موسوعة كتاب الأغاني الثاني و مشروع التأسيس لنهضة موسيقية عربية جديدة
أقوم في موسوعة كتاب الأغاني الثاني على تطوير قراءة تحليلية جديدة لأعمال كبار الموسيقى العربية ، بهدف كشف مكامن الإبداع في مئات الأعمال الغنائية والموسيقية من نتاجهم ، الذي تكون خلال فترة النهضة التي عاشتها الموسيقى العربية في القرن العشرين ، لتكون تلك القراءة مرجعاً لتوجيه مسارات الإبداع القادمة.
أسعى أيضاً ، و في سياق الموسوعة ، لاختيار أهم عمل غنائي وموسيقي في نتاج تلك النهضة ، ولتوليد قراءة جديدة أيضاً ، لتطور الموسيقى العربية في مراحل زاهية سابقة ، لاستنباط العناصر التي ولَّدتها ، بهدف توليد عناصر مماثلة تدعم التأسيس للنهضة المأمولة.
تتضمن الموسوعة أيضاً تفاصيل الأعمال الجارية في إطار مشروع التأسيس لنهضة موسيقية عربية جديدة ، والتي تعتمد على استطلاعات الرأي ، المبنية على تحليل معمق للوقائع ، والتي تطرح احتمالات تكفل تحديد العناصر التي أدت إلى النهضة الموسيقية التي عاشها العالم العربي في القرن العشرين ، و توصيف واقع الموسيقى العربية اليوم ، و استكشاف مسارات تحقيق استدامة جمهورها ، و كذلك تحديد القضايا التي تحتاج لمعالجة ، مع توظيف نتائج التحليل المقارن بين الواقع اليوم وما جرى في القرن العشرين ، لاستنباط الحلول اللازمة والكفيلة بتشكيل منظومة داعمة للإبداع ، و بتحفيز الإبداع المعاصر ، المستند إلى ما تم تأسيسه في فترة النهضة في القرن العشرين ، والباحث عن تطوير في سياقه.
تعتمد موسوعة كتاب الأغـاني الثاني تقنيةَ النصوص المتشعبة ، وهي مدعمة بالوسائط السمعية والبصرية ذات الحجوم الكبيرة ، ما يجعل من المتعذر نشرها بكامل عناصرها على حوامل فيزيائية متداولة كالورق، أو في صيغ الكتب الرقمية العادية ، أو على أقراص ممغنطة ، ويؤدي بالنتيجة إلى إمكانية وحيدة لنشرها وهي : النشر عبر الانترنت.
مراحل إنجاز الموسوعة
مقدمة حول كتاب الأغاني للأصفهاني
في نهاية القرن العاشر الميلادي ، أي منذ ألف عام، وثق أبو الفرج الأصفهاني لأول عملية نقد موسيقي شاملة في التاريخ ، جرت في عصر هارون الرشيد ، ونفذتها لجنة من كبار المغنين ، إليها أن تضع جدولاً بأهم مائة عمل غنائي عربي ثم تختار منه العشرة الأهم ، فالثلاثة الأهم. حددت اللجنة النتائج ، ولكنها لم تشرح المعايير التي اعتمدت للاختيار، وإن قالت في معرض تبريرها لاختيار الأعمال الثلاثة الأولى: لقد احتوت الغناء العربي كله!
الأصفهاني بعد مرور قرنين من الزمان تقريباً ، رأى أن يوثق جميع ما يتصل بتلك الأغاني المائة المختارة ، في كتاب أسماه كتاب الأغاني . أصبح كتاب الأغاني ، فيما بعد ، من أهم كتب التراث العربي . قام أبو الفرج بالعمل في اتجاهين ، الأول : توثيق ( الأغاني ) الأصوات المائة المختارة ، ونصوصها وأوزانها ومقاماتها الموسيقية ومناسباتها ، ولو أمكنه لوثقها صوتاً وصورة ، ولكنه لم يستطع للأسف ، وضاعت علينا آلاف الألحان الرائعة ، والثاني : توثيق حياة الأعلام من الشعراء والملحنين المغنين الذين أبدعوها. قام الأصفهاني بكل هذا في مدى خمسين عاماً ، دون أن يتمكن من توثيق الأسس التي تمت من خلالها عملية الاختيار!
