في الثالث والعشرين من شهر نيسان / أبريل 2017 أطلقت حدثاً على صفحتي على موقع فيس بوك خصصته للأغاني المغاربية. سأنشر قريباً تذكرة بمجمل ما حققه ذلك الحدث نظراً للأهمية.
بعد إطلاق الحدث تقاطعت أسئلة عديدة عند سؤال محدد: هل كان هذا الحدث أول محاولة للتواصل بين مشرق العالم العربي ومغربه ؟
والواقع أن أول محاولة جادة لتحقيق التواصل بين مغرب العالم العربي ومشرقه، كانت من المشرق باتجاه المغرب، وقد جرت في بداية الثلاثينات من القرن الماضي ، و قام بها الشيخ علي الدرويش، وهو موسيقي وباحث موسيقي سوري، أرسى دعائم أصول التدريس والبحث والتوثيق في الموسيقى العربية، وتنقل على مدى أكثر من 30 عاماً بين أقطار العالم العربي ، لنشر دعائم البحث الموسيقي العربي،إذ قادته قدراته إلى تونس فدرّس فيها الموشحات لمدة ست سنوات ، مما ساهم بإدخال عناصر المدرسة الشرقية الحلبية إلى تونس ، وكان من طلابه الشيخ خميس الترنان و الدكتور صالح المهدي.
قام الشيخ علي الدرويش أثناء إقامته في تونس بتوثيق النوبات الأندلسية التونسية ، بالتدوين الموسيقي ، بالتعاون مع طلابه ، ومع ثلة من كبار الموسيقيين الذين درسوا على يديه التدوين الموسيقي ، ومنهم الشيخ خمَيِّس الترنان ، ما أدى إلى منحه وسام الافتخار التونسي من قبل باي تونس.
أما أول محاولة لتحقيق التواصل من المغرب العربي إلى مشرقه، وإضافة إلى العروض التي قامت بها الفرق القادمة من دول المغرب العربي في حفلات المؤتمر الأول للموسيقى العربية الذي أقيم في القاهرة في عام 1932 ، فقد خطط لها الدكتور فؤاد رجائي آغا القلعة، في بداية الخمسينات من القرن الماضي، وأنجزها الشيخ علي الدرويش عند عودته إلى حلب.
في عام 1950، عاد الشيخ علي إلى حلب، ليعمل في إذاعتها و معهدها الموسيقي ، ويسجل، بالتعاون مع مطربي الإذاعة ومطرباتها ، عدداً كبيراً من وصلات الموشحات.
وهنا كانت مبادرة والدي الدكتور فؤاد رجائي آغا القلعة ، مؤسس إذاعة حلب ومديرها، و مدير معهدها الموسيقي، بأن يقوم الشيخ علي بالإشراف على تسجيل النوبات الأندلسية التونسية ، التي دونها في تونس ، بأصوات سورية لصالح الإذاعة ، بهدف إطلاع متابعي إذاعتي حلب ودمشق عليها ، إذ كان بث إذاعة حلب يجري على موجة إذاعة دمشق في أوقات محددة ، مكرساً التفاعل الثري بين مشرق العالم العربي ومغربه.
من تلك التسجيلات في إذاعة حلب عام 1950 ، أقتطف لكم مسمعاً من نوبة رصد الذيل الأندلسية ، مع مشاهد من حلب حيث تم التسجيل.
بالنتيجة فإن ماقمت به ، من سعي لتعميق التواصل بين مشرق العالم العربي ومغربه ، عبر إحدى أحدث تقانات العصر : الأنترنت ، يستلهم أبعاده من تلك التجربة الأولى في حلب ، التي وظَّفت الإذاعة، التي كانت كذلك، من أحدث تقانات ذلك العصر!