قبل سنوات ، وفي ذكرى رحيل عاصي رحباني التي حلَّت البارحة ، فاجأت السيدة فيروز جمهورها بأغنية جديدة : لمين ، من ألبومها الذي لا يزال قيد التحضير . أقدم هنا مراجعتي لهذه الأغنية .
بنيت الأغنية على لحن ونص أغنية للمغني الفرنسي جيلبير بيكو ، كان أطلقها عام 1957 بعنوان : Pour qui veille l’étoilee ? ، أي لمن تسهر النجمة؟ من كلمات بيار ديلانوي و ألحان لوي أمادي وجيلبير بيكو. تقول كلماتها :
Pour qui veille l’étoile ?
Pour qui ? Pour quoi les nuits s’envoilent?
Pour toi ou bien pour moi ?
Ou bien pour rien ?
Rien, rien, rien…
****
Pour qui pleure le saule ?
Pour qui ?
Pourquoi tourne le pôle ?
Pour toi ou bien pour moi ?
Ou bien pour rien ?
Rien, rien, rien
قامت السيدة ريما رحباني ابنة عاصي وفيروز بترجمة الكلمات لتكون :
لمين .. بتسهر النجمة
لمين ليش بتخلص العتمة
إلك أو إلي أو مش لشي مش لشي ولا أي شي
لمين بيبكي الحور
لمين ليش الأرض بتدور
إلك أو إلي أو مش لشي مش لشي ولا أي شي
النص
النص ، كما أغلب نصوص أغاني جيلبير بيكو ، حمّالُ أوجه ، إذ يمكن اعتباره طرحاً لأسئلة عن أسباب الحياة والوجود ، كما يمكن افتراض أنه يعبر عن تلاشي معنى الحياة إلى العدم ، عند افتراق المحبين.
أعتقد أن فيروز اختارت المعنى الثاني ، لتطلق الأغنية في ذكرى رحيل عاصي ، لترثيه وتقول : بعد فراقنا ، لم يعد للحياة معنى! وعلى هذا الاختيار ، بنيت إخراجي للفيديو المرفق ، إذ أتت الأغنية في تسجيل صوتي.
ملاحظات أولية
في مراجعة أولية للتسجيل ، يمكن توليد الملاحظات التالية:
صوت فيروز في التسجيل نقيٌ وصافٍ ، نسبة إلى عمرها ، ما يطرح أسئلة عن أسباب احتجابها ، إلا إن كان التسجيل قديماً وأُطلق اليوم . في حال كان التسجيل حديثاً ، فإنه سيجعل الجميع يتساءل : ماذا يمنع السيدة فيروز عن إطلاق أغانٍ جديدة ؟ طالما أن صوتها متماسك لهذه الدرجة ؟ ما يولد نتيجة محتملة : الافتقاد إلى الملحن ! وما يؤكد ذلك ، أنها لجأت إلى لحنٍ قديم لرثاء عاصي ، وليس إلى لحن جديد.
قد أجيب فأقول بأنها لعلها اختارت تعريب لحن غربي ، لأن بداياتها مع عاصي كانت تحديداً في هذا الأسلوب ، مع ألحان إدواردو بيانكو ، الملحن الأرجنتيني الشهير ، الذي أقام فترة في بيروت في بداية الخمسينات ، وغنت فيروز من ألحانه الكثير على نصوص معرّبة للأخوين رحباني ، ما يشي بحنينها إلى تلك الفترة . يُذكر أن التعريب كان يتم بالفصحى ، فيما جاء هنا بالعامية ، في افتقاد متجدد للنصوص بالفصحى ، التي كتبها الأخوان رحباني ، لدى تعريب الأغاني ، في البدايات ، والتي لم تكن ترجمة مباشرة للنص الأصلي.
ولكنني أرجح بأنها لم ترغب في أن ترثي عاصي بلحنٍ لملحن آخر ، كائناً من كان ، فاختارت لحناً بعيداً لتبني عليه رثاءها، في رسالة واضحة: إنها تفتقد ملحنها الرئيسي!
طبعاً كان من الممكن أن تختار لحناً بعيداً و معاصراً ، ولكنني لاحظتُ أنها اختارت لحناً يعود إلى منتصف الخمسينات ، وهي فترة زواجهما ، مايجعلني أطرح احتمالاً وارداً ، فلعل لدى فيروز وعاصي من الذكريات ، ما ارتبط بهذا اللحن ، ما يشي أيضاً بحنينٍ ، إلى تلك الفترة الناهضة من العمر!
التسجيل الأصلي
التسجيل جميل طبعاً ، ولكننا لو عدنا إلى تسجيل جيلبير بيكو ، لوجدنا أن المسامع المطوَّلة نسبياً ، التي نؤديها آلة الساكسفون منفردة ، بين المسمعين اللذين تؤديهما فيروز ، أتت في التسجيل الأصلي ، في أداءٍ من قبل البيانو ، مع الأوركسترا ، التي كانت تصور تموجات عاطفية ثرية ، أكسبت النسخة الفرنسية عواطفها الجيّاشة ، وغلّبت معاني الفراق ، على معاني الأسئلة الكبرى في الحياة ، وهو ما افتقده التسجيل هنا ، من الناحية الموسيقية ، وهذه مسؤولية موزع أغنية فيروز : ستيف سايدويل.
ولكن مالنا وهذا .. فأداء فيروز واكتشافنا لتماسك صوتها ، يبعد أي تحليل ، إلى فرصة أخرى ، و يجعلني أتوقع أن جمهورها المحب لمسارها الجديد ، مع زياد ، سينتظر ألبومها الجديد : ببالي ، الذي قيل بأنه سينشر في شهر أيلول / سبتمبر القادم ، في لهفة وشوق عارمين! فيما ينتظر الآخرون ، أن تستعيد مسارها ، مع الأخوين رحباني ، وهو ما كان أنتج رثاءاً ، أمضى و أعمق أثراً!
ولكنهم ينسون أن عصر الكبار ، للأسف ، قد مضى!