ومرت ألف عام ثانية ، بعد صدور كتاب الأغاني ، فلم يضع أحد جدولاً بالمائة الثانية من أهم الأغنيات ، وإن تعارف الناس على أهمية بعضها ، ولم يصدر أحد شبيهاً لكتاب الأغاني. صدرت كتب عديدة ، كل منها تحدث عن ملحن أو مغن أو موضوع ، ولكنها لم ترتض لها مهمة مماثلة لكتاب الأغاني ، شاملة جامعة.
بعد اثني عشر قرناً على أول عملية نقد موسيقي شاملة ، و بعد ألف عام تماماً على صدور كتاب الأغاني الأول ، ومنذ سنوات طويلة ، طرحتُ السؤال : هل يمكن ، ونحن في زمن التلفزيون ، والكومبيوتر ، والوسائط المتعددة ، أن نضع ذلك الجدول لأهم مائة عمل غنائي عربي ، وأن نوثق حياة وفن أعلام الموسيقى العربية ، مثلما وثقها الأصفهاني كما وصلت إليه ؟ ولكن ليس على الورق فقط هذه المرة ، بل باستخدام التلفزيون ، والحاسب والوسائط المتعددة! وهل يمكن توظيف تلك الأدوات في تحليل الأعمال الموسيقية والغنائية ، لإبراز مواطن أهميتها ؟ وهو ما لم يكن قد تطرق إليه كتاب الأغاني بوضوح!
وهكذا ولد مشروع موسوعة كتاب الأغاني الثاني ، كمشروع ثقافي ، أسسته منذ أكثر من ثلاثين عاماً ، لتأليف ونشر موسوعة جديدة ، على نهج كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ، وذلك استناداً إلى نظام معلومات الموسيقى العربية ، الذي صممته ونفذته ، وقد أتت الموسوعة في محورين ، كما كتاب الأغاني:
1- توثيق وتحليل حياة وفن أعلام الموسيقى العربية عبر البرامج التلفزيونية و المقالات والدراسات متعددة الوسائط. راجع مجلدات الموسوعة
2- توثيق أهم الأعمال الغنائية والموسيقية مما اختزنته الذاكرة العربية حتى نهاية القرن العشرين ، والسعي لاختيار أهم مائة عمل غنائي أو موسيقي منها.
يمكن على سبيل المثال مراجعة عمليات التصويت التي تمت لاختيار أهم الأغاني في دول المغرب العربي:
وكذلك التصويت لتحديد أهم أغاني أسمهان مع توفير إمكانية الاستماع المباشر إليها والبحث فيها
كما تم اعتماد التصويت المقارن:
تحديد الأغنية الأهم في بدايات عبد الحليم حافظ
تحديد أهم لحن بين الألحان الخمسة لقصيدة حامل الهوى تعب
والتصويت على مرحلتين للأغاني:
التصويت على أهمية أغنية نجوم الليل بين أغاني فريد الأطرش
يهدف المشروع إلى كشف مكامن الإبداع التي تجلت خلال عصر النهضة التي عاشتها الموسيقى العربية في القرن العشرين ، و توثيقها ، وتحديد الأعمال الغنائية والموسيقية المائة الأهم التي جسدتها ، وتوثيق مسارات من أبدعوها ، بالنص والصوت و الصورة ، لتكون ذخراً لأجيال قادمة ، لتنطلق منها للتأسيس لنهضة موسيقية عربية جديدة .
يهدف المشروع أيضاً ، من خلال اعتماد الصوت والصورة ، وقد أصبحت تقنيات ذلك متوفرة ، إلى عدم تكرار تجربة أبي الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني ، إذ حرمته التقنيات المتوفرة في عصره ، من توثيق الألحان ، بالصوت على الأقل.
