أختتم اليوم ، مع نسخة موشح ملا الكاسات ، بصوت السيدة ليلى مراد ، سلسلة نشرات ، سلَّطتُ فيها الضوء على هذا الموشح ، وهو من ألحان محمد عثمان ، في نسخ متعددة ، بصوت الأستاذ محمد خيري أولاً ، حيث تم تحليل الموشح كاملاً ، ثم بصوت السيدتين سعاد محمد ونعمة ، وصولاً إلى نسخة اليوم ، بصوت السيدة ليلى مراد ، وذلك في سعي للإجابة عن سؤال غريب : هل بنى محمد عثمان لحنه لموشح ملا الكاسات لكي يؤديه الرجال فقط؟
كان هذا السؤال قد تولَّد بعد ملاحظة أن دور مجموعة الكورس في الموشح ، التي كانت تقليدياً مشكلة من الرجال ، يمتد على مساحة صوتية واسعة ، تصل إلى 13 درجة صوتية ، ما جعل هذه المساحة تصل إلى الحدود القصوى للإمكانات الصوتية الاعتيادية للكورس ، و ما تسبب بالتالي في صعوبة تحريك الطبقة الموسيقية للموشح ، لكي تتلاءم مع المجال الصوتي للنساء ، في حال رغبة مطربة في أدائه!
كنتُ أشرت في النشرات السابقة إلى أن السيدة سعاد محمد ، اضطرت لأداء الموشح ، ضمن الطبقة الموسيقية الخاصة بالرجال ، وهي الطبقة الموسيقية التي نفذ فيها الأستاذ محمد خيري نسخته ، وذلك رغم إدراكها بأن بريق صوتها سيتأثر! وأن السيدة نعمة سعت لتجاوز ذلك ، برفع الطبقة الموسيقية للموشح ، بمقدار درجة صوتية ونصف ، ليصبح ملائماً أكثر لصوتها ، ولو على حساب الكورس ، الذي لاحظنا في تسجيل الأمس ، غياب صوته عندما يصل الأداء إلى الأصوات الأحدّ ، ليؤدي تلك ألأصوات في طبقة الأصوات المتوسطة ، ثم ليعود إلى استكمال الأداء مباشرة بعدها ، في منطقة الأصوات الحادة!
أذكِّر هنا أنني كنت قد شرحت مسارات الموشح ، و المقامات التي يمر اللحن عليها ، وكذلك موضوع اختلاف الطبقة الموسيقية بين الرجال والنساء ، في النشرات السابقة ، وآمل ممن فاته متابعة تلك النشرات ، أن يعود إليها قبل المتابعة.
التسجيل
جاءت نسخة السيدة ليلى مراد ، لموشح ملا الكاسات ، في سياق فيلم عنبر ، الذي عُرض لأول مرة في 1 تشرين الثاني / نوفمبر 1948 ، من إخراج أنور وجدي ، وموسيقى وألحان محمد عبد الوهاب ، وبطولة أنور وجدي و ليلى مراد.
نتيجة لما سبق عرضه في النشرات السابقة ، حول الطبقة الصوتية ، فإننا نجد أن السيدة ليلى مراد ، وبرغبة متوقعة من الأستاذ محمد عبد الوهاب ، أدت الموشح ، بعد رفع الطبقة الموسيقية بمقدار درجتين صوتيتين كاملتين ، وهو ما سمح لبريق صوتها أن يحقق أفضل حالة ممكنة في هذا الموشح.
من أجل تنفيذ هذا التحريك ، ولكي لا يؤدي إلى غياب صوت الكورس في منطقة الأصوات الحادة ، بشكل أكثر وضوحاً مما لاحظناه في نسخة السيدة نعمة ، فقد لجأ الأستاذ عبد الوهاب ، إلى البحث عن مجموعة من المغنين القادرين على الوصول إلى أحدّ الأصوات ، لتشكيل مجموعة الكورس ، وللمقارنة فقط ، أبين هذا التحريك ، تطلب أن تصل أصوات مجموعة الكورس من الرجال ، إلى درجة اللا جواب ، وهي درجة صوتية أكثر حدة ، من أحدّ الدرجات الصوتية التي وصل إليها الأستاذ محمد خيري في نسخته ، والتي كانت درجة اللا بيمول ، كما سبق شرحه في تحليل نسخته!
تم ذلك ، وتم تأمين هذه الأصوات المميزة من الرجال ، القادرة على أداء الأصوات الأكثر حدّة ، لأداء المشاهد المخصصة للكورس في نسخة ليلى مراد ، و خاصة مشهد الخانة : مُليمي لا تسل عني! ما سمح للسيدة ليلى مراد ، أن تؤدي الموشح في أفضل صورة ممكنة لصوتها.
ولكن المفاجأة كانت في أن المشاهد الخاصة بالكورس ، في تناوب أدائه مع السيدة ليلى مراد ، وبسبب وصوله إلى منطقة حادة لم يسبق لكورس في الغناء العربي أن وصل إليها ، اجتذبت البريق إليه ، وأصبح هو بطل الموشح ، على حساب السيدة ليلى مراد! ما يعني أن محمد عثمان استطاع رغم كل المحاولات ، أن يبقي موشحه محققاً للبريق الأكمل لأصوات الرجال!
إطار التسجيل
في حديثي عن نسخة السيدة نعمة لموشح ملا الكاسات ، امتدحتُ الإطار الذي تم فيه التسجيل ، فيما أرى هنا ، أن الإطار الذي قدِّمت فيه نسخة ليلى مراد من الموشح لم يكن ملائماً أبداً : أعداد هائلة من الراقصات ، في الزي الخاص بالرقص الشرقي ، لاضرورة لها ، وإن وُجدت تلك الضرورة ، فكان حرياً بالمخرج الأستاذ أنور وجدي ، أن يعتمد الزي الخاص برقص السماح ، المرافق عادة للموشحات ، أسوة بالزي الذي ظهرت به ليلى مراد ؛ صورةُ القمر في الخلفية ملائمة ، ولكن صورة المآذن ، لم تكن تتلاءم مع أزياء الرقص المشار إليها!
تجدر الإشارة أيضاً ، إلى أن المدقق في التسجيل ، يكتشف وجود لحن بوليفوني مرافق لأداء الكورس ، أثناء أدائه لمشهد الخانة : مُليمي لا تسل عني ، وبشكل خافت نوعاً ما ، ما جعله يبدو كضجيجٍ مرافق ، فهل كانت الغاية التخفيف من بريق أداء الكورس؟!
أخيراً ، وبناءاً على ما سبق ، أستطيع القول بأن محمد عثمان ، نجح في حصر البريق ، لدى أداء موشحه ملا الكاسات ، بالرجال ، رغم كل المحاولات التي سعت لتجاوز ذلك!
نص الموشح
دور أول:
ملا الكاسات وسقاني نحيل الخصر والقد
دور ثانٍ :
حياة الروح في لحظه سباني لحظه الهندي
الخانة:
مُليمي لاتسل عني ودعني على عهدي