طرحتُ في نشرة سابقة كانت حول أداء السيدة سعاد محمد لموشح ملا الكاسات سؤالاً غريباً : هل بنى محمد عثمان لحنه لموشح ملا الكاسات لكي يؤديه الرجال فقط؟
جاء ذلك بعد نشرة سبقتها كانت حول أداء الأستاذ محمد خيري لموشح ملا الكاسات.
تولَّد ذلك السؤال ، بعد ملاحظة أن المساحة الصوتية لموشح ملا الكاسات ، التي تمتد على مساحة صوتية واسعة ، تصل إلى 13 درجة صوتية ، كانت تلامس الحدود القصوى للإمكانات الصوتية الاعتيادية لمجموعة الكورس ، التي كانت تقليدياً تتشكل من الرجال ، ما تسبب بالتالي في صعوبة تحريك الطبقة الموسيقية لموشح ملا الكاسات ، لكي تتلاءم مع المجال الصوتي للنساء ، في حال رغبة مطربة في أدائه! أدى هذا بالتالي إلى أن السيدة سعاد محمد ، اضطرت لأداء الموشح ، كما رأسنا في تلك النشرة السابقة ، ضمن الطبقة الموسيقية الخاصة بالرجال ، رغم إدراكها بأن بريق صوتها سيتأثر!
أذكِّر هنا أنني شرحت في تلك النشرة السابقة موضوع اختلاف الطبقة الموسيقية بين الرجال والنساء.
طبعاً كان هناك حلٌّ يتجسد في تحريك الطبقة الموسيقية نحو الأعلى ، والتغاضي عن غياب صوت الكورس ، عند وصوله إلى الأصوات الحادة ، التي تخرج عن مجاله الصوتي المعتاد ، بفعل تلك الحركة الانزلاقية. هذا ما فعلته المطربة نعمة ، أو معد التسجيل ، الذي أعرض له اليوم ، والذي تم لصالح التلفزة التونسية ، في بيت السيدة نعمة ، كما علمتُ لاحقاً ، حيث تم تحريك الطبقة الصوتية للموشح ، بمقدار درجة ونصف الدرجة نحو الأعلى ، فتم تنفيذه على مقام الراست وعلى درجة المي بيمول.
المطربة نعمة
ولدت السيدة نعمة في عام 1934 في ولاية نايل التونسية . تعلمت الغناء في المدرسة الرشيدية في تونس العاصمة ، بإشراف الموسيقار الراحل صالح المهدي ، الذي سمّاها نعمة ولحَّن لها بعض الأغنيات . ولما كانت الإذاعة التونسية تنقل حفلات المدرسة الرشيدية ، فقد عرف الجمهور صوت نعمة ، و سرعان ما انتشرت شهرتها.
التسجيل
لنتابع التسجيل ، ونلاحظ غياب صوت الكورس في الأصوات الحادة ، في الدقيقة 1:43 من التسجيل ، عند : مُليمي لا تسل عني ، لتؤدى الدرجتان الصوتيتان الأحدّ ، في طبقة الأصوات المتوسطة ، ثم ليعود الكورس إلى استكمال الأداء مباشرة بعدها ، في منطقة الأصوات الحادة! وهو ما يتكرر في الدقيقة 2:26 ، مع بروز أكبر لبعض الأصوات النسائية ، لدعم مجموعة الرجال في تلك المنطقة ، بما فيهم السيدة نعمة ، ويمكن هنا ملاحظة أن السيدة نعمة ، عندما تؤدي هذا المقطع : مُليمي لا تسل عني ، فإنها تؤديه بسهولة ، لأنه يقع في منطقة الأصوات المتوسطة بالنسبة لها كإمرأة!
يجدر التنويه بأداء السيدة نعمة ، وخاصة حوالي الدقيقة 5:40 من التسجيل ، للتلوينات المقامية أثناء أداء ” الهنك ” ، وأهمها آخرها ، عندما تستقر على مقام الهزام ، في تمهيد للعودة إلى اللحن الأصلي.
بالمناسبة ، أعتقد أن الإطار الذي قُدِّم فيه التسجيل ، ملائمٌ تماماً لتقديم التراث ، إذ خرج التسجيل عن الأسلوب التقليدي للتسجيلات التلفزيونية ، ليأخذ طابع السهرة ، التي يتشارك فيها الجميع في الأداء ، بما في ذلك التشجيع ، وإظهار علائم الاستحسان ، من قبل المنفذين أنفسهم ، دون وجود جمهور حقيقي ، وكأنه نقل أجواء السهرة الخاصة إلى التلفزيون . يذكرني هذا ببدايات عمليات التسجيل للأسطوانات ، في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي ، عندما كان الموسيقيون والكورس يتشاركون في تشجيع المطرب ، وإظهار استحسانهم لأدائه ، لكي يستجيب ، ويدخل في المزاج اللازم للارتجال والإبداع ، نظراً لاعتياد المطربين في ذلك الوقت ، على أجواء الحفلات ، وعلى تشجيع الجمهور لهم ، وخاصة عند أداء مقاطع برّاقة .
طبعاً نلاحظ وجود بعض التردد أحياناً في الدخول في الغناء ، وخاصة عند : حياة الروح في لحظه ، لأن الدخول صعب نسبياً ، والتسجيل مباشر.
بقي ، ولاختتام مجموعة النشرات حول موشح ملا الكاسات ، أن نتساءل : ماذا فعل محمد عبد الوهاب لدى إشرافه على تسجيل ليلى مراد للموشح ، في سياق فيلم عنبر ، وهل استطاع الإفلات من رغبة محمد عثمان ، في أن يؤدى الموشح من قبل الرجال فقط؟
هذا هو موضوع النشرة التالية!
نص الموشح
دور أول: تؤديه المجموعة
ملا الكاسات وسقاني نحيل الخصر والقد
دور ثانٍ يؤديه : المطربة
حياة الروح في لحظه سباني لحظه الهندي
الخانة: تناوب بين المطربة والمجموعة
مُليمي لاتسل عني ودعني على عهدي