أولاً : الصيغة التلفزيونية
قُدمت الموسوعة أولاً في نسختها التلفزيونية ، على صيغة برامج تلفزيونية مخصصة للبث على المحطات التلفزيونية ، و هي ” عبد الوهاب مرآة عصره” و ” أسمهان” و “فريد الأطرش” ، في المحور الأول ، و “نهج الأغاني” ، و ” نحو نهضة موسيقية عربية جديدة” ، في المحور الثاني. تم التركيز فيها على توثيق حياة الأعلام المبدعين ، والأغاني المرشحة لتكون ضمن أهم 100 أغنية للقرن العشرين ، ولكن الموسوعة الجديدة أضافت ما لم يتضمنه كتاب الأغاني ، وهو توثيق وعرض أسس التحليل الموسيقي والتاريخي الذي اعتمد في اختيار الأغاني المرشحة ، لتكون ضمن أهم 100 أغنية للقرن العشرين .
ثانياً : النسخة الرقمية
ابتداءً من العقدين الأول والثاني من هذا القرن ، ومع تطور النص الإلكتروني على الحاسوب ، ليتضمن النصوص المتشعبة Hypertext ، و تطور إمكانات الحاسوب في معالجة الأصوات والصور رقمياً ، وتخزين حجومها الكبيرة ، و مع تطور إمكانيات دمج الوسائط المتعددة ضمن النص ، ثم انتشار شبكة الإنترنت ، وإمكانات النشر الإلكتروني المباشر ، مع ما يوفره من إمكانات هائلة للتحديث الدائم ، تغيرت المنهجية المتبعة ، من خلال التركيز أكثر على صيغة النشر الرقمي المباشر ، التي تسمح بنشر نسخة تلفزيونية على الشبكة ، أولا، ثم نسخة رقمية موسوعية ، تتضمن أولاً ، نصوص تقديم البرامج التلفزيونية ، حيث يتم نشر النص مترابطاً مع عشرات النصوص المتشعبة ، التي تشرح المصطلحات والمواضيع الموسيقية والتاريخية ، وسير الشخصيات المؤثرة في حياة الشخصية الفنية المدروسة ، في تغليب للمحيط العام الذي عاشته الشخصية المدروسة ، مرفقة بنسخ صوتية ، على شكل كتاب مسموع ، ما يسمح بقراءة متأنية مسموعة للنص ، وذلك في تغليب لأهمية النص في هذه النسخة . يتضمن كل مجلد أيضاً جداول تفاعلية تعرض تسجيلات لأغاني الشخصية المدروسة قبل التصويت لاختيار أهمها وفق منهجية كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني .
تتضمن النسخة الرقمية المتشعبة أيضاً نصوصاً جديدة ، تبحر في استعراض شريط حياة الشخصية المدروسة ، من خلال نظرة نقدية معمقة ، لم تكن النسخة التلفزيونية تسمح بها ، ما يكفل في الإجمال تشكيل رؤية متكاملة ، ومتجددة دائماً ، عن العصر الذي عاشت فيه تلك الشخصية ، و يتيح للقارئ أن يفهم بشكل أعمق، عناصر التحليل الموسيقي والدرامي المعروضة في الكتاب، وعناصر العصر الذي عاشته الشخصية المدروسة .
اعتمدتُ في النشر الإلكتروني للمجلد على تطبيق مبدئين أساسيين في عالم الاتصالات : البث الآني ONLINE ، والبث المتدفق Streaming. كما اعتمدت مبدأ النشر المتزامن والمتوازي لمجلداته.
ولاشك في أن هذا الأسلوب حوّل الموسوعة الإلكترونية إلى نسخة طيّعة مليئة بالحياة ، قابلة للتحديث الدائم ، مقابل النسخة المطبوعة الثابتة ، غير القابلة للتحديث، إلا في طبعة تالية.
مناهج التحليل
اعتمدتُ في تأليف الموسوعة في نسختيها التلفزيونية والرقمية ، على دمج مناهج التحليل جميعها ، لتأريخ وتوثيق حياة وفن المبدعين ، سواء أكان المنهج السياقي ، المعتمد على إدماج دراسة التطور التاريخي و الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي للمجتمع ، مع دراسة الوضع الحياتي والنفسي للمبدع ، وارتباط ذلك ، في إجماله ، بمضمون أعماله الغنائية و بتطور عناصرها الموسيقية ، وذلك لاكتشاف العناصر الجديدة ، أم المنهج النصي ، المعتمد على تحليل مضمون عناصر العمل الإبداعية وأسلوب تركيبها ، بغض النظر عن سياقاتها ، مع أنني في كثير من الأحيان ، كنت أعود مرة أخرى ، لدراسة تطور العناصر الداخلية في تلك الأعمال في سياقها ، عندما كنت أجد ذلك ضرورياً ، خاصة عند الشك في وجود قفزة جديدة في ذلك العنصر المدروس ، تضيف إلى اللغة الموسيقية العربية جديداً ، فأخضع ذلك العنصر إلى المنهج السياقي لاكتشاف مدى جدَّته.. ولولا اعتماد نظام معلومات الموسيقى العربية في ترتيب المعلومات ، لما أمكن التوصل إلى نتائج التحليل التي وثقتها في البرامج التلفزيونية .
مبادئ تأليف مواضيع الموسوعة و تحديثها وإغنائها
أعتمد في تأليف الموسوعة ، بحسبانها موسوعة رقمية تنشر عبر الإنترنت ، على جملة من المبادئ وهي :
1- كتابة الدراسة حول الموضوع المقرر بشكل مختصر ، ونشر الناتج ، مع وضع أسئلة مفتوحة ، لا تزال بحاجة إلى إجابات.
2- التحديث الدائم :
1-2 : بعد نشر دراسة ما بشكل أولي ، مع أسئلة مفتوحة للتطوير ، يتم تحديث الدراسة ، كلما وجدتُ إجابات للأسئلة المطروحة ، أو برزت أفكار جديدة ، تسهم في إيضاح الموضوع.
2-2 :يتم إغناء الدراسة دائماً بملفات سمعية بصرية إيضاحية جديدة ، بحسبان أنها تنشر ضمن موسوعة موسيقية.
مجلدات موسوعة كتاب الأغاني الثاني
العمل مستمر..
يتم العمل بشكل دؤوب على نشر ملفات مجلدات الموسوعة المكتملة طباعة وتدقيقاً ، وربطاً بالملفات السمعية والبصرية ، وبالنصوص الأخرى على شكل نصوص تشعبية ، و هذا عمل مستمر.
ماذا عن عصر كتاب الأغاني؟
اعتبر ابن خلدون أن كتاب الأغاني هو ديوان العرب ، وهذه حقيقة واقعة ، ولكن هذا الكتاب لم يحظَ بدراسة وافية لأبعاده الموسيقية ، فكثيراً ما نُظر إليه في بعده الأدبي والتاريخي ، كما لم يحظّ بدراسة وافية ، لما تضمنه من عناصر ، لو درست لأعطتنا فكرة واضحة عن العوامل التي أسست لفترة ناهضة للموسيقى العربية ، وثقها ذلك الكتاب . في موسوعة كتاب الاغاني الثاني أخصص محوراً خاصاً للتوقف عند الأبعاد الموسيقية لكتاب الأغاني ، وعند العناصر التي ولّدت تلك الفترة الزاهية في تاريخ الموسيقى العربية ، بغرض الاستفادة منها في مشروع التأسيس لنهضة موسيقية عربية جديدة.
و ماذا عن المستقبل؟
لم يتعرض كتاب الأغاني لمستقبل الموسيقى العربية ، وإنما اكتفى بتوثيق وتوصيف عصر نهضة مضى.
في موسوعة كتاب الأغاني الثاني ، نتجه أيضاً للمستقبل ، الذي يعتمد ، طبعاً ، على توثيق وتحليل حياة وفن أعلام الموسيقى العربية ، وعلى توثيق أهم الأعمال الغنائية والموسيقية ، مما اختزنته الذاكرة العربية حتى نهاية القرن العشرين ، و على كشف الإبداعات التي ولَّدتها قرائح كبار الشعراء والملحنين ، ولكنه يعتمد أيضاً على تحليل واقع الموسيقى العربية اليوم ، و على تحريض الإبداع فيها ، و على معالجة القضايا التي يولِّدها واقعها ، في إطار ما أسميته : مشروع نحو نهضة موسيقية عربية جديدة.
يشكل توثيق مجريات مشروع نحو نهضة موسيقية عربية جديدة أحد محاور الموسوعة الهامة.
خلاصة التجربة
أخصص أيضاً مساراً خاصاً في الموسوعة لتلخيص تجربتي الشخصية في العلاقة بين العلوم والفنون.