمم عديدة أن تنجز التأريخ لموسيقاها ، بالوسائل المتاحة ، فيما بقي العرب بعيدين عن إنجاز هذه المهمة التاريخية.
المعالجة ممكنة
ولكن التطور الكبير الذي شهده التوثيق الرقمي للنصوص و الوثائق السمعية والبصرية في العقود الأخيرة ، و بسبب تطور الأدوات المعلوماتية ، وفَّر أمالاً كبيرة في تجاوز العوائق الموصوفة أعلاه ، ولكنه تسبب ، وبالنسبة لعملية تأريخ الموسيقى ، في ضرورة إعادة النظر في المنهجيات التقليدية ، لعدم صلاحيتها ، سواء لجهة توثيق المعلومات ، أم لتقاطعها و لتحليلها أم لاستغلالها ، كما ولَّد خيارات متعددة لها ، بسبب الإمكانيات المتعددة لتداخل المضمون الموسيقي وحوامله المكتوبة والسمعية والبصرية ، مع أحدث التقنيات المعلوماتية ، التي توظف آليات البحث ، و التأليف الرقمي التشاركي ، و التغذية الراجعة الآنية ( بغرض التدقيق وتوثيقه ) ، للوصول إلى المنتج النهائي ، الذي أصبح موحد الحامل. وهو ما أجسده في الكثير من المنشورات على موقعي على الإنترنت ، حيث يتداخل النص مع الوثائق السمعية والبصرية بليونة كاملة.( اللون الأزرق ، المتداخل مع النص ، في الصورة المرفقة من موقعي ، هو لمشغل صوتي ، يسمح بالاستماع المباشر إلى اللحن ، موضوع البحث ، كما تُظهر الصورة تداخل المفات السمعية البصرية ، مع الصورة ، مع الملفات الصوتية ، ضمن النص ذاته ، لتسهيل المقارنات).
من هنا فإن علينا ألا نقلد تجارب الدول الأخرى المنجزة في تأريخ الموسيقى، لأنها تمت في ظروف سبقت ولادة الأدوات المعلوماتية في صورتها الحديثة ، وعلينا أن نبني تجربتنا المتأخرة ، باستخدام أحدث التقانات ، وخاصة في تقاطع المعلومات ، بين ما هو مكتوب ومكتوب ، ولكن أيضاً بين ما هو مكتوب ومسجَّل ، حيث هناك الكثير من الأخطاء والمغالطات التي انتشرت واعتبرت حقائق ، عندما كانت ترد مكتوبة في الكتب ، بينما تكشف أي مقارنة بسيطة بينها وبين التسجيل الصوتي زيف التحليل الوارد و ضعف النتائج.
صورة لنص من نصوص موسوعة كتاب الأغاني الثاني يبين تداخل النص مع التسجيلات الصوتية والبصرية
إذاً ، المعالجة ممكنة ، وحرق المراحل ممكن ، إن توفرت مؤسسات تهتم بإنجاز هذه المهمة ، إلا أن الواقع ، للأسف ، لا ينبئ بتوفر أي مؤسسة تتصدى لهذه المهمة ، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